-1-


لأول مرّة.. لأول مرّة نسمع من مسؤول عربي مثل هذا الذي سمعناه بشأن النووي الإسرائيلي القائم.. المتطور.. الجاهز منذ عشرات السنين، ونووي الجارالإيراني الذي لا زال يحبو بينما صقور الأميركان والأوروبيين والإسرائيليين تحوم فوق رأسه بذات النغمة المعهودة التي أعتدناها من هؤلاء.

لأول مرّة نسمع مسؤول عربي ينطق بمثل هذا ( بما يوحي أو يضلل ) بشعور بالمسؤولية والعدل والرحمة بهذه الأمة الكسيرة الجناح التي لعب بها الأمريكان عشرات السنين في مشاوير حروب داخلية وخارجية موجهة في الغالب في الطريق الخطأ.. صوب العدو الخطأ.. بينما العدو الحقيقي آمن.. سعيد.. متطور.. لا يكف عن التحدي والأزدراء بحلفائه القدامى - الجدد.. (زعماؤنا الأحبة تجار الطائفية والتخلف والسيارات والبهائم المفخخة..!).

لأول مرّة.. فهل هي صادقة.. أم هي زلة لسان..؟

وهل لن تكون الأخيرة؟

وهل هو إيحاء بوعي عربي جديد ينهض على أكتاف خيانات المحافظين الجدد لحلفائهم العرب؟

هل هو إعتبار من التجربة العراقية الماثلة لكل عين.. تجربة الدكتاتور الذي خلقه الأميركان وغذّاه العرب وصرفوا عليه دماء قلوبهم، ليأتي الأيركان لاحقا فيشنقوه وعيونهم تربو صوب بقية الركب من الأحبة المتخشبين على العروش منذ عشرات السنين؟


-2-


لا نتمنى، وربي، أن نتعلق بحبال وهم إيرانية أو تركية أو.. أميركية.

لا نتمنى.. بل ولا نريد وليس يسيرا أن نصدق، أن غريبا بعيدا لا تجمعنا به روابط واقعية عملية، يمكن أن يحرر لنا شبرا أو يعيد لنا حقا مضاعا.

لا نتمنى ولا نريد ولا نصدق، بل وليس من الشرف أن نفعل.

لأن تلك مسؤوليتنا.. مسؤوليتنا نحن حسب، وهذه هي التجربة العراقية النازفة منذ ستة اعوام شاهد على كارثة أن تعتمد في تحرير ذاتك على الغرباء.

دون أن تتمعن بما وراء نخوة هؤلاء الغرباء.

بخلفية هؤلاء الثقافية والفكرية.. بنظرة هؤلاء الحقيقية المجرّدة لك ولثقافتك وشخصيتك ومصالحك.

لا نتمنى.. ولكن.. الا يحسن بنا أن نحسن اللعب بما يقع في ايدينا من اوراق قوية؟

اليست تلك هي السياسة الحقّة.. الذكية؟

الم ينتفع الإسرائيليون والكوريون والإيرانيون من الكبار، روسيا والصين وأوروبا وامريكا من اجل بناء قواهم النووية؟

الم يستثمر الإسرائيليون لوبياتهم وهولوكوستهم ( المُبالغ به ) في إبتزاز الغرب كله؟

الم يستثمر الإيرانيون طاقاتهم البترولية وموقعهم الإستراتيجي وإستقرار وشجاعة نظامهم السياسي ووجود صراع خفي بين الروس والصينيين من جهة والأمريكان من أخرى في خلق تحالف إستراتيجي مع الحليف المشرقي التاريخي ( روسيا والصين ) وصل إلى هذا المستوى المصيري الحميمي الهائل.


-3-


لماذا العرب حسب؟

لماذا العرب حسب.. يؤمرون فيطيعون وهم صاغرون؟

حاربوا إيران.. نحارب.. سمعا وطاعة..!

إدعموا صدام.. ندعمه بالروح والدم..!

حاربوا روسيا والصين.. تآمروا عليهم.. وحذار أن تقيموا معهم أي علاقات..!

لكم الأمر وعلينا الطاعة..ثم ( نزيدكم من الشعر بيتا.. هؤلاء كفرة.. لا يؤمنون بما جاء به نبي الرحمة.. بينما انتم ايها الأحبة الأمريكان والإسرائيليون من حملة الكُتب الربانية المقدسة.. وقد اوصانا نبي الرحمة بأخويه عيسى وموسى..!).

وما أن ينقلب الأميركان ( تبعا لهوى اصحاب الشركات العملاقة في كازينو القمار المسمى الديموقراطية الأميركية )، ما ان ينقلبون على صدام حسين حتى ينقلب الأحبة العرب المعتدلون، ويُحاصر العراق من العرب قبل غيرهم.. يحاصر لما يفوق العشرة اعوام، ويموت مئات الآلاف من الشيوخ والأطفال ويحل الخراب في البلد المسكين الذي كانوا يتغزلون به نثرا وشعرا..!

بين هذا وذاك.. كان العرب مع الأميركان بل متقدمين على هؤلاء خطوة.. ضد زعماء آخرين وأنظمة أخرى شقيقة لهم..!

ليبيا وسوريا والسودان وووو..!

شعوبهم الطيبة تردد في التظاهرات.. بالروح بالدم نفديك يا.. أما هم... الراقدون على بيضة الحكم غير الرشيد فلسان حالهم يقول ( بالروح.. بالدم نفديكم ايها الأحبة الأميركان )..!


-4-


الشعوب الطيبة لا تنازعهم حكما.. لأنها حائرة بالرغيف وكراس الكتابة للطفل في الإبتدائية..!

الشعوب الطيبة لا تنازعهم حكما.. لأنها مفلسة..!

الشعوب العربية الطيبة تعيش في عشوائيات ومقابر، أو تموت اجيالها في بحار العالم إذ تغوص بهم سفن المهربين العتيقة..!

عشرات السنين من القهر والإرهاب الفكري والجوع والبطالة والتلقين والتخويف بنار الرحمن الرحيم.. ما تركت في قلوب أو عقول هؤلاء فسحة للحلم بمنازعة الأب ndash; الحاكم ( حفظه الرحمن ورعاه )..!

لكن تلك الشعوب تتمنى لو أن هذا الحاكم الأب سدد الله خطاه، يكون على الأقل ذو كرامة وأذن وثابة يقظة..هُمامة، تسمع همسات حاجة بؤساء قومه لبعض الكرامة، في الكفّ عن الهرولة وراء الرضا الأمريكي المستحيل..!

ليتكم ايها الحكام الطيبون المنتجبون تسمعون.. وليتكم تتعظون..!


-5-


نتنياهو.. الطيب الجميل... نتنياهو.. وبعد أن زار قاهرة المعتز وعمّان الهاشميين الكرام، وبعد أن تباحث مع الكرام في هذين النظامين الهمامين، قال بين ما قال ( أن إيران عدوة للعرب كما الإسرائيليين، ونحن حلفاء ضد هذا الخطر الماثل ).

لم يعلق العرب البتة والسكوت علامة القبول والرضا.

ثم بلغ موكبه الشريف المبارك واشنطن.

هناك.. قال للأميركان بذات الصلف وذات الوقاحة المعهودة ( حسنا.. اسقطتم صدام وفككتم العراق، فمتى تفعلونها مع إيران؟؟ ).

لم يثلج الطيب نتنياهو صدور العرب لغاية اليوم بكلمة عن حل الدولتين أو المبادرة العربية الشجاعة الذكية..ولم يثلج قلب الأسود الطيب الحاكم في البيت الأبيض بل ذهب حاملا إنذارا للأميركان بوجوب إعطاء مهلة نهائية لتفكيك النووي الإيراني، فإن لم تفعلوا إطلقوا يدي (انا وأشقائي العرب )، كما سلف أن اطلقتم يد صدام وأشقاءه العرب في ثمانينات القرن الفائت..!

يبقى.. هل هو بالون إختبار أم بالون تضليل ذلك الذي أطلقه العزيز أمين الجامعة حفظه الله.. ام هو تحول عربي جاد وخروج من غابة الذل إلى فضاء الكرامة والعدل واحترام الذات..!

لسنا ندري.. ومن اين لنا أن ندري.. فالسياسة العربية فوضى وخفّة وإعتباط وحيرة.

كامل السعدون