بعد حملة القتل التي استهدفت المثليين في بعض مناطق البلاد والتي قابلها الوسط العراقي بصمت مطبق بدأت هذه الأيام حملة جديدة وجهتها الشباب بشكل عام تحت ذريعة مكافحة العادات الشاذة والغريبة والتي تشمل بعرف أصحاب الحملة قائمة طويلة من العادات الشبابية المعروفة كإطالة الشعر ولبس الجينز وارتداء القمصان الملونة وحف الوجه وتقليد أزياء وتسريحات شعر اللاعبين والممثلين العالميين..الخ وهي عادات عرف بها الشباب في كل مكان انسياقا مع طبيعتهم النفسية والانفعالية الحادة وروحهم الوثابة وطبعهم الجامح وعقلهم المتمرد الذي ينشد دائما المغايرة والتمايز كجزء من سنة التغيير الكونية التي لولاها لما تقدمت الشعوب خطوة واحدة أو تقدمت الحياة إلى الأفضل لكن ما يحصل في العراق هذه الأيام هو قتل لهذه الروح الوثابة وتبديد لهذه القوة الكبيرة حيث تعبا طاقات الشباب بدلا عن ذلك في مجالات هي ابعد ما تكون عن المطلوب لتوجه لأهداف نمطية ترتبط عادة بالقيم والتقاليد المعتادة كما يحصل عندما ينخرط ملايين الشباب في المواكب الحسينية أو الفعاليات العشائرية.


وبحسب الأخبار الواردة من محافظات عراقية عديدة فان جهات مليشياوية مختلفة منخرطة في هذه الحملة التي تشارك بها أيضا وبحسب تلك المصادر قطعات تعود للإدارات الحكومية المحلية سواء بعلم الحكومة المركزية في بغداد أو بدون علمها حيث تدل هذه المشاركة الحكومية على وجود نوع من الموافقة الحكومية على ذلك. ولكي يسبغ على الحملة طابع ديني أخذت المساجد والحسينيات بترديد الخطب والمواعظ التي تدين هذه الظواهر مقرنة بينها وبين ما أسموها ( بموجة التخنث والميوعة ) التي أصابت بعض الشباب تحت هدير الوافد الغربي والانفتاح الخارجي داعين الناس إلى التصدي لهذه الظاهرة والمساهمة في مكافحتها من خلال الإبلاغ عن أسماء الشباب(المشبوهين!) حيث تبع ذلك حملة كبيرة لم تسلم منها حتى البيوت فيما تعرض المستهدفون لشتى أشكال التعذيب والتنكيل والاهانة وكل ذلك تحت سمع وبصر السلطات الحكومية.


إن أي مراقب للمشهد العراقي سوف يستغرب حتما إصرار بعض الجهات المليشياوية التي يتبع بعضها أحزاب منخرطة في الحكومة على مصادرة دور الدولة التي يشاركون في تمثيلها فالأمر أشبه ببان يقوم بهدم بنائه فور الانتهاء منه أو خلال عملية البناء الأمر الذي يؤكد لأي مراقب أن الأيام القادمة لن تكون سهلة وستكون بالتأكيد حبلى بإشكالات كثيرة إذ لا يمكن بتقديري على وفق هذه الأجواء ضمان بقاء المسار الديمقراطي للبلد أو استقرار الشكل العلماني كهوية ممكنة للدولة العراقية فهناك بالتأكيد من يريد أن يلعب لعبته ويقلب الطاولة على ما فيها فالأحزاب السياسية الحاكمة وهي في جلها أحزاب دينية لاترى في نموذج الدولة العلماني طموحا لها بل قد لا تجد في النظام الديمقراطي إلى وسيلة لتحقيق أهداف ما وإلا كيف يتوافق النظام الديمقراطي للبلد مع الطابع الأيدلوجي للأحزاب الحاكمة وما هذه الحملات المتتابعة التي تستهدف الحريات الاجتماعية والخصوصية الشخصية للإفراد إلا تأكيدا على وجود خط ما ربما يعمل على مخاتلة العملية السياسية بغية الانقضاض عليها في الوقت المناسب.


وإذا صح هذا القول فان هناك مخاطر جدية بانتظار العملية الديمقراطية في العراق إذ ليس هناك ضمانات مؤكدة تمنع تحول الديمقراطية العراقية إلى دكتاتورية كما حصل غير مرة فكل الاحتمالات تبدوا مفتوحة في قابل الأيام أو عند خروج القوات الأميركية من البلاد فليس هناك من مانع يمنع القوى الإرهابية والمليشياوية من وضع يدها على مستقبل البلاد وما لم يعي المسؤولون خطورة ذلك ويعملوا على وضع إجراءات أو ترتيبات مناسبة على منع حصوله فليس بالإمكان استبعاد الاسوا الذي سيبقى ماثلا ما دمنا غافلين عنه.

باسم محمد حبيب