يبدو المشهد في طهران مضطرباً، غير ان الخوف ليس من تزايد الاضطراب و تصاعد العنف، بل الخوف من تلاشي فورة الغضب الايراني، و عودته الى الهدوء، لتمر الزوبعة بخجل في فنجان احمدي نجاد الذي صدق كذبة كبيرة في امكانية تحوله الى ديكتاتوري شرق اوسطي، محمياً بسلطة المرشد المقدس.

لربما يحتكم مير حسين موسوي و انصاره الى الهدوء، لان ما يواجهونه نظام و مؤسسة عنيدة وصلبة و مصونة بقدسية العباءة الدينية و دستورية نظام اسلامي صارم ستستغل اراقة الدم كوسيلة لايقاف الثورة الخضراء.غير ان هذا الهدوء سيكون هو السابقة وليست فورة الغضب التي تشهدها ساحات طهران و شوارعها.

اذا ما سكت موسوي، فان الامل بالتغيير الايراني داخلياً عبر الاصلاح المتسلسل لاضعاف سلطة المرشد و الحرس القديم و لوبي المحافظين الجدد، سيتبدد الى الابد، لان فوز نجاد هذه المرة سيكون فوزاً انتقامياً وقامعاً و يشدد القبضة البوليسية على مجتمع اتضحت معالم رفضه لنظام المحافظين الجدد.

على ما يبدو ان الاجنحة المؤيدة لنجاد في مؤسسة الادارة الايرانية من وزارة الاطلاعات و الحرس الثوري الايراني و مليشيا الباسيج، تشتغل على ذات الاشتغال الذي يشتغل عليه موسوي و انصاره، في لعبة توازن ذكية في اظهار الثورة الخضراء تبدو انها ردة فعل من قطاعات شعبية لا ترغب برؤية نجاد رئيساً وترغب برؤية موسوي الاصلاحي.

فحين يتظاهر و يعتصم انصار موسوي وسط طهران، في شارع ولي عصر او غربها حيث معقل الاصلاحيين، و تجمع انصار المحافظين الجدد في شمال طهران، بدا المشهد متوازناً و لا يبعث على القلق، لكنه بالفعل يبعث على القلق لدى من يريد دوراً ايرانيا ايجابيا في المنطقة او سياسية ايرانية داخلية تعمل على فك القيود و انعاش الاقتصاد و اطلاق الحريات الشخصية.

فأية خطوة من انصار الثورة الخضراء، ستجابه بخطوتين ( شعبوية ) و رسمية، في التظاهر بالمثل، و سلسلة اعتقالات بدأت فعلا في صفوف القيادات الاصلاحية السياسية الميدانية.و حتى لعبة اظهار الرفض لنتائج الانتخابات على انه اعمال شغب، كانت خطوة خططت لها دوائر المخابرات الايرانية الموالية لنجاد، لاجهاض عصيان مدني ايراني يقوض سطوة المحافظين في الظفر بحكومة متشددة على شاكلة حكومة نجاد مستقبلاً، او تعطيهم سيطرة على مجلس الشورى الايراني و التحكم بسياسات ايران الداخلية و الخارجية.

الذكاء الذي يجب ان يحضى به موسوي، هو اللعب على ورقة المواجهة النجادية، و استغلال اي تحرك مضاد بتحرك تصعيدي لا يعطي فرصة للتخطيط او احتواء الازمة سياسياً. و لربما الاستفادة من الثورة البرتقالية الاوكرانية مع فارق خصوصية الوضع الايراني الاكثر تعقيداً.

اللعبة التي ربما سيخفق فيها مير موسوي، تدويل القضية الايرانية، مما سيجبر الاصلاحيين على الانسحاب الى مواقعهم التقليدية، في انتقاد القمع و التشدد عبر الصحف الاصلاحية التي تغلق بأستمرار و السينما و النشاطات المحدودة، مما يفوت فرصة الانفجار كمثل هذه القوة مجدداً.

لعل ما حدث في جامعة طهران 1999، شاهداً على قدرة امتصاص الغضب الاصلاحي عبر التلويح بالعمل ضد الثورة الاسلامية فتصريحات الرئيس بوس وقتها افسدت التحرك الطلابي، بالضبط هذا ما سيحدث ( العمل ضد الثورة الاسلامية )، التهمة التي لن يستطيع موسوي ردها، اذا ما دوّلت ازمة ايران اليوم، فالتدويل سيضر كثيراً بحقيقة ما يريده الإصلاحيين الايرانيين، وسط تصريحات استفزازية اوربية، و تصريحات تفرجية امريكية.

طهران الغاضبة، تمثل حقيقة الوضع الايراني المحتقن، تمثل رغبة الامة الايرانية بالتغيير الستراتيجي، لن يقبل الايرانيون بغزو امريكي او دولي لبلادهم، ذلك سيمثل اكبر استفزاز للقيم الايرانية الحضارية و التاريخية، لن يسمح الايرانيون ان تهوى اسطورة بلاد فارس المنيعة.

التظاهرات المليونية الاصلاحية في طهران، هي الحل، الطريق نحو ايران معتدلة، متوازنة، لاعب مرحب في المنطقة، لكن الامر كله مرهون بمدى قوة مير حسين موسوي.

لعل الانعزال سيكون سلاحاً امضى في تفكيك تلك القوة، فلا يمكن ان يتحرك مير موسوي بعيداً عن ميدانية تأثير انصار المرشحّين مهدي كرّوبي و محسن رضائي، على الرغم ان شعبيتهما لا تقارن بشعبية المهندس الفيزياوي و رئيس اكاديمية طهران للفنون موسوي، غير ان اظهار التضامن بين اقطاب المعارضة الايرانية المتفق عليها، و استغلال علائقها و مجالات تأثيرها الحيوية، سيظهر المعارضة كقوة لها اوراقها و اسلحتها و ستراتيجيها بالضغط و المناورة.

فالمرشح مهدي كروّبي على الرغم من اصلاحيته الحديثة العهد، فهو يتمتع بثقة صقور المحافظين، ان لم يعد هو واحداً منهم، و سيظل تأثيره مهماً، سيما اذا ما ارتبط ذلك بعلاقاته النيابية، و ثقة خامنئي فيه، كسياسي ايراني حريص على مستقبل الثورة الايرانية بأعتباره احد ابرز قادتها في مرحلة ما بعد الخميني قيادةً، مما يساعد موسوي في دفع تهمة ضرب الثورة الايرانية بعيداً عن ثورة الاصلاح.

اما محسن رضائي، المحافظ الاكثر تقليدية من نجاد نفسه و الاكثر تعصباً لقيم الجيل الاول من الثورة الايرانية، هو الان اصبح نافراً و جموحاً رغم هدوئه المعتاد، و صمته، و عمله وراء الكواليس كأول قائد شاب للحرس الثوري الايراني، و مازال، و يحلو للحرس الثورة ان يسميه الاب الروحي، فالتعرض الى شخصية رضائي و اهانته بسرقة اصواته، اظهر انقساماً ملحوظاً وسط قيادات الحرس.

لا بد ان ينتبه موسوي ان منافسيه الاخرين يملكون قوة و ولاءات يفتقدها هو داخل النظام الحديدي المؤسسي، و لعل استقالة 120 استاذا من جامعة طهران احتجاجاً على فوز نجاد و تأييداً لموسوي يبين اين لموسوي ان يضع قدمه و يصرخ ( الاصلاح من اجل ايران ).

الشباب الايراني من كلا الجنسين، و الطبقة المتوسطة المليونية الايرانية تؤيد موسوي بقوة و ثقة، لايمانها ان ( رئيسها ) يمثل ارثاً ايرانياً في قيادة الكفاءات المثقفة، و ليس له ارتباطات متشددة او ايديولوجيا متعصبة لافكار على حساب اقتصاد داخلي متدهور.

فموسوي بالرغم من كونه ساهم بتأسيس دولة الولي الفقيه، و ادارة نظامها طيلة ثمانية اعوام ايرانية صعبة كرئيس لوزراء ايران ايام الحرب العراقية ndash; الايرانية، فهو لا يرى مستقبل ايران بأستمرار المحافظين يهيمون على ايران الفارسية.

و لعل اكثر اشارة الى ذلك، موقف ابرز صقور المحافظين علي هاشمي رفسنجاني، من نجاد و رسالته التحذيرية الى المرشد الخامنئي، في ان وجود نجاد في السلطة اربعة اعوام جديدة لا تشبه مطلقا التي سبقتها بظروفها و توازناتها و خطابها و ستراتيجيها، الذي يصر على السير بنفس النهج بتصعيد اكبر، هو تهديد حقيقي لمستقبل ايران الاسلامية.

هنا تكمن ثغرة غاية في الخطورة لصالح موسوي، يفترض به استغلالها الى اقصى حد، في ان وجود نجاد يهدد مستقبل الكيان الايراني، لكن من يقنع خامنئي الذي يخشى تأييد موسوي و اعادة الانتخابات، خشية ان يفتح النار على ملفه الشخصي هذه المرة في كونه، لا يتمتع بشروط المرشد، الاصلاحيون قادمون.

صفاء خلف

[email protected]