تتباين أراء الأقباط حول تقييمهم لعصر الرئيس حسني مبارك فيري البعض منهم بأن عصر مبارك هو العصر الذهبي للأقباط، ويري فريق أخر أن عصر مبارك هو الأسوأ للأقباط. يمثل الفريق الأول قيادات كنسية وعلمانية بينما يمثل الفريق الأخر نشطاء أقباط المهجر. والحقيقة انا لست مع هذا الفريق أو ذاك وليس من باب خالف تعرف ولكن من خلال إنشغالي بالهم القبطي وقراءاتي ومتابعتي لكل كبيرة وصغيرة تحدث في مصر. فالفريق الأول يقارن بين ما كان يحدث في الماضي وما يحدث الأن وحججهم ما أسميه أنا الرقع التي يلقيها النظام المصري للأقباط بين الحين والأخر كمثل إسناد ترميم الكنائس للمحافظين وإعتبار عيد الميلاد عطلة رسمية أو تدخل القيادات لحل بعض المشاكل عندما يزداد صراخ الأقباط فيقدمون الشكر والعرفان للقيادة السياسة،ثم يعودون للصراخ عند حدوث مشكلة أخري، وهم بذلك يدفعون ثمن قبولهم quot;الرقعةquot; ونسيانهم أن الثوب قد اصبح رثا ولا تصلح فيه الرقع ولابد من إستبداله بثوب جديد في شكل قانون ينهي علي أسباب الشكوي ويزيل الألم الذي يسبب صراخهم. والفريق الثاني هو فريق الثوار الذي يغلب عليهم الطابع الثوري لا الدبلوماسي فهم يرون أن الشارع المصري أصبح اكثر تشددا وتأسلما من أي عهد مضي. وأن هموم ومشاكل الأقباط قد كثرت حتي أصبح إنه لا يمر اسبوع واحد دون حدوث مصيبة جديدة للأقباط.
يغفل الفريقان شيئين في غاية الأهمية الأول التحول الخطير في مسالة حقوق الإنسان بعد الحادي عشر من سبتمبر والثاني التطور الرهيب الذي حدث في نقل الخبر عن طريق شبكة الانترنت ولو نظرنا لعصر عبدالناصر وهو عصر بداية ضياع حقوق الأقباط ولكن المجتمع المصري كان يعيش قبل الثورة العصر الذهبي لليبرالية مما أثرت في سلوك رجل الشارع المصري فخفف من الشعور بالظلم لدي الاقباط بالرغم من ظلم النظام لهم. أما عصر السادات فقد باع القضية للإسلاميين ليس حبا فيهم بل كرها في اليساريين ولذلك كان عصره هو الأشد قسوة علي الأقباط. وبدأ عصر مبارك بدون تغيير يذكر فترك البابا أربعون شهرا في منفاه في الدير وترك الجماعات الإسلامية تقتل وتذبح في الاقباط، ومع تغيير نشاطهم لضرب السياحة وإغتيال القيادات وكان أبرزهم رفعت المحجوب سنة 1990، تغير تعامل النظام معهم وخاض حرب شرسة ضدهم إنتهت بقتل معظم أفراد الجماعات اللإسلامية أو سجنهم.
والذين يقولون ان عصر مبارك هو الأسوأ، أقول لهم أن المشاكل التي تحدث اليوم هي التي كانت تحدث بالامس بل أقل مما كانت تحدث في الماضي، ولكن التطور الخطير الذي حدث في الميديا الذي أدي لنقل كل خبر كبير أو صغير هو الذي أعطي هذا الإنطباع، فقد كانت في الماضي تحدث مشاكل أكثر من الأن ولكننا كنا لا نسمع عنها.
والذين يقولون أن عصر مبارك هو العصر الذهبي فقط أدعوهم لألقاء نظرة سريعة علي دولة من دول الشرق الأوسط كتونس مثلا أو الكويت أو لبنان أو أي دولة أخري ولنري مدي التطور الذي حدث في هذه البلاد في مجال حقوق الإنسان وما حدث في مصر. لو قمنا بدراسة سريعة لوجدنا ان مصر الأقل تطورا في حقوق الإنسان. ثم أن مبارك أتيحت له فرصة ذهبية لحل كل مشاكل الأقباط بعد أحداث 11 سبتمبر بل أن الإدارة الامريكية ضغطت علي مصر بكل قوتها من أجل حقوق الأقليات ولكن مبارك كان عنيدا حتي إنه ضحي بعلاقاته مع الولايات المتحدة والتي شهدت في عصر بوش ذروة التوتر فبوش كان يريد تغييرا في الشرق الأوسط وكان يؤمن ان التغيير لو حدث في مصر لأنتقل في سنين معدودة لكل دول المنطقة. ولكن مبارك رفض كل الضغوط للتحول للديمقراطية وإعطاء حقوق الأقليات وأولهم الأقباط بالطبع. هذه الفرصة لو أتيحت في عصر السادات مثلا لحلت القضية القبطية من جذورها وكل الرقع التي يمنحها مبارك للأقباط ليس حبا في الأقباط ولا رغبته في حل مشاكلهم ولكن يرجع للميديا التي تنقل كل الاحداث وخصوصا الأجنبية مما يولد ضغوط دولية علي النظام فيحاول بين الحين والأخر تجميل صورته المشوهة في نظر العالم. ويرجع للتغير في مسألة حقوق الإنسان التي أصبحت شانا عالميا وليس أمرا داخليا، ولنشاط أقباط المهجر الذين لا يتوانون في فضح النظام في الخارج كلما حدثت حادثة. في النهاية اقول رأيي النابع من ضميري والذي سأحاسب عنه يوما امام الله أن عصر مبارك ليس الأسوأ للأقباط ولكن مبارك هو الأسوأ وهو الذي أضاع كل الفرص التي لو أتيحت لغيره لحلت قضيتنا.
مدحت عويضة
التعليقات