الإنفتاح الدبلوماسي الأميركي على نظام دمشق وزيارة وفد عسكري أمريكي لسوريا ليس مجرد عملية روتينية دبلوماسية، بل هو جزء صغير من سلسلة من الإرهاصات ألأولى للمتغيرات في الشرق الأوسط، كما أن ذلك هو بمثابة مجسات إستكشاف أميركية جديدة للمنطقة الشرق أوسطية بمشاكلها التاريخية و الدائمة، فواشنطن تدرك جيدا بأن تداخلات الملف العراقي الإقليمية قد تورطت فيه أطراف عديدة باتت اليوم تدور في حلقة مفرغة من التورط و التوريط، كما أن حجم تدخلات النظام الإيراني في شؤون الإقليم قد وصل حدا مهولا يصعب معه التوصل الهاديء لفك شفرات التوتر الدائم في المنطقة مالم تؤسس مرحلة جديدة من الإتصالات المحورية التي قد تؤدي لإكتشاف الطريق الحقيقي لنهاية نفق الأزمات؟.
و الأزمة العراقية باتت تشكل اليوم الهاجس الأكبر للسياسة ألأميركية الهادفة للتغيير الإيجابي، ونزع فتيل قنابلها المؤقتة هو الطريق الأسلم لضمان جزء حيوي ومهم من الأمن الإقليمي، فالوفد العسكري الأميركي الذي سيزور دمشق تعتبر مهمة إشراك دمشق في التوسط بين الولايات المتحدة وفصائل من ( المقاومة العراقية ) للدخول في مفاوضات مباشره هي إحدى مهامة المركزية!!، فليس سرا القول من أن هنالك رسائل و تواصل و أخذ ورد من خلال بعض الوسطاء بين إدارة الرئيس أوباما و بعض أطراف المعارضة العراقية المسلحة و منهم بطبيعة الحال حزب البعث / جناح الدوري، كما أن هنالك إتصالات خاصة جدا ودور يلعبه أحد رؤساء الوزارات الأردنية السابقين للتمهيد للقاءات عمل ووفق جدول تفاوض متفق عليه بين حزب البعث العراقي و ألأمريكان خصوصا و أن هنالك رسائل متواترة بين الطرفين كان أطرافها نائب الرئيس ألأمريكي جوزيف بايدن و رئيسة الكونغرس نانسي بلوتشي و مستويات أخرى في الإدارة الأميركية، و يضاف لذلك المشهد تعمد تسليط الأضواء الإعلامية على أمين سر القطر العراقي للبعث و نائب صدام السابق عزة الدوري الذي و خلافا لجميع التكهنات و الأنباء لا زال متواجدا في العراق و يتنقل بنشاط و حرفنة رغم تجاوزه عتبة السبعين عاما و رغم الإشاعات و الأقاويل حول تدهور صحته!
إلا أن تلك الأقاويل مجرد أنباء غير دقيقة، فعزة الدوري الذي أجرت معه إحدى الصحف الجزائرية حديثا نشر قبل أيام أعلن عن وجوده بصراحة قائلا إن ألأمريكيين لن يستطيعون إلقاء القبض عليه حيا كما جرى مع صدام حسين!!، و برغم الجائزة المالية الضخمة ( 25 مليون دولار ) التي رصدها الجيش الأميركي ثمنا لرأسه إلا أنه مازال يمارس نشاطه السياسي بحرية و خفة، كما فشلت كل جهود الجيش الأميركي و الحكومة العراقية في متابعته أو إلقاء القبض عليه و أضحى بعد ستة أعوام من سقوط النظام السابق أستاذا في فن البقاء!!، ففي العام الماضي تمكن البعثيون من عقد مؤتمرهم القطري الإستثنائي في إحدى قرى شمال العراق و تم إنتخاب عزة الدوري كأمين عام للحزب مؤقت لمدة عامين، كما أنه كان متواجدا في البصرة خلال عملية ( صولة الفرسان ) في ربيع العام الماضي و مسألة وجوده أضحت من المسائل المعروفة، و لكن تعمده لإطلاق تصريحات خلال هذه الفترة كان هدفها على ما يبدو الرد على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي طلب بل ألح على الجنرال الأميركي ( دانيال كراسفيل ) قائد العمليات الخاصة للجيش الأميركي في ضرورة الإسراع بحسم ملف عزة الدوري و سرعة إلقاء القبض عليه!!
وحيث تشكلت كتيبة عمليات خاصة لتنفيذ هذا المطلب!! وهو ما يشير بوضوح إلى سعة إطلاع أجهزة الرصد و الإستخبار البعثية التي تتمكن دائما من معرفة الخطوة القادمة للخصم!!، و ثمة مؤشرات واضحة من أن هنالك خطوات ملموسة للبدء بجولة من المفاوضات الأميركية / البعثية ليست معروفة نتائجها مسبقا و لكنها قد تكون إحى مفاجآت التغيير الأميركي القادم، ففي النهاية كل الإحتمالات ممكنة و مفتوحة، فالولايات المتحدة باتت تدرك جيدا إن مجابهة المد الإيراني المستشري و الكاسح في المنطقة و الإقليم يستوجب مقاربات قد تبدو غريبة و لكنها مبررة في لعبة الأمم التي لا تعرف الحدود و لا السدود و لا حتى المحظورات.. فالمصالح هي في المقام الأول، وعدو الأمس قد لا يكون كذلك اليوم وقد يتحول لولي حميم في الغد..! في أفق المنطقة ثمة روائح لطبخات قد تنجز، فالصراع بين العنف و التفاوض قد يسفر عن مفاجآت إقليمية كبرى قادمة، وما على المراقب إلا حبس الأنفاس و إنتظار المفاجآت التي قد تقلب ملفات و أولويات إدارة الصراع في الشرق الأوسط... نكرر كل الخيارات ممكنة!
داود البصري
[email protected]
التعليقات