فعلتها سيدات الكويت وحققن ريادة ديمقراطية غير متوقعة، فعلنها وتفوقن علي كافة التوقعات.. وكان لابد Hن يفاجئ المجتمع الكويتي ndash; بعد تجربتي انتخابات عامي 2006، 2008 - كل المراقبين والمحللين بتعزيز تجاربه الريادية رغم الفتاوى والتحذيرات بانتخاب أربعة من بين 16 سيدة ترشحن لخوض معركة الفوز بعضوية مجلس الأمة..

أربع سيدات ممن لهن دور فعال ومؤثر في ميدان حقوق الإنسان والمرأة والإصلاح الديمقراطي والاقتصادي والنشاط الأكاديمي والتنويري وتمكين المرأة، وسابقة التجربة السياسية التنفيذية والتعامل المباشر مع قضايا المجتمع.. أربع سيدات ناضلن ضد التهميش والإقصاء وضد مجتمع ذكوري وقبلي غير مقتنع بدور المرأة ولا بأحقيتها في ممارسة حق دستوري يضيف إلي تجارب المجتمع الكويتي الكثير من فاعليات النجاح المستقبلي علي المستويين الخليجي والعربي من ناحية والإسلامي من ناحية أخري..

الفوز لم يأتي متأخراً كما يحاول البعض أن يُنَظر، بل الحقيقة انه ما كان له أن يتحقق قبل اليوم.. تجربة المرأة الكويتي والعمل السياسي حتى من قبل منتصف عام 2005 كانت شديدة القسوة ومرفوضة بنسبة 80 % من شرائح المجتمع الكويتي وكتله السياسية التى ينتمي بعض رموزها وأقطابها للتيار الإصلاحي والليبرالي..

لذلك نقول أن حراك المرأة السياسي طوال أربع سنوات تقريبا كان هو المؤدي إلي ما تحتفل به اليوم.. حراك سلمي مؤسس علي قاعدة نشطة في أكثر من مجال، يأتي العمل الخدمي والتنويري علي رأسها.. حراك تفاعلي مع التيار الليبرالي الصاعد، استطاع بعد خبرة خوض تجربة انتخابات عامي 2006 و 2008 أن يختار سُبل للأداء أكثر أقناعاً وأفصح تعبيراً وأعمق تأثيراً في شخصية الناخب الكويتي ومفهومه للعمل النيابي.. وليس أدل علي ذلك من فرق العمل التي استعانت بها كل منهن منذ قررن الترشح، دللينا علي ذلك أن أكثر من ثلثي الأصوات التي حصلن عليها تعود بالفعل للناخبين من الرجال!!..

النائبات الأربعة وجوه معروفة داخل الكويت وخارجها.. ولكل منهن نشاطها الذي تتميز به في إطار العمل الاجتماعي والأكاديمي والإنساني.. لا نفاضل بين أي منهن، وان كنا نتوقع أن يتدارسن فيما بينهن تجربة السيدة معصومة المبارك التي تولت المنصب الوزاري لأول مرة ( وزيرة للمواصلات ثم للصحة ) وواجهت هجمة شرسة من الضغوط التي تعاملت معها بسلاسة وحسن تدبر، رغم أنها آثرت تقديم استقالتها في نهاية المطاف.. تدارس يستفيد من الإحباطات والترتيبات من ناحية، وكيفية التنسيق مع الكتل البرلمانية داخل المجلس من ناحية ثانية وفق القواعد الديمقراطية المتعارف عليها..

مجلس الأمة الكويتي الجديد يحمل ملامح مختلفة عن المجلس السابق الذي انتخب عام 2008.. فقد تراجع عدد النواب المنتمين لتيار السنة ونواب كتلة العمل الشعبي، وزاد علي حسابهم النواب الشيعيون.. وهناك 21 نائب يدخلون المجلس لأول مرة ويعززون الكتلة السياسية القبلية التي بلغ عددها 25 عضو!!.. وزاد عدد النواب الليبراليون واحدا ليبلغ 8 أعضاء، وفي نفس الوقت فاز عدد كبير من قدامي النواب بمقاعدهم مما يُنبأ لدي بعض المحللين بسرعة اشتعال فتيل الأزمات بينهم وبين الحكومة مرة ثالثة بعد أن تسببوا في حل المجلس مرتين كانت آخرهما بعد مرور ثلاثة أشهر فقط علي انتخاب أعضاءه..

لا ازعم أن العمل النيابي وتمثيل الأمة سيكون سهلاً وميسراً عندما تتولاه النائبات الأربعة.. ولا أميل إلي القول أن وجودهن سيُقلل من نوبات التصادم التي أصبحت سمة من سمات العمل السياسي بين جنبات المجتمع الكويتي.. ولن يوقف تواجدهن ممارسات التأزيم التي أصبح البعض يُتقنها بلا مبرر في كثير من الأحيان..

أميل إلي القول أن وتيرة وفرص التحرش السياسي بالحكومة ستزداد بسبب فوزهن.. وأن تزداد قوة التكتل الذي يضم التيار الإسلامي والتكتل القبلي لنفس السبب.. وان يتحول العنصر النسائي الذي ربما يتم اختياره لتولي منصب تنفيذي في حكومة رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد الصباح، إلي هدف دائم للاستجواب والمناكفة السياسية..

لا اطرح هذا الزعم من باب اليأس والاحباط.. ولا من زاوية سوء النية والاتهام المسبق.. لكن من منطلق التحفيز للاستعداد الجماعي - الذي من المقترض أن تعمل النائبات الأربعة ضمن إطاره الوطني ndash; لإفشال كل محاولات التراجع بالتجربة الديمقراطية الكويتية خطوات إلي الوراء، خاصة بعد أن أضاءت مشاعل المشاركة النيابية التي تمثلها أربع سيدات لأول مرة صفحة ريادية بين دفتي دفتر يوميات مجلس الأمة الكويتي التاريخية..

الدكتور حسن عبد ربه المصري *

استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]