أي متتبع للعلاقات الأميركية ndash; الإسلامية سوف يجد حتما أن هذه العلاقات قد شهدت متغيرات مهمة خلال الفترة القليلة السابقة وان هناك توجه أميركي لتطوير هذه العلاقات بما يعزز امن أميركا واستقرارها فأميركا التي كانت ترى في المسلمين احد ابرز خصومها الأيدلوجيين بدت مهتمة بالتقارب معهم وليس أدل على ذلك من مجيء رئيس ذو خلفية إسلامية إلى سدة الحكم في البيت الأبيض ومحاولة أميركا الجادة لإيجاد حل للصراع العربي _ الإسرائيلي هذا ناهيك عن الإشارات الإعلامية والسياسية الكثيرة التي أخذت إدارة الرئيس الجديد توجهها إلى العالم الإسلامي لتثبت بها صداقة أميركا واهتمامها بهذا العالم وبشعوبه ومما يلاحظ من تحركات الرئيس اوباما انه يركز كثيرا على المنطقة العربية والإسلامية ما يوحي بان مهمته الأساس تتركز أساسا على حل مشاكل المنطقة و تحسين علاقات أميركا بها وكان أميركا قد غدت بين ليلة وضحاها جزءا من الإطار الإسلامي أو أشبه بجمهورية إسلامية وبالتالي لامحيص من التساؤل عن السر وراء ذلك فهل أدركت أميركا أنها كانت ظالمة لهذه المنطقة وانه آن الأوان لرفع الظلم عنها؟

أم أدركت بان الخطر الذي تمثله هذه المنطقة على مصالحها يتطلب منها لعب دور جاد لتقليص هذا الخطر وسواء كان الأمر هذا أو ذاك فان هناك عوامل كبيرة دفعت لحصول هذا التغيير الواضح في السياسة الأميركية وليس لنا إلا أن نبحث في القوى الرأسمالية المتحكمة بالقرار الأميركي لابد أنها أدركت خطر العداء الإسلامي ndash; الأميركي على مصالحها الحيوية لاسيما بعد فشل خيار المواجهة الذي استخدمته الإدارة السابقة وعدم قدرتها على ضبط الأمور بالقوة المسلحة وما نتج عن ذلك من أزمة اقتصادية خطيرة عدت الأكبر التي تواجهها أميركا منذ عقود لكن هل هذه السياسة الأميركية الجديدة تمثل تغييرا في النهج الاستراتجي الأميركي؟ أم هي مجرد أسلوب تكتيكي هدفه إنقاذ المصالح الأميركية وإبعاد شبح الأزمة الاقتصادية عن الاقتصاد الأميركي المتضرر أي بما معناه أن أميركا قد لا تكون جادة في إرساء علاقات حقيقية مع العالمين العربي والإسلامي وإنما هي تريد كسب الوقت قبل أن تبادر إلى مواجهة جديدة على غرار ما فعلته إدارة الرئيس بوش عندما غزت العراق وغيرت نظام الحكم فيه. إن الإجابة على هذا السؤال الذي ربما يطرق أذهان البعض هو أن أميركا لا تمتلك نهجا استراتيجيا بقدر ما تمتلك معايير إستراتيجية وليست لها سياسة محددة الأبعاد بقدر ما تتعامل مع المعطيات بشكل مباشر يتصل بالغالب بدورها العالمي ومصالحها الاقتصادية لكن كيف يكون لأميركا مثل هذه السياسة البرغماتية ونحن نلحظ ثباتا ملحوظا في مواقفها من مختلف القضايا في العالم؟ وللإجابة نقول أن ثبات مواقفها نابع من استقرار عناصر رؤيتها الاقتصادية أو طريقتها في الدفاع عن مصالحها ودورها وإلا فان سياسة أميركا شهدت تغييرا كبيرة خلال فترة بروزها كقوة عالمية وليس أدل على ذلك من قائمة حلفائها التي تتغير باستمرار ليس بحسب المتغيرات التي تحصل في داخل تلك القائمة وإنما بسبب تغيرات في السياسة الأميركية ذاتها كما هو الحال عند تعاطيها مع قضية حقوق الإنسان التي تكاد تستخدمها بشكل انتقائي وكوسيلة للضغط غالبا مع أنها تعد جزءا من معاييرها ورؤيتها السياسية العامة أي بما معناه أن ما تقره أميركا أو ما تؤمن به قد لا تستطيع أن تتبناه فتبنيه يبقى رهن بمصالحها ورؤيتها الاقتصادية.

باسم محمد حبيب