وجع العراق، جوهرة العراق المفقودة، الجرح الذي لم يندمل، اطلالة العراق على الخليج، ثغر العراق الباسم، المدينة السليبة، نعم هذه هي بعض توصيفات العراقيين وما يدور في قلوبهم وعقولهم وخلاصة عواطفهم تجاه الكويت، ورغم الظلم الكبير الذي وقع على العراق والشعور العام بالحيف والغُبن نتيجة لأقتطاع هذا الجزء العزيز منه إلا أن العراقيين تساموا على كل الجراحات وفضلوا إقامة أفضل العلاقات مع الكيان الذي أقيم على أراضيهم من منطلق الحفاظ على الوشائج وروابط الأخوة بين الجانبيين، ورغم تعاقب عدد من الأنظمة على حكم العراق إلا أن السياسية الرسمية الكويتية كانت في أغلب الأحيان مستفزة وعدوانية وهذا ما يؤكد على أن العداء الكويتي للعراق والإصرار على الأضرار بمصالح شعبه ليس بسبب نظام صدام حسين الذي كان يمثل مزاج عراقي عام بالنسبة لموضوع الكويت بل هو عداء مستحكم ضد شعب العراق نابع من عقدة عراقية الكويت، وقد طرحنا في مقال سابق طريقة مثلى لحل الخلاف جذريآ عن طريق قيام وحدة أندماجية بين العراق والكويت مع احتفاظ الكويت بنوع من الأدارة المحلية الذاتية حيث تبقى العائلة الحاكمة تحافظ على أمتيازاتها المشروعة وتدير الكويت بصيغة جديدة يتفق عليها الطرفان في بغداد والكويت للخروج من دائرة المشاكل التي لا تنتهي بين الجانبيين.

أن طرح نقاط الخلاف بين العراق والكويت بشفافية وبكل صراحة ومعالجتها جذريآ هو الأسلوب الأمثل لمنع تدخلات الدول الأمبريالية والأقليمية التي تتخذ من هكذا خلافات مزمنة ذريعة للهيمنة ونهب الثروات،

فلن نتكلم هنا بعموميات أو نتجنب نقاط الخلاف المهمة أو نقفز على حقوق كما يفعل البعض، أو أن نحصر المشاكل مع الكويت كما يحاول بعض السياسيين العراقيين ونختصرها فقط بمسألة الديون والتعويضات، بل سنعتمد المباشرة والشفافية في الطرح وتشخيص كافة نقاط الخلاف الجوهرية بين العراق والكويت، فالوضع لا يحتمل أي مجاملات أو أعتراضات خجولة على حساب العراق الذي يمر اليوم بمرحلة خطيرة ويراد له أن يبقى أسيرآ ومرتهنآ لما يسمى بالقرارات الدولية السيئة الصيت التي فرضت عليه منذ عام 1990 ولحد الآن، ومن أبرز نقاط الخلاف التي سوف نتناولها هي:

1_ القضم المبرمج والممنهج لأراضي العراق ومياهه الأقليمية مما أدى الى خنق العراق بحريآ، فمن مساحة 13 الف كيلو متر مربع الى مساحة 23 ألف كيلو متر مربع هي مساحة الكويت الآن، ومن سور الكويت الذي لا يزيد عن الكيلو متر الى سور بطول 200 كيلو متر يقطع نصف أم قصر ويقف على أبواب الزبير، فلا يعقل أن الكويت قامت بردم لمياه البحر كما تفعل بعض الدول المتقدمة ولا يمكن أن تتوسع الكويت على حساب المملكة العربية السعودية المستقرة، أو تمددت الكويت بفعل درجة الحرارة، بل توسعت شمالآ بأتجاه الداخل العراقي مستغلة مشاكل العراق وأنشغاله في حل تلك المشاكل.


2_ التدخل في شؤون العراق الداخلية عن طريق أثارة النعرات الطائفية بين أبناء البلد الواحد، وتشجيع بعض العملاء والمرتزقة والترويج لهم سياسيآ وأعلاميآ ودعمهم ماديآ لتشكيل ما يسمى بفدرالية الجنوب أو على الأقل الظفر بفدرالية بصرية وهذا ما رأيناه في أنتخابات مجالس المحافظات الأخيرة حيث أنطلقت بعض الصيحات النشاز مطالبة بفيدرالية البصرة،وهو تشويه للحقائق وقفزآ على الحقوق حتى لا يستطيع العراق (الفيدرالي) المفكك الغارق في مشاكله الداخلية من المطالبة بأية حقوق في الكويت مستقبلآ وهذا هو المخطط المرسوم للعراق الذي يراد له أن يكون بلد متعدد الأقطاب لا مركزية جامعة له.


3_ ملف التعويضات والديون المستحقة على الكويت للعراق وليس العكس وهي بما يقارب ال 200 مليار دولار أمريكي،فأستخراج النفط عن طريق الحفر المائل من الحقول العراقية وبصورة غير شرعية وبدون علم العراق ولأكثر من عقدين من الزمان،إضافة للحصار الذي فرض على العراق والذي أدى الى أستشهاد أكثر من مليون عراقي وإلى توقف صادرات النفط العراقية، كانت الكويت من أشد الداعمين والممولين له علاوة على قيامها بفتح أراضيها وأجواءها ومياهها الأقليمية منطلقآ للعدوان وغزو العراق ومشاركتها الفعلية مع القوات الغازية في تدمير العراق وبدون أي قرار أممي أو أي غطاء دولي، ولا ننسى ملف مئات الألوف من الذين تم تهجيرهم من سكان الكويت الأصليين والذين يطلقون عليهم تسمية البدون حيث سلبت كل ممتلكاتهم ونالهم التهجير القسري.


4_ ملف الأسرى والمحتجزين العراقيين في السجون الكويتية والذي يجب أن يحظى بأولوية قصوى ويلقى صدى أعلاميآ واسعآ (كما هو ملف ما يسمى بالأسرى الكويتيين )،نظرآ للحالة المأساوية التي يعيشها المحتجزون العراقيون في المعتقلات الكويتية وأغلبهم غير مسجل في سجلات منظمة الصليب الأحمر الدولية.


5_ التحريض الذي تمارسه الكويت ضد العراق في كل المحافل الدولية ومحاولتها منع العراق من تسليح نفسه.
نأمل مخلصين من الأخوة في الكويت أن يستجيبوا لنداء العقل والمنطق ويقوموا بخطوات جادة لحل النقاط الخلافية وإزالة بؤر التوتر مع العراق وعدم الركون والأعتماد على الأجنبي الذي يريد شرآ بالمنطقة ولا يتصوروا بأن العراق ضعيف الآن سهل أبتزازه، نعم العراق مجروح لكنه ليس ضعيفآ وهناك الملايين من شماله الى جنوبه مستعدة أن تفدي ترابه، وتجود بالغالي والنفيس في سبيله، فالكويت تعرف بأن ترسيم الحدود فرض على العراق من جانب قوى كبرى أرادت تحجيم هذا البلد الحضاري العظيم لأهداف سياسية شريرة.

لذلك نتمنى على أشقائنا في الكويت أن يقوموا بخطوة جريئة لطمأنة العراق وهي الأنسحاب السريع والغير مشروط الى المطلاع نقطة الحدود المفترضة تعقبها تفاهمات بين الجانبيين تؤدي الى فك الخناق البحري الذي تفرضه الكويت على العراق من خلال الأنسحاب من بعض الجزر والموانئ العراقية المحتلة وهي خطوة أولية سوف تؤدي الى حلحلة باقي الملفات ونقاط الخلاف التي ذكرناها، أن الأقدام على خطوة كبيرة من هذا النوع سوف يهدأ كثيرآ من المطالبات التأريخية بضم الكويت كلها الى العراق وسوف يؤسس لعلاقات متوازنة تقوم على الأحترام المتبادل وحسن الجوار وتبادل المنافع.

حيدر مفتن جارالله الساعدي
[email protected]