(1)

على اعلى جبل للهموم تقف المرأة العراقية، تحمل على اكتافها جبلا اخر من الهموم، لكنها مثل نخلة برحية، تهتز سعفاتها بالزهو والكبرياء، وينتمي (كربها) الى رحمها فيشخص بجهاديته، وتحاول فؤوس الكراهية ان تنال من (جمارها) لكنها لا تصطدم الا بالجذع الصلب الذي عروقه متشابكة، وعنده المناعة الكافية ان يحمي (الجمار) من قسوة الفؤوس الحاقدة، لكن الثمر لا يتأثر، فهي تظل.. تعطي وهي رافعة رأسها للسماء وسعفاتها تزهو مع الريح، سواء كانت عواصف او هبات من النسيم، تعطي من الثمر ما يغري كارهها ان يتلوى حرقة ووجعا من ان هذه النخلة تأبى الا الشموخ.

(2)

عاشت المرأة العراقية ثلاثة عقود في واقع ان وصفناه بالمؤلم فهو وصف سيئ وبسيط، اعطت من الازواج والاشقاء والابناء ما لم تأخذه الحروب العربية مجتمعة، لهذا ترى ان نفوس العراقيين لم تزداد على طول اكثر من عقدين الى الضعف، واحتملت المرأة العراقية بعظمة كبريائها ما لم تحمله امرأة اخرى، يموت الزوج والاخ والابن، فتدفن نفسها في الحياة، تهتز الرغائب لديها، فلا تنظر الا الى وجه الله وشيبة والدها وعيون زوجها، ولو انها ما احترمت هذا، فمن الممكن ان نتأمل كيف هو الواقع العراقي، ولكن المرأة العراقية كانت ترفع رأسها مثل بريحية وجذورها تمتد في اعماق الارض الطيبة تستمد العزم والقوة والقدرة على التحدي.

(3)

في البستان.. نخيل كثير، وللتمر فيها انواع لا تعد ولا تحصى وكل واحدة لها طعمها الخاص، ثمة نخلات تراها من اخمص جذعها الى اعلى قلبها مشذبة وسامقة بطول يبدو في ثبات بدقة متناهية، فيما هناك نخلات جار عليها الزمن وامتدت اليها الاحراش وغزاها (الدوباس) لكنها تظل نخلة عالية لن يدنسها (خياس الطلع)، قد تتوجع وتتألم ويذبل جزء منها ولكنها نخلة لا يمكنها ان تتحول الى شجرة صبار، ولا تعاب النخلة ان اضطرتها الظروف المناخية ان تتوشح بالتراب والغبار.

(4)

يحاول البعض ان يعيدنا الى عصر الجاهلية، حين يجد نفسه هناك ويفك ازار البسوس من اجل ان تقوم حرب لمدة اربعين عاما بين القبائل، لتفوح رائحة كريهة من لاشيء، وهو مراد عند البعض، ان يقول ان الماء قابل للاشتعال لان فيه اوكسجين وهيدروجين!!، لكنهم لايعرفون ان العراقيين اكثر وعيا وتطورا، انهم يضحكون ممن يفلت منه زمام العقل ويتصرف وفق الخبث المغروس في فؤاده وتحت لسانه، العراقية لا تعيش عصر البسوس ولا يمكن ان تستفزها مشاعر الكراهية.

(5)

يمكنني ان اعود الى قصة النبي يوسف عليه السلام واستعير منها ما فعلته زوجة العزيز حين تعرضت للوم من نساء المدينة حول افتتانها بالنبي الكريم فوضعت في يد كل واحدة منهن سكينا واخرجت يوسف عليهن فقطعن ايديهن، صورة (نواعم) في تلك الجلسة تشبه تلك الحادثة، فالنسوة قطعن ايديهن لمرأى المرأة العراقية وهي تعيش ازمنة لم تعشها الاخريات فما وجدن الا تحمل كل واحدة سكينا وتقطع قلبها لينسكب الحقد مدرارا، كانت الصورة واضحة من ان الامر لم يتعدى كونه حالة اخبارية مجردة بل امر دبر بليل له اغراضه ومقاصده، فهل يمكن القول ان المرأة العراقية في بعض اجزائها اثارت عطف نساء نواعم؟ ام ان العرق دساس.

(6)

اعتقد ان نساء (نواعم) لم يقرأن قول ابي العلاء المعري (شربنا ماء دجلة خير ماء / وزرنا اشرف الشجر النخيلا)، وعليهن ان يفهمن ان المرأة العراقية اكتسبت صفة التشبه بالنخلة لان الملوحة التي يكتسبها نهر دجلة بمروره تجعلها تترعرع وتنمو وهي غير آبهة بالاحتراقات من حولها والزبد الذي يجيش من نفوس لم ترتشف من ماء الفرات ولا من ماء دجلة ولا تذوقت طعم التمر الذي تنتجه البرحية.

عبد الجبار العتابي