في الوقت الذي تبذل فيه كل الجهود من أجل تطويق الإنتكاسة المؤسفة في مسيرة العلاقات العراقية / الكويتية المتأزمة تاريخيا، و محاصرة سوء الفهم و الحملات الإعلامية المغرضة التي تحمل الشر المستطير، فالحرب أولها الكلام كما نعلم !!

و في الحين الذي جنحت فيه الدبلوماسية الكويتية المتميزة و المقتدرة صوب التهدئة و نزع فتائل الإنفجار التي تسعى لها أطراف إقليمية و محلية عديدة، لجأ البعض في الوقت الضائع لصب الملح على الجراح، و لتصعيد الموقف، وخلق مواقف درامية جديدة يكون عمادها العشوائية، وتكون مادتها الخلط غير المنطقي و التعميم الظالم و المتعسف في الحكم على الأمور و الأشياء و في التعريض بثقافات و أمم و شعوب، وهو الأمر الذي جنح إليه للأسف السيد خالد سلطان السلطان في مقال هجومي متعسف يتصف بالبعد التام عن الموضوعية و المنطق و يخالف كل الأصول الدينية و الحضارية فضلا عن اللياقة الأدبية، المقال الإنفجاري كان بعنوان ( العراق... دساس )!! و قد حفل للأسف بعبارات و إستعارات و توريات و تشبيهات عدائية و غير منطقية تخالف العنوان الرسمي و المعروف للسيد الكاتب وهو ( رئيس لجنة الكلمة الطيبة في جمعية إحياء التراث الإسلامي )!!

وحيث إبتعد إبتعادا تاما عن كل كلمة طيبة كان من المفترض أن يقولها أو أن يتضمنه مقاله الرافض لسياسة الحكومة العراقية الراهنة وهذا حقه الكامل و المشروع، و لكنه ترك الحكومة العراقية الراهنة و جنح بعيدا ليشتم العراق و شعبه و حضارته و أصوله و فروعه، و لينطق بكلمات هي أبعد ما تكون عن أي كلمة طيبة أو حتى كلمة حكيمة، فقد أخذ الحماس بشيخنا الجليل ليسب و يشتم على راحته رغم أنه أحد خطباء وزارة الأوقاف الكويتية!! و حيث أظهر بشكل واضح عدم إهتمامه بالحكمة النبوية المباركة التي تقول ( لا تغضب...)!! بل ترك كل الحلم المعروف عن الشيوخ و الخطباء و أهل المنابر و جنح صوب لغة الغضب التي تجعل المرء يتفوه بما لا يليق و مكانته و مستواه، من حق شيخنا الجليل شتم الحكومة العراقية و رموزها و أحزابها، ولكن ليس من حقه أبدا شتم شعب العراق و الدعاء عليه بالمصائب و تمني ضربه بالقنبلة النووية!!

فالشعب العراقي هو في البداية و النهاية سليل الحضارات و هو مادة العرب و الإسلام وهو الذي ينتمي في غالبيته العظمى للجزيرة العربية منذ حملات الفتح الإسلامي، وهو الذي بنى الثغور و نشر رسالة الإسلام في الشرق البعيد، الشعب العراقي هو سليل مدارس البصرة و الكوفة اللغوية و الحضارية العريقة، وهو الشعب الذي أنجب و أحتضن أئمة الإسلام و قادة المذاهب الفقهية و هو مقر الخلافة الإسلامية الراشدة الأخير قبل أن تتحول لملك وراثي عضوض، و هو الشعب الذي خاضت قبائله العربية من بني شيبان معركة ذي قار التاريخية التي وصفها رسول الله ( ص ) بكونها أول يوم إنتصف فيه العرب من العجم!!، وهو الشعب الذي خاض حروب التحرير في القادسية و جلولاء و حمل رسالة الإسلام الإنسانية حتى حدود الصين، إنه يا شيخنا الجليل خال السلطان الشعب الذي ترعرعت فيه حضارة دولة بني العباس التي كانت الشمس لا تغيب عن ممتلكاتها و التي كان فيها الخليفة الرشيد يخاطب الغمامة و يقول لها أينما تمطرين سياتيني خراجك!!، إنه شعب الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، كما أنه شعب الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، و شعب الإمام إبن حنبل!!

إنه الشعب الذي أنجب الحسن البصري و واصل بن عطاء و المعتزلة و إخوان الصفا وكل المدارس الفكرية و المذهبية و السياسية التي طرزت تاريخ الإسلام الحضاري و الإجتماعي، إنه شعب المستنصرية و النظامية، كما أنه الشعب الذي صارع الطغاة و الظلمة و أحتضنت أرضه أفواج الثائرين و الغاضبين و المحتجين و طالبي الإصلاح السياسي و الإجتماعي ن و إذا كان هذا الشعب يعيش اليوم ظروف التدهور و الإنحلال بفعل سنوات الفاشية الطويلة و حالة عدم الإستقرار و تكالب المصالح الدولية على مقدراته، فإن تلك الحالة لن تدوم وحيث يظل الشعب العراقي قلعة منيعة من قلاع العروبة و الإسلام، و الهمجية التي يتحدث عنها شيخنا الجليل موجودة في جميع شعوب الأرض، هل تتذكر الوضع في نيويورك قبل سنوات حينما قطع التيار الكهربائي لساعات و ما حصل بعد ذلك من سلب و نهب؟ وهل يصح أن نطلق بعد تلك الأحداث على الشعب الأمريكي صفة الهمجية و اللصوصية؟؟؟ و هل من أخلاق الإسلام في شيء شتم شعب مسلم عربي بجريرة ممارسات حكام مؤقتين لا يعبرون إلا عن نفوسهم و أحزابهم و آيديولوجياتهم الخاصة؟ بأي منطق ووفق أي لغة حوار تحدث الشيخ خالد السلطان ليسب و يطعن رغم أن أمة محمد ( ص ) كما هو مفترض ليس فيها سباب و لا طعان و لا لعان!!!

فكيف إذا كان من يقترف تلك الكبائر إمام و خطيب و داعية يدعو لفضائل الأخلاق و للعفو عند المقدرة!!، إنني أعتقد بأن أوضاع شعبي العراق و الكويت النفسية و العامة لا تحتمل أبدا زيادة حملات و جرعات الحقد و الشتيمة و التنابز ففي النهاية نحن في قارب واحد و من أرومة واحدة و لا أعتقد أن السيد خالد السلطان ينحدر من الجنس الآري ليطعن في أصل العراقيين و أنسابهم؟ ليحتفظ أهل الحقد و الغل و العدوانية بمشاعرهم الخاصة في بطونهم، فليس منا من دعا لعصبية أبدا، و ليس منا من يغلق طرق الحوار الهاديء الحريص على دماء المسلمين و أعراضهم و كرامتهم، و لرب كلمة طائشة غير مسؤولة قيلت في سورة غضب عارمة يكون فعلها كفعل الرصاصة الطائشة أو القنبلة الموقوتة و تخرب عقودا طويلة من أسس التهدئة و إصلاح النفوس و ذات البين، فالكلمة الطيبة كما نعلم صدقة و لكن رئيس لجنة الكلمة الطيبة إختار للأسف أن يبتعد عن عنوانه التعريفي و الوظيفي ليدخل في سوق الردح و الشتم و التعدي على مشاعر الملايين، لا نريد نكأ الجراح، و لا فتح ملفات الماضي التعيسة، و لا نتمنى أيضا نشر غسيلنا الوسخ على العالمين، ففي الفم ماء كثير!! وصدق سيدنا المسيح عليه السلام حينما قال: ( من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر )!!

سيبقى العراق عراق العروبة و الإسلام ومهد الحضارة ووطن السلام، وستبقى الكويت حرة عربية عزيزة مؤمنة بقيم الحرية و السلام، و ستتلاشى كل حملات الحقد و التشويه لا محالة، و لكن غلطة الشاطر بألف، فكيف إذا كان هذا الشاطر من شيوخ الدين و من رافعي شعار الكلمة الطيبة؟، فلسانك لا تذكر به عورة أمريء، فكلك عورات و للناس ألسن، أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و للجميع و أدعو الشيخ رئيس لجنة الكلمة الطيبة في جمعية إحياء التراث الإسلامي للإقتداء بسنة سيدنا المصطفى عليه الصلاة و السلام، و أن يكون صوتا للسلام و العدالة و ليس منبرا للأحقاد و التنابز بالألقاب، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده.... و تسكت أصوات الفتنة و لترتفع راية الحرية و العدل و السلام، و السلام على من أتبع الهدى و قال إنني من المسلمين، و لا حول و لا قوة إلا بالله، و ستظل كلمة الله هي العليا، فأما الزبد فيذهب جفاءا و ما ينفع الناس يمكث في الأرض.. و لا عزاء للشاتمين و الشامتين...!.

داود البصري


[email protected]