قيل في النوادر، أن جحا، أراد يوماً أن يلهو مع أو يسخر من أهل قريته، فكان كلما مر برجل منهم يقول لهquot; أن هناك وليمة في بيت فلان، وأنت مدعو لهاquot;، وعندما رأي أن كل من يبلغه بالدعوة يتوجه إلى بيت فلان قال لنفسه، لابد أن هناك فعلاً وليمة في بيت فلان، فتوجه بنفسه إلى حيث الوليمة التي أختلقها.. وهذا بالضبط ماحصل في العالم وخاصة مع العالم العربي والإسلامي، في موضوع الإرهاب- لقد دعينا إلى وليمة كاذبة، أكذوبة كبيرة صدقناها.. ثم صدقها من أختلقها.

لماذا؟ وكيف، هذا ما سوف نحاول باختصار، أن نوضحه في هذه المقالة.

قبل كل شئ، نريد أن نعرف ماهو الإرهاب، يجب أن نعيد طرح هذا السؤال على أنفسنا وعلى العالم أظن أننا توقفناعن طرح هذا السؤال، منذ زمن طويل لقد توجهنا للوليمة الموهومة بدون أن نسأل، لماذا؟ لأننا اعتقدنا، أو أجبرنا على الاعتقاد بأن الإرهاب معروف ولا يحتاج إلى تعريف.. مادام هناك من يقولquot; إن هذا إرهابquot; فهو إرهاب،وخاصة عندما يصنف العالمquot; أما معي أو إرهابيquot;،.. لقد كانت تلك مسألة إرهاب، أجبرت الكثيرين على آخذ مواقف وحتى دون اقتناع.. والآن، أعتقد أنه آن لنا أن نتوقف ونسأل أنفسنا، أين نقف، ومع من؟ هل نقف مع الإرهاب أو ضده.. هل مازال ذلك التصنيف quot; أما معي أو إرهابيquot;،.. يفرض نفسه علينا في الاختيار.. لنبحث الموضوع منذ البداية، ودون أن نلتزم بأي تصنيف أو موقف.. لقد خضع العالم العربي منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لاستعمار غربي سجلت أثاره في التاريخ وفي الذاكرة.. كان استعماراً وحشياً وشرساً،ارتكب أبشع الجرائم بما فيها تلك التي اعتبرت جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وتعرضت شعوب عربية إلى أبشع جرائم الإبادة والقتل والتدمير والتهجير..، وقاد معارك الجهاد والمقاومة والتحرير في تلك المرحلة قادة عظام مثل عبد الكريم الخطابي، وعبد القادر الجزائري، وعمر المختار، وعزالدين القسام، وغيرهم- ولو عاشوا هذا الزمن لوصموا بالإرهاب....

ثم جاءت الحرب العالمية الثانية، وانهزمت ألمانيا ودول المحور، وحوكم قادة وساسة ألمانيا النازية على جرائم الحرب،وأصدرت محكمة نورنبرنج الأحكام ضدهم وطوي ذلك الملف.. أو مازال كانت الجرائم تسمى بمسمياتها... طبقاً للقانون الدولي.

وجاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين بسجل من الجرائم ومازالت متواصلة، بدأت باحتلال الأراضي والتهجير والمجازر الجماعية ( مثل دير ياسين)، وترويع المدنيين، وقتل الأطفال والنساء.. واستمرت المجازر وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة، والتي أخذت تكيفها القانوني، في القانون الدولي، وأصبحت جرائم محل ملاحقة جنائية، ومتابعة قضائية طبقاً لاتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية.

وقبل ذلك كان هناك مجموعة من الاتفاقيات الدولية تضمنت توصيفاً وتكيفاً لعدد من الجرائم المدانة دولياً.

ولم يكن بين تلك الاتفاقيات أي اتفاقية دولية خاصة بالإرهاب، لقد حاولت بعض الدول الغربية، بالضغط، من أجل وضع اتفاقية خاصة بالإرهاب منذ أكثر من أربعين عاماً.. كان القصد محاربة حركات التحرر الوطني.. والالتفاف على حق الشعوب في تقرير مصيرها والكفاح ضد الاحتلال الأجنبي، ومقاومة العدوان، وفقاً لمبادئ القانون الدولي.

وكان القصد بالدرجة الأولى،ضمن أهداف أخرى، هو حماية إسرائيل من قبل من أنشائها، وفي محاولة لاستعمال الأمم المتحدة والقانون الدولي لهذا الغرض، من خلال وضع اتفاقية دولية لمناهضة الإرهاب.

ولكن فشلت الأمم المتحدة في وضع هذه الاتفاقية، لقد عرض الموضوع على لجنة القانون الدولي، واللجنة القانونية( السادسة) التابعة للأمم المتحدة، واستمر الموضوع مطروحاً،ومازال منذ أكثر من أربعين عاماً.. ولم تتمكن الأمم المتحدة من تعريف للإرهاب متفق عليه،ولم تتمكن أيضاً من تعريف الجريمة الإرهابية.. والسبب ببساطة ان كثير من القانونيين وخبراء القانون الدولي، لم يخدعوا بالدوافع السياسية لوضع اتفاقية دولية للإرهاب، لأن الإرهاب، هو حالة شعور.. حالة نفسية.. أو معنوية.. تنتج عن فعل آخر، بمعنى أخر.. إن الإرهاب بحد ذاته ليس فعل.. وبالتالي ليس هو بالجريمة.. إنما هو قد يكون الناتج المعنوي أو النفسي للجريمة، فمثلاً جريمة القتل أو مجموعة من جرائم القتل قد تخلق حالة من الرعب أو الإرهاب، وكذلك جرائم السرقة في نفس المدينة أو الحي.. قد تخلق نفس الشعور.

وهكذا، هناك جرائم أخرى كثيرة، بعضها، صنف كجرائم دولية، مثل خطف الطائرات، وحجز الرهائن، والقرصنة الجوية والبحرية، والاحتلال والعدوان، والحصار، كلها جرائم لها نتائج مادية وأخرى معنوية ونفسية..وتخلق حالة من الرعب والخوف.. والإرهاب.

وقد تحصل هذه الجرائم من أفراد أو مجموعات أو دول فعلى سبيل المثال- خلال الحرب الباردة- كان توازن الرعب بين المعسكرين الشرقي والغربي يخلق حالة من quot;الإرهابquot; لكل منهما، كان كل منهما يُرهب الطرف الأخر، ويشعر في نفس الوقت بالرهبة منه.. ولم تكن هذه الحالة quot; جريمة إرهابquot; أي لم تكن فعلاً إجرامياً إلا إذا اعتبرنا أن امتلاك الطرفين لأسلحة الدمار الشامل هو الفعل الاجرامي- أما الشعور الناتج عن هذا quot; الامتلاكquot;، فهو حالة إرهاب خلقت توازن الرعب بين الطرفين.

إن امتلاك إسرائيل لأسلحة الدمار الشامل يخلق، ويفترض أن يخلق لدى العرب شعوراً بالإرهاب.. إن امتلاك إسرائيل لأسلحة الدمار الشامل هو ما يمكن اعتباره فعلاً أو جريمة، والناتج المعنوي- هو الإرهاب، إن انتهاك حقوق الإنسان- جريمة تخلق حالة من الشعور بالإرهاب لدى المواطنين، كما أن الجوع والخوف وفقدان الأمن يخلق حالة من الشعور بالإرهاب سواء حدث ذلك من قبل دولة ضد مواطنيها، أو من قبل دولة ضد دولة أخرى، أو شعب آخر.

إن العدوان والاحتلال، والحصار، والهيمنة الاقتصادية، وحتى الاحتكار، والتحكم بالسلع والأسعار، هى جرائم بحد ذاتها يترتب عليها آثار مادية وأخرى نفسية ومعنوية منها الشعور بالإرهاب.

وعليه ليس هناك جريمة أو جنحة، اتفقت المبادئ الأخلاقية والدينية، ولاسيما أحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك التراث الإنساني، والقوانين الوطنية والدولية، على اعتبارها جريمة أو جنحة، إلا ووجدت لها التكييف القانوني بصفتها تلك، في التشريعات الوطنية للدول، وخاصة قوانين العقوبات بالإضافة إلى القوانين الأخرى مثل القوانين الاقتصادية والتجارية وقوانين الأحوال الشخصية، وقوانين مكافحة المخدرات، وتلك الخاصة بالجرائم الأخلاقية، وجرائم أمن الدولة، وحتى جرائم السير.. إلخ.

قد يختلف التكييف القانوني للجريمة جناية كانت او جنحة أو حتى العقوبة المقررة لها من دولة إلى أخرى، ومن قانون إلى آخر.. ولكن يبقي هناك، وفي جميع الأحوال، فعل معاقب عليه بموجب قانون هذه الدولة أو تلك.. بمعنى آخر.. ليس هناك مهرب، من الناحية الإقليمية والقانونية يحول دون ملاحقة الجاني ومعاقبته، سواء في مكان وقوع الجريمة أو الجنحة أو إقليم، أو دولة، أي من أطرافها (المجني والمجني عليه).

وبالتالي ليس هناك مايستدعي اختلاق جريمة وهمية اسمها ( الإرهاب) لملاحقة الجرائم والجنح التي يمكن أن يرتكبها الأفراد والجماعات في أي دولة من دول العالم، مادامت هى فعلاً مصنفة كجريمة أو جنحة في أي من هذه الدول.

أما إذا لم يكن هناك تكييف قانوني للجريمة أو الجنحة في أي من القوانين الجزائية للدول، أو في الاتفاقيات الدولية، فلا يمكن أن يكون مرتكبوها محلاً للملاحقة الجنائية، حتى ولو أطلق على هذه الجريمة مجازاً صفة الإرهاب.

ومن هنا نفهم لماذا وضعت الولايات المتحدة الأمريكية عدداً من المعتقلين والمتهمين بالإرهاب في سجن (غوانتيناموا) خارج الولايات المتحدة.. ببساطة لأن القانون الأمريكي لايسمح باعتقالهم وسجنهم ومحاكمتهم داخل الولايات المتحدة.. لأنه ليس هناك جريمة أو بالأحرى تكييف قانوني للجريمة فى القوانين الجزائية الأمريكية.. ومن هنا نفهم أيضاً، لماذا تمت الملاحقة سراً وبالتعاون مع أجهزة الأمن والاستخبارات في الدول الأخرى، ونقلهم سراً أيضاً من خلال مطارات أوروبية، وعدم الاستعانة بأجهزة الملاحقة الجنائية في الدول الأخرى، وعدم الاستعانة بالأنتربول ( البوليس الدولي)، أو تفعيل اتفاقيات تسليم المجرمين والمساعدة القضائية بين الدول.

السبب ببساطة، لأنه ليس هناك جريمة أو جنحة طبقاً للقوانين الجنائية والعقابية المعمول بها في الدول المعنية.

وليس هناك تكييف قانوني لجريمة محددة في القانون الدولي أو التشريعات الوطنية تسمى ( إرهاب) ومن هنا نفهم لماذا فشلت الأمم المتحدة على امتداد أكثر من أربعين عاماً في وضع اتفاقية ضد الإرهاب أو حتى تعريف محدد للإرهاب والسبب، لأن الإرهاب، كما أسلفنا هو نتيجة معنوية أو نفسية لجرائم وأفعال لها تكييف وتوصيف قانوني محدد في القانون الدولي، والقوانين الجزائية والتشريعات الوطنية لدول العالم..

إن ماقامت به إسرائيل- على سبيل المثال- مؤخراً، من عدوان على غزة، تضمن جرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية- لها جميعها التكيف القانوني في الاتفاقيات الدولية، والقوانين الوطنية.. والغرض أو الهدف المعنوي من هذا العدوان وهذه الجرائم هو ldquo;إرهاب.. الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية، والإسلامية الأخرى..quot;

لقد نجحت إسرائيل في ارتكاب هذه الجرائم والتي ستكون محلاً للملاحقة الجنائية في جميع أقطار العالم، وتعد حالياً الملفات الوثائقية والقانونية لهذه الملاحقة، ولكنها، أي إسرائيل، فشلت بالتأكيد في تحقيق الغرض النفسي لهذا العدوان، وهذه الجرائم، وهو إرهاب الشعب الفلسطيني ودفعه للاستسلام والخضوع لإرادة أملاءات الاحتلال.

وبالرغم من عدم وجود تكييف قانوني للإرهاب كجريمة محددة، فقد استعمل، طوال العقود الماضية، كسلاح سياسي، وأعلامي، ضد العالم العربي والإسلامي، فصنفت دول عربية وإسلامية كدول إرهابية وذلك بقصد حصارها، وإضعافها، وعزلها دوليا، من اجل إخضاعها، وجلبها إلى بيت الطاعة، أو منعها من تحقيق أهدافها في التقدم والتنمية، واستقلال القرار.. واستعمل الإرهاب كذريعة للعدوان على دول عربية وإسلامية أخرى، ووصمت حركات المقاومة والتحرير، وخاصة المقاومة الفلسطينية بالإرهاب.. وهو الغرض الحقيقي من استحداث مصطلح (الإرهاب)أصلاً.

حتى المصارف العربية والإسلامية تعرضت ومازلت تتعرض للمضايقة والتهديد بالإغلاق بحجة دعم الإرهاب.

لقد أصبح سيف الإرهاب مسلطاً باستمرار فوق الرؤؤس- وليس من قبيل الصدفة ان تكون هذه الرؤؤس عربية وإسلامية، دولاً وإفرادا وجماعات، لقد نجحوا في وصم الإسلام والعرب بالإرهاب، أصبح الإرهاب صفة لصيقة بكل ماهو عربي ومسلم وحتى منظمات المجتمع المدني في العالم العربي والإسلامي وخاصة المنظمات الخيرية، ومنظمات المساعدة الإنسانية، تعرضت ومازالت تتعرض(لإرهاب الإرهاب) فصودرت وحجزت أرصدة العديد من المنظمات الإنسانية والخيرية، وصنفت باعتبارها منظمات إرهابية أو منظمات تدعم الإرهاب، وجففت مصادر تمويلها، وروع أهل الخير والعطاء بحجة أنهم يدعمون الإرهاب، من خلال او عن طريق دعمهم للإعمال الإنسانية والخيرية لهذه المنظمات..

باختصار، لقد نجحوا في تصنيع الإرهاب وتصديره لنا، وقمنا نحن بوعي أو بدون وعي بتسويق هذه البضاعة الفاسدة لهم.

والآن علينا أن نتوقف عن الاستجابة لدعوة جحا للوليمة الوهمية، فنسمي الجرائم بأسمائها، ونلاحقها ونعاقبها وندينها، طبقاً لتكيفها في القوانين الدولية والوطنية، وعلينا أن نتوقف عن استعمال تعبير الإرهاب سياسياً وإعلاميا.. مادم ليس له وجود كفعل جنائي.. وان استعماله فقط موجه لنا وضدنا في العالم العربي والإسلامي.

سالم قواطين