المفاجآت التي ينتظرها العراق الجديد في الأشهر القليلة القادمة كثيرة وعسيرة وذات تداعيات خطيرة يتعين عليه الاستعداد لها جيداً قبل فوات الأوان. يتجسد هذا الأفق السياسي المنتظر بنوعين من التحديات: خارجية وداخلية. على الصعيد الخارجي يتمثل التحدي الأول بالانسحاب الأمريكي المبرمج خلال هذا العام والعام القادم على أقصى حد إذا صدق الأمريكيون في مزاعم الانسحاب كما نصت عليه الاتفاقية المبرمة بين الجانبين العراقي والأمريكي والتي قد يماطل الأمريكيون في تنفيذها بحجة عدم استقرار الأوضاع الأمنية كلياً على الأرض، بالرغم مما يتسم به الخطاب السياسي الأمريكي الجديد من جدية وصدقية كما جاء على لسان الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما، ولكن على فرض تحقق الانسحاب الأمريكي المأمول في مواعيده المجدولة سلفاً، ما الذي سيحصل على الساحة العراقية أمنياً وسياسياً وقانونياً واقتصادياً وما سيترتب على ذلك من أعباء. هل ستستغل القوى الإرهابية والقوى المعارضة المسلحة المدعومة إقليمياً ما سيطرأ من ثغرات وفراغ عسكري من جراء انسحاب القوات الأمريكية الرادعة؟ وهل سيكون بوسع القوات العراقية المسلحة من جيش وشرطة ومخابرات مليء الفراغ والتصدي بقوة لعمليات العنف والتخريب التي سيقوم بها بلا أدنى شك أتباع تنظيم القاعدة الإرهابي وفلول حزب البعث المهزوم وأيتام النظام الصدامي المقبور الذين يمتلكون الأموال والأسلحة والدعم اللوجستي الخارجي والحاضنات الاجتماعية والعشائرية المحدودة لكنها موجودة في العراق. ولا يخفى على أحد أن هؤلاء المتمردون على العملية السياسية لن يفاوضوا أو يشاركوا في أية مساعي للمصالحة الوطنية لأنهم يظنون أن أقطاب العملية السياسية الحالية سيلوذون بالفرار بمجرد انسحاب القوات الأمريكية الحامية لهم كما يعتقدون سيما وأن لديهم أعوان سريون اخترقوا مؤسسات الدولة وتسللوا إلى المواقع الحساسة وما يزالون يشكلون خطراً على نجاح واستمرار التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق. هنالك معضلة تحقيق نجاح دبلوماسي ليس باليسير ويتمثل بإخراج العراق من قيود ومتطلبات البند السابع الذي يرهن سيادة البلاد ومقدراته وثرواته، ولم تألوا الجهات العراقية المعنية بهذا الملف وعلى رأسها وزارة الخارجية، جهداً لإنجاز تقدم ملموس، كان آخرها التنسيق والتعاون مع تركيا التي سترأس مجلس الأمن من أجل تفعيل هذا الملف بالرغم من معارضة الكويت ومناوراتها في أروقة الأمم المتحدة لعرقلة تحقيق هذا الهدف. لذلك فإن العراق بحاجة إلى علاقات صداقة متينة مع دولة ذات أهمية وثقل على الساحة الدولية التي يمكنها أن تلعب دوراً حيوياً فاعلاً لدعمها وتأييدها في المحافل الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان والهند والبرازيل وغيرها من الدول المحايدة والمعتدلة المنصفة للحق العراقي. وأمام الحكومة العراقية مهمة صعبة أخرى تتمثل في تطبيع العلاقات مع دول الجوار التي تتربص بنا الدوائر والتي تستخدم اللغة المزدوجة، العلنية الإعلامية التصالحية، والمخفية المغرضة التي تعكس حالة من الارتياب والكره والتخوف من النظام القائم حالياً في العراق، ويكفينا مثال المملكة العربية السعودية وتعاملها المتشنج مع الملف العراقي، ونفس الشيء ينطبق على سورية والكويت. أما العلاقات مع إيران فلها حكاية أخرى أكثر خطورة وتعقيداً لاسيما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة التي جددت ولاية ثانية للمتشدد والشعبوي محمود أحمدي نجاد التي سترسخ سيرورة التدخل الفعلي الإيراني في صلب العملية السياسية العراقية وفي الشؤون الداخلية العراقية على نحو سافر وعلني جسور حيث تعتبر إيران العراق خلفيتها الاستراتيجية وساحتها الرئيسية لمنازلة الغرب ومناكفة الولايات المتحدة الأمريكية والتحرش بها خاصة وأنها تنوي الاستمرار في المضي قدماً في ملفها النووي مما سيعني ردة فعل سلبية من جانب المجتمع الدولي سواء من قبل أمريكا أو إسرائيل أو دول الاتحاد الأوروبي وغيرهم، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والمقاطعة وربما الحصار على طهران الأمر الذي شهد العراق آثاره الكارثية قبل عقدين من الزمن، حيث سيدفع العراق لا محالة، هذه المرة أيضاً، ثمن ردة الفعل الإيرانية، وهناك في الأفق احتمالات لشن هجمات جوية مكثفة ضد المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية لن تقف إيران مكتوفة الأيدي إزاءها حيث ستضرب المصالحة الأمريكية والغربية في المنطقة وبالتالي في العراق بلا ريب.

التحديات الداخلية ستكون أشد وطأة وستفرز التطورات القادمة إعادة تشكيل التحالفات السياسية، لاسيما في حال فشل محاولات إعادة تكوين الإئتلاف العراقي الموحد نظراً لتضارب المصالح بين مكونات الإئتلاف السابقة وما أفرزته نتائج انتخابات مجالس المحافظات من معطيات جديدة خلخلت موازين القوى السائدة بين القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية، حيث من المؤكد أن الخطاب السياسي لمختلف الأطراف سيختلف وستتنصل أغلب القوى السياسية من سياسة المحاصصة التي فرضتها هي نفسها خلال السنوات الست المنصرمة منذ عام 2003 إلى يوم الناس هذا بالرغم من إصرار البعض على quot; الديمقراطية التوافقيةquot; ورفض ديمقراطية الأغلبية الفائزة وخيارات صناديق الاقتراع. هناك مواضيع ستشكل محوراً في الحملات الانتخابية البرلمانية القادمة وعلى رأسها مواضيع الفساد ومحاسبة المسؤولين الفاسدين في أعلى المستويات وبالطبع هناك الملف الأهم والأخطر ألا وهو ملف الخدمات فهو المحك الذي ستحاكم بموجبة القوى السياسية المتنافسة على الحكم والتحقق من جديتها ومصداقيتها وشفافيتها. فحماية وزراء مقصرين لم يعد في صالح هذا الحزب أو ذاك لاسيما المسؤولين في الوزارات الخدمية وقطاع الكهرباء يشكل أفضل مثال على ما نقول فهل ستتمكن الحكومة ومجلس النواب من محاسبة واستجواب وزير الكهرباء الذي تقول الإشاعات أنه سيكسب لصالحه أصوات أغلب أعضاء مجلس النواب لأنه عين في وزارته أقاربهم والمحسوبين عليهم؟ وإن غداً لناظره قريب.

د، جواد بشارة

باريس

[email protected]