على امتداد خمسة أعوام تلاقي العراقييون بمختلف اتجاهاتهم الأيدولوجية وتلاوينهم السياسية وفئاتهم الاجتماعية، حتى أستطاعوا الوصول الى صيغة للحكم تحقق في المرحلة الحالية مصلحة العراق العليا، وتشكل محاولة جادة للخروج من المأزق السياسي الذي تعانيه البلاد.

في هذا الوقت بالذات كانت العلاقة بين حكومة اقليم كردستان وحكومة الوحدة الوطنية التي افترض فيها ان تكون الخطوة الاولى على طريق الخروج من المأزق عراقيا تتعرض لسلسلة من الأزمات وصلت في الأسبوعين الماضيين الى اتهام بعض وزراء حكومة الاقليم لبغداد بأنها تدبر الفتن،وتعمل من أجل دعم تيارات المعارضة في الانتخابات البرلمانية، وهذه الاتهامات باطلة لحكومتكم التي تشكل صمام أمان للوحدة الوطنية وضمانة لمستوى الحوار الوطني وجديته وامكان وصوله الى الغاية المنشودة منه.

وفي حين كانت أحزاب عديدة في دول العالم التي خاضت الانتخابات البرلمانية تتبادل تقديم التنازلات من أجل مصلحة دولتها، بوعي كامل لحقيقة أن الدولة أهم من الحكم والحكومة وحقائبها والمناصب، وانها تكون للجميع أو لا تكون أبدا، كان المواطن العراقي حتى في كردستان يتابع بقلق شديد مجريات الصراع في أعلى مستويات الحكم، بعدما أتخذت سياقا من شأنه تجديد حالة الأنقسامات الداخلية وليس المساعدة عى انهائها.

ذلك ان من يملك ما يفوق حقه بالكثير في العراق، قد رفض وما يزال يرفض أن يتنازل عن بعض ما أغتصب من أسباب السلطة ومواقعها، أي من حقوق الاخرين، تحت أسم التوافق أو الضمانات والخوف من الاكثرية مع وعيه الكامل بأن مثل هذا الوضع المغلوط لا يمكن أن يستمر الى الابد، حتى لو طالت المشكلات الامنية واستطالت الى ما شاء الله.

وهذا هو عنوان المأزق الذي يعيشه العراق!

وثمة في أربيل من يرى انه يستطيع الوصول الى أنجاز صفقة سياسية مع حكومتكم حا ول وما يزال يحاول ان يبيع بغداد موقف الانسحاب من نهجه السابق والعودة الى السياسة الطبيعية المعتمدة في العراق مقابل ان تسلم له باستبعاد او اضعاف كل الوطنيين في كردستان واستئصال أثرهم على مشروع الصيغة العتيدة لعراق المستقبل.
فخامة الرئيس نوري المالكي
وجهت اتهامات لكم بانكم لا تأتون الى كردستان فيكف لك ان تذهب الى كردستان وبعض من اقطاب الحكم لا يذهبون الى منتجعات دوكان الا لوحدهم،انهم لا يذهبون بصحبة رئيس حكومتهم وأو لئك الشركاء المفترضين في القرار السياسي ممن يعطون حكومة الوحدة الوطنية أسمها...
وبدل أن يكون اللقاء في كردستان مناسبة لتسهيل الحوار الوطني وتركيزه على الاساسيات من الأمور المختلف عليها،فأنه يتحول الى شكاية على الذين طالبوا بحقهم الطبيعي في أخذ القرار وفي تحمل مسؤولية المصير الوطني.

وبهذا يضمر دور كردستان اذ تتحول الى وسيط بين الأشخاص توفد الرسل وتستقبل الموفدين بقصد التوضيح التصحيح أو المعاتبة، بدل أن يظل جهدها منصبا على تأمين جبهة داخلية وطنية صلبة توفر الصمود المطلوب في وجه ضغوط القوى المعادية للعراق.
وبهذا تتحول جلسات الحكومة الى منازعات ومشادات أو غرق في التفاصيل وتفاصيل وتفاصيل، مما يزيد في تعقيد الوضع وتيئيس الناس. بدل ان تكون تتمة منطقية للحوار الوطني يستكمل الجميع فيها ما بدأوه ويستدركون ما قصروه عنه في العصر.

وبهذا ايضا يتضاءل الأمل في أن تتمكن الخلوات المطالب بها من حسم العالق والمختلف عليه من الأمور، اذ ان الايام والممارسات قد كشفت ان الخلاف مستمر على الأساسيات والمنطلقات، بل لعله حدته قد زادت في ضوء التصريحات الاخيرة لكم بالحوار مع رئيس الحكومة القادمة بعد الانتخابات وليس مع البارزاني.

فالخلوات على حد تعبير كثير من أهل الراي تشكل فسحة للتوافق بين رجال مختلفين في وجهات النظر، ولكنها لاتفيد كثيرا للتقريب بين أطراف يختلفون على كل شيء بدءا بهوية البلاد مرورا بصيغة الحكم وصولا الى مواقع السلطة ولمن تكون وكيف يكون التوزيع بما يرفع غبن المغبونين من دون ان يزيد خوف الخائفين.

لقد حول الشكل الذي اتخذه الصراع في أعلى قمتين للسلطة الحياة في كركوك وبعض المدن العراقية الى ما يشبه الجحيم،فأن تكون في بغداد هو أن تكون في جبهة مفتوحة خطوطها لنيران متعددة المصادر، أخطر ما فيها أن بعض مصادرها يحمل دمغة السلطة الشرعية، سواء كان يتحرك بأمر منها أو بغير امر أو حتى بغير علم منها.. وهذا خطر وأدهى.

ولعل الشروط الاولى لكي يستقيم الحوار ويكتسب طابعه الوطني هو أن تطهر مواقع السلطة في بغداد واربيل ولاسيما الأجهزة التي لا يعرف ما في داخلها ولا يملك ان يحاسبها الا أعلى مرجع للبلاد.


أما الشرط الاخر لكي تصبح الحياة السياسية في أقليم كردستان ممكنة ومقبولة ومعقولة فهو أن يتوفر لمواطني كردستان كورداً وعرباً وتركمان وكلدوآشوريين وارمن وسريان وايزيدين في خارج العراق فرصة حق التصويت والحق الكامل في الادلاء باصواتهم في الانتخابات البرلمانية.

وقد يقول قائل ان 500 الف صوت لايؤثر على نتائج انتخابات في الاقليم، وهذا تقديرغير صحيح وغيرموضوعي. لأن توفير الفرصة للمواطنين في الخارج سيجعلنا نعرف ماذا يريد هؤلاء المواطنون ومشاركتهم الفعالة في الانتخابات البرلمانية في الاقليم سيوفر فرصة ممتازة لأعادة الامور الى نصابها في العراق كله وليس في اربيل وحدها.

اذ عبره يستعيد العمل السياسي طبيعته كتنافس سياسي بين تيارات واتجاهات وليس أقتساما للسطة بين حزبين حليفين على أساس التوافق السياسي مثل حدث بكل أسف في بغداد.


فأذا كان متعذرا أن نفتح حوار وطنيا جديا مع سلطة الاقليم الحالية فلتنصب جهودنا على توفير مثل هذه الفرصة حيث تستدعي الضرورة الملحة، ولنحفظ أربيل منطلقا للوئام وموئلا للوحدة الوطنية والا ضاعت الجهود الحثيثة للعثور على الصيغة الوطنية العتيدة.

وستكون بغداد في طليعة المتضررين من ضياع أربيل أو أستمرار غرقها في المستنقع الحزبي الضيق وتعطيل دورها الوطني والقومي الذي لايعوض.

فخامة دولة رئيس الوزراء أقول لفخامتكم في الختام بان هذا المنطق يلغي العراقيين وطموحاتهم، ويسقط سلفا حق الناس في المطالبة بالأصلاح والسعي اليه وأن مخاطبتكم لمجلس النواب و للمفوضية العليا للانتخابات حول هذا الموضوع سيكون نابع من حرصكم على بناء وطن حقيقي، وطن حر حقيقي مستقل وشرط ذلك كله الوطنية والديمقراطية والبرنامج الوطني الشامل. الشامل كل العراق وكل العراقيين والمخاطب طموحاتهم ومصالحهم وارادة الحياة والتحرر والغد
الافضل فيهم.

راوند رسول
[email protected]