quot; لقد أتيت الى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي استنادا الى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل وهي بداية مبنية على أساس حقيقة أن أميركا والاسلام لا تعارضان بعضها البعض ولا داعي أبدا للتنافس فيما بينهما بل ولهما قواسم ومبادئ مشتركة يلتقيان عبرها ألا وهي مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل انسانquot;.

هذا ما جاء في خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، في جامعة القاهرة، ومتوجها إلى العالم الإسلامي. وهو يعبر عما أسماه بداية جديدة للعلاقة بين الإسلام وأميركا، هكذا دفعة واحدة، ودون تردد. إن هذه الطريقة تجعل من العالم الإسلامي عبارة عن كتلة واحدة يجمعها عنوان واحد، وهموم واحدة وثقافة واحدة، وسلطة واحدة. وهذا أمر يحمل من الزيف إلى درجة الخديعة، كما يحمل من الإدعاء إلى درجة التضليل.

مرحبا بالسيد أوباما بالطبع، هذا أمر بديهي تماما، ولاجدال فيه. مرحبا بأية نظرة أو نظرية جديدة، تحاول عبور النفق المظلم هذا من بدايتهquot; نظام دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والتي أصبحت أكثر هزالا في المنطقة، وبين من هم أصحاب القرار السياسي والثقافي في العالم الإسلامي. داخل هذا النفق هنالك سلطات فاسدة وقمعية، تختلف مصالحها أحيانا وتتفق في غالب الأحيان، هنالك إسرائيل مشروعا لكي يبقى بؤرة عنف وتوتر، وهنالك تنظيمات إسلامية متشددة من صنع الطرفين، هنالك نفط، وموقع استراتيجي، هنالك مجتمعات يتفاوت حضورها من مجتمع عربي إلى آخر، وهنالك ثقافات متشددة هي نتاج شرط طرفي النفق، وهنالك قوى ديمقراطية ليبرالية وعلمانية هشة، ومعدة لأن تكون ضحية هذا النفاق الجمعي. مجتمعات منهوبة حتى القاع من الثروات، واليد العاملة الرخيصة والتي ليست بعاملة أصلا، لأنها بلا تمثيل من أي نوع كان. وهنالك إسرائيل أيضا لجهة حل للمسألة اليهودية في الغرب، حيث الغرب هو كل العالم. داخل هذا النفق تواطؤآت لا تحصى، وهنالك تبادل منافع وكراهية بين كل من هم داخل هذا النفق كأصحاب قرار ومصالح وقوى.

وهذا يفترض السؤال التاليquot; عن أية بداية يتحدث السيد أوباما؟
بداية مع النظام الحاكم في طهران أم في سورية، أم بداية مع دول المغرب العربي، أو دول الخليج، أي تعميم مشبوه هذا؟ العالم الإسلامي لا يقابله العالم الكاثوليكي ولا يقابله العالم الحر، إذن بداية بين من ومن؟

كيف نصدق ونحن أمام عودة إلى سياسة الحرب الباردة، ولكن بقفازات حريرية، نحن فعلا عالم إسلامي؟ وماهي الدلالة وماهي الرموز التي نصنف بموجبها هكذا ودفعة واحدةquot; عالم إسلاميquot; أو نصنف quot; كإسلامquot; لا يوجد بيننا ديانات أخرى ولا ثقافات أخرى، وهل الموجود أصلا هو ثقافة إسلامية؟ إذا كان كذلك فنحن إذن خارج التاريخ من الوجهة الثقافية، ليس لأن الثقافة الإسلامية هي محط إزدراء ولكن لأننا نصنف كمتخلفين بسبب هذه الثقافة! بينما سبب التخلف هو عمر مديد من محاولات المشروع الغربي السيطرة الكاملة على المنطقة وبكل مافيها. وهذا له مقابل هو نظم تم صياغة وضعها وعملها لتكون آخر النفق، وطرفه الأكثر ظلامية، لأن امتهان الإنسان لم ينتجه المجتمع بل أنتجته يد القوة، ويد من يمتلك القرار في هذا المجتمع. لسنا أمام حبكة مؤامرة بل نحن أمام نفاق علني يمارس الآن وعلى حساب تقدم المجتمعات العربية، نفاق بين أطراف تتبادل المنفعة والكراهية، سواء الإسلام السياسي الذي طفا على السطح بحكم الغرب وأنظمة الحكم في المنطقة، أو مع تلك الأنظمة، أو مع من يحارب الإرهاب والتشدد ولا يفعل ما يساعد نويات التحرر والديمقراطية في المنطقة، إدانة المرحلة البوشية ومن على هذا المنبر، هي اعتراف بأن هذه المجتمعات مملوكة إلى الأبد من تلك الأنظمة- العائلات. وغير مسموح لها بالديمقراطية. غير مسموح لها أن تعيش الحرية وتتعلم فيها ومنها قيمة الكائن وحريته الفردية، نحن إذن تحولنا إلى أفراد في عالم إسلامي، والسؤال من الذي يبدأ مع أميركا بداية جديدة؟

مفهوم أن أميركا طرف، وإداراتها تعبر عنها، ولكن من هو الطرف الذي يمثل العالم الإسلامي أو الإسلام؟ هذا السؤال الذي على السيد أوباما وإدارته أن يجيبوننا عليه.

إنني كمواطن بسيط أرفض أن أكون جزء من تسمية لا تعنيني. ولا يمثلني فيها لا نظام سياسي ولا تنظيمات إسلامية معتدلة أم متشددة، ولست ذو ثقافة إسلامية، التوافق على القطيعية في التعامل مع مجتمعاتنا تم من خلال خطاب السيد أوباما والطرف الآخر المستقبل وهو النظم الحاكمة وأصحاب القرار. قال لي أحد المهتمين: أن الخطاب ليس سوى تحشيد من أجل تهيئة المناخ ضد طهران!

لأن أوباما أيضا تحدث عن وجوب التخلص من التنابذ بين الشيعة والسنة. ربما أصدق هذا الكلام لكنني لن أصدق أن الإدارة الأميركية الحالية معنية بأي حال من الأحوال بقضية الديمقراطية في المنطقة، وتكريس ثقافة اللاعنف في مجتمعاتنا، والتي تبدأ من وضع سلطات المنطقة أمام مسؤولياتها عن الكارثة التي نحن فيها ونعيشها بشكل يومي.

أمأ القضية الفلسطينية فكل ما يستطيعه أوباما في هذا الصدد سنشكره عليه، لأننا نرفض أن يدير هذه القضية ويمثلها من ينام في دمشق ويستيقظ في طهران.

زيف العنوان يوضح أن المتن عبارة عن إعادة صياغة ليست جديدة للتعامل مع مجتمعاتنا كقطيع ديني، أو كقطيع سياسي، في كلتا الحالتين مجتمعاتنا المتفاوتة التطور هي الخاسرة من هكذا خطاب، وهي ستدفع ثمنه حقبة أخرى من إسرائيليات الاستبداد.
هكذا بدا لي خطاب السيد أوباما..أرجو ان تثبت لي الأيام خطأ رؤيتي هذه. وربما النقطة التي احترمتها في هذا المهرجان هي اختياره للقاهرة لإلقاء خطابه.

غسان المفلح