الملايين في المنطقة والعالم استمعوا،يوم الخميس الماضي، الى الرئيس الأميركي quot;باراك حسين أوباماquot;وهو يخاطب من جامعة القاهرة بمصر الشعوب الاسلامية.كاناً خطاباً متميزاً لرئيس أمريكي مختلف،شكلاً ومضموناً، عن كل رؤساءأميركا السابقون.تطرق أوباما في خطابه،كما كان متوقعاً، لأهم القضايا والملفات الساخنة التي تأخذ من اهتمام الادارة الأميركية،وتلك التي تهم شعوب منطقة الشرق الأوسط،،( الارهاب والتطرف،الصراع الاسرائيلي ndash;الفلسطيني، العراق وأفغانستان،النووي الايراني،الديمقراطية، الحريات الدينية، حقوق المرأة،التنمية الاقتصادية). وفق معظم التحليلات،أشاع خطاب أوباما نوع من الارتياح لدى مختلف الأوساط، السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية في المنطقة،طبعاً عدا تلك التي تكره وتعاديأميركا والغرب لأسباب عقائدية وايديولوجية،وتلك التي تتضرر مصالحها الخاصة من حل أزمات المنطقة،والمشككون دوماً بالنوايا الأميركية والغرب حيال قضايا العرب والمسلمين.
كعادته،ظهر الرئيس باراك حسين أوباما متماسكاً واثقاً من نفسه، يعي تماماً كل ما يقوله ويعرف كيف يختار كلماته بدقة والتي تقربه من الجمهور الذي يخاطبه.أكثر من مرة استشهد بآيات من القرآن الكريم، لأنه يدرك جيداً أهمية وحساسية الدين ومكانته لدى الشعوب الاسلامية التي تنام وتستيقظ على أصوات المآذن،لا تقبل الفصل بين ما هو سياسي وما هو ديني. لم يكن أوباما يهدف الى إصلاح صورة بلادهquot; الولايات المتحدة الأميركيةquot; أمام الشعوب الاسلامية وتصحيح علاقتها بها فحسب، بعد أن ساءت هذه العلاقة في عهد الرئيس السابق quot;جورج بوشquot;، وانما هو اراد اصلاح صورة quot;الاسلامquot; ذاته التي شوهها المتعصبون والمتطرفون من المسلمين بأعمالهم الارهابية وقتلهم الأبرياء باسم الاسلام.
أوباما، يدرك جيداً بأن quot;الديمقراطيةquot; التي أوصلته الى كرسي الرئاسة لأقوى دولة في العالم هي حصيلة وثمرة تطور تاريخي متكامل للمجتمع الأميركي، لا يمكن فرضها على شعوب تفكر في الماضي أكثر مما تعمل للمستقبل، أو تصديرها لمجتمعات لم تبلغ مستوى النضوج السياسي الديمقراطي بعد، كما هو حال غالبية شعوب المجتمعات العربية والاسلامية.فقد أخفقت الادارة الامريكية السابقة بزعامة بوش الابن في اقامة quot;نظام ديمقراطيquot; في العراق رغم السيطرة الأميركية المباشرة عليه.من هذا المنظور،اعتقد بأن أوباما كان واضحاً في كل ما قاله عن القضايا التي تناولها في خطابه.كما أنه كان حازماً،فيما يخص الثوابت في السياسة الأميركية تجاه هذه القضايا.ومن المفترض أن رسالته الى المسلمين،شعوباً وحكومات، قد وصلت لمن يريد أن يفهم الاستراتيجية الامريكية في المنطقة والعالم.
يمكن لخطاب أوباما أن يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الامريكية مع دول وشعوب الشرق الأوسط،تقوم على الاحترام المتبادل وعلى المصالح المشتركة.طبعاً، اذا ما أحسن القائمون على شؤون هذه المنطقة الحيوية من العالم، بما فيها اسرائيل، التعاطي بايجابية مع الادارة الامريكية الجديدة التي سيقودها أوباما لأربعة سنوات قادمة وربما لثماني سنوات،والتعاون معها في حل أزمات ومشكلات المنطقة التي تهددها بمزيد من الحروب والقلاقل،خاصة في يتعلق بانهاء النزاع الفلسطيني- الاسرائيلي على قاعدة quot;حل الدولتينquot;ومشكلة الارهاب المنظم. أن اخفاق قوى الاعتدال، العربية والاسلامية واليهودية، في الامساك بزمام أمور منطقة الشرق الأوسط،أكثر مناطق العالم توتراً، في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة،يعني ترك الساحة للأصوليات المتشددة، ولقوى التطرف والشر والارهاب المناهضة للسلام والرافضة للحداثة وللتعايش المشترك بين أتباع الديانات التوحيدية الثلاثquot;اليهودية والمسيحية والاسلاميةquot;.
باراك أوباما،المتحدر من أقلية سوداء عانت كثيراً في الماضي من الاضطهاد العرقي ومن قوانين التميز العنصري في الولايات المتحدة الأميركية حقق بدخوله الى البيت البيض كرئيس حلم زعيم حركة الدفاع عن الحقوق المدنية للسود مارتن لوثر كينغ، توقف في خطابه عند قضية الحقوق والحريات الدينية، خاصة الأقليات المسيحية التي تعاني من عسف الأغلبيات المسلمة. لأنها (الحريات الدينية)وكما قالquot; هي الحرية الاساسية التي تمكن الشعوب من التعايش..quot;.وقد أشار أوباما الى الانتهاكات الخطيرة التي تتعرض لها الحريات الدينية في بعض المجتمعات والدول الاسلامية.قال:quot; ثمة توجه في بعض أماكن العالم الاسلامي ينزع الى تحديد قوة عقيدة الشخص وفقا لموقفه الرافض لعقيدة الأخر ان التعددية الدينية هي ثروة يجب الحفاظ عليها ويجب أن يشمل ذلك الموارنة في لبنان أو الاقباط في مصر..quot;. شيء جيد أن يكشف الرئيس أوباما عن قلقه وقلق ادارته على مستقبل موارنة لبنان وأقباط مصر.. لكن كان الأولى بأوباما أن يتوقف أولاً عن قضية المسيحيين في العراق معظمهم من الكلدوآشوريين سكان العراق الأوائل،حيث كاد العراق أن يخلو منهم،خاصة وأن الولايات المتحدة الأميركية،بصفتها دولة محتلة للعراق، تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية تجاه مآسي مسيحيي العراق وباقي أقلياته الدينية والعرقية مثل لصابئة المندائيين والشبك واليزيديين، المهددة بخطر الابادة والتلاشي بسبب حملات الارهاب والقتل والتهجير القسري التي تعرضوا ويتعرضون لها منذ الغزو الامريكي للعراق في آذار 2003.
فوفق معظم التقارير الصادرة من العراق،فأن مسيحيي العراق، هم أكثر شعوب العراق تضرراً من الغزو الأميركي، رغم أنهم لم يكونوا يوماً طرفاً في الحروب المذهبية والطائفية والعرقية التي تعصف به.فهم وقعوا ضحية لعبة وأطماع القوى السنية والشيعية والكردية المتصارعة على من يجب أن يحكم العراق، أو على تقاسم الكعكة العراقية فيما بينها. فبعد أن تسبب الغزو الأميركي في تفكك الدولة العراقية أضحى المسيحيون من دون حصانة أو حماية وطنية وليس لهم ميليشيات خاصة بهم تدافع عنهم.وقد أشارت العديد من المنظمات والهيئات المحلية والدولية، بينها منظمات حكومية أمريكية، الى محنة مسيحي العراق والمخاطر الكبيرة التي تهدد وجودهم في وطن آباءهم. في هذا الاطار،أكدت quot;جوديث إنغرامquot; مسئولة مكتب الاتصالات في اللجنة الأميركية للحريات الدينية في العالم أن اللجنة وجهت في شهر ايار من عام 2008 رسالة إلى وزارة الخارجية الأميركية عبرت فيها عن قلقها العميق بسبب وضع الحريات الدينية وحياة غير المسلمين في العراق ولا سيما المسيحيين من كلدو آشوريين وغيرهم إضافة الى الصابئة والإيزيديين وغيرهم من الأقليات الدينيةquot;. كما أعرب ممثل الأمم المتحدة في العراق السيد ستافان دي ميستورا عن قلق المنظمة الدولية على مستقبل المسيحيين والأقليات الأخرى جراء أعمال العنف والارهاب المنظم التي تستهدفهم والتي تسببت في مقتل المئات منهم بينهم مطران ورجال دين آخرين وهجرت آلاف العائلات من مناطق سكناهم. وبدوره أدان لامين العام للامم المتحدة بان كيمون وبشدة استهداف مسيحيي العراق حيث قال بان كيمونquot; ان الجرائم التي ترتكب بحق النساء والمسيحيين في العراق، اساءة لحقوق الانسان وسط الانتهاكات السائدة في الامة الاسلاميةquot;. تجدر الاشارة هنا الى أن بعض النواب في الكونغرس الأميركي في عهد ادارة بوش طالب بتوفير منطقة آمنة في سهل نينوى لمسيحيي العراق. رغم كل هذه الشهادات والتقارير، تجاهل أوباما في خطابه محنة مسيحيي العراق.أنه تجاهل متعمد من قبل الرئيس أوباما حتى لا يفتح باب جهنم على الولايات المتحدة الأميركية والحديث عن مسؤوليتها المباشرة عن مآسي ومحن شعوب العراق وما حل بهذا البلد من خراب ودمار بعد غزوها له.وهذا التجاهل، يترك أكثر من اشارة استفهام حول موقف الادارة الامريكية من قضية الوجود الآشوري والمسيحي عموماً في العراق الجديد الذي تخطط له الولايات المتحدة الأميركية.
طبعاً، أن ضعف الوزن السياسي والاقتصادي للآشوريين وغياب صوتهم عن المنابر الاعلامية والحقوقية في الولايات الأميركية والغرب عموماً، سهل على الرئيس أوباما تجاهل قضيتهم في العراق ومن غير أي حرج.اذ، لا quot;لوبي آشوريquot; في الخارج كما هو حال جاليات الموارنة والاقباط الذين استطاعوا ايصال قضيتهم الى الراي العام الأميركي والأوربي.فبكل اسف أن الآشوريين(سريان/كلدان)،بأحزابهم ومؤسساتهم القومية والكنسية، في الداخل والخارج، منشغلون بخلافاتهم الداخلية حول قضايا تافهة صغيرة، مثل مشكلة التسميات، وعلى بعض المكاسب والامتيازات الحزبية والطائفية الضيقة هنا وهناك،تاركين مصيرهم وقضيتهم في أيدي الآخرين وتحت رحمة من لا رحمة في قلوبهم.
سليمان يوسف يوسف
سوري آشوري مهتم بقضايا الأقليات
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات