حسب إعتقادي بأننا لن نكون خياليين وحالمين، إن باركنا للشعب الأيراني الحر نتائج ثورته المخملية، حتى قبل هدأت الأمور وإستقرارها وقبل إنجلاء الغمة عن الشارع الأيراني النابض بكل الحيوية والحركات الأحتجاجية ونابض بالرفض للتسلط والتخلف وحتى لسيطرة العمائم كما يبدو!
يكفي رضوخ المرشد الأعلى للثورة الأيرانية السيد علي خامنئي، لمطالب الشعب وأمره بأجراء تحقيق بشأن نتائج الأنتخابات الأخيرة (العاشرة للرئاسة الايرانية ).
وحتى لو كانت تلك حركة ترقيعية وخطوة تمثيلية سلطوية كما يحذر بعض المتشائمين، بقولهم أن هذه الخطوة تأتي لتهدئة الشارع الغاضب وإمتصاص نقمته ولتثبيت النتيجة في نفس الوقت بمسرحية أعدت سلفا، وقد تكون نتائج الفرز فيما لو أعيد إحتساب {بعض الأصوات وليس كلها }، هي 80% هذه المرة، بدل ال 62 % للرئيس الحالي أحمدي نجاد، كما هي الآن!
لكن في كل الأحوال يستطيع المراقب أن يلاحظ،حيوية وشجاعة ووطنية الشعب الأيراني عموما، وعدم قبوله بالتزوير الواضح لصوته في تلك الأنتخابات، وأنه يريد قول كلمته الفصل!
والملاحظة الأهم في كل الأمور الجارية اليوم في إيران، هي ليست قضية إحتجاج بعض الشباب على تزوير إرادتهم الأنتخابية، بل الأهم من كل ذلك، أن كل الأمور أصبحت معرضة للنقاش الآن، حتى كلام ودعم المرشد الأعلى، الذي كان يعتبر ظل الله وصوته في الأرض،أصبح عرضة للنقاش وللطعن كذلك!
لقد أخطأ السيد نجاد بمحاولته البقاء في السلطة،حتى لو كان الأمر سيتم بتزوير واضح وبين للجميع، لنتائج تلك الأنتخابات، التي فاقت نسبة المشاركة فيها 80% من الذين يحق لهم الأنتخاب، وهذا بحد ذاته مؤشر ودليل واضح على طلب الشعب للتغير،إذ ليس واقعيا ولا معقولا ولا منطقيا أن تشارك تلك الجمع في الأنتخابات، لتقول نعم من جديد لأحمدي نجاد!
لماذا أقول كان التزوير واضحا لنتائج الانتخابات؟
الجواب للأسباب التالية :
1.. كان الرئيس الحالي نجاد غير مرغوب شعبيا الى حد كبير،ودون الدخول في تفاصيل هذا الموضوع،أشير فقط الى تزايد حجم الازمات من جميع الأنواع في إيران في عهده،خصوصا البطالة والفقر ومزيد من تغييب الحريات المدنية.
2.. كان نجاد بسياسته الخارجية مثال للرؤساء المصابين بجنون العظمة وذلك عبر تحديه للأرادة الدولية وإستفزاز جيرانه العرب وتدخله في شؤونهم بأكثر مما ينبغي، بل إفساده
أحيانا لجهود السلام، عن طريق تشجيعه قوى التطرف في المنطقة،أما عسكريا فيكفي جملتين له في هذا الشأن،
الأولى في 15 أبريل 2009،حيث قال : {إنتهى زمن التفاوض حول البرنامج النووي وعقارب الساعة لن تعود الى الوراء }
والثانية في 17 أبريل 2009، ويقول فيها : {الأمة الأيرانية مع قواتها المسلحة المتدينة جاهزة اليوم للقيام بدور أكبر في إدارة العالم}
3.. فيما يخص الأنتخابات نفسها التي جرت يوم الجمعة 12 يونيو 2009، كانت النتائج الأولية تشير الى تقدم المنافس الأبرز لنجاد وهو د.مير حسين موسوي بنسبة كبيرة وحسب إستطلاع الرأي للمشاركين ونتائج الفرز الأولية،وذلك حسب جميع قنوات الاعلام والفضائيات (ما عدا قناة العالم طبعا وقد أوضح المختص الأيراني د.علي زاده ومن أكثر من قناة وخصوصا البي بي سي والعربية،التفاصيل التالية :
أ.. مساء يوم الانتخابات الجمعة، إتصل مساعد وزير الداخلية الايراني بالسيد مير موسوي في الساعة 12 ليلا، قائلا له..مبروك لقد فزت بالانتخابات، فتحضر لخطاب الفوز، لكن أرجو أن لا يكون شامتا أو مستفزا، مراعاة للخاسرين،ويؤكد د.علي زاده أنه شخصيا تسلم نفس المعلومات من وزارة الداخلية الايرانية من شخص مسؤول.
ب.. النتائج الأولية التي وصلت موسوي تقول مايلي :
مجموع المشاركين في الأنتخابات حوالي 37 مليون،أعطوا أصواتهم كما يلي:
مير حسين موسوي..21 مليون، بنسبة حوالي 57%
محمود أحمدي نجاد..10 مليون،بنسبة تقرب من 28%
محسن رضائي..3 مليون صوت بنسبة أقل من 1%
مهدي كروبي..2 مليون بنسبة أقل من 1 %
وباقي الاصوات وهي أقل من مليون كانت بطاقات باطلة.
و ما حدث بعد ذلك بساعتين أي في الساعة 2 من صباح السبت، يضيف د.علي زاده غير معروف، حيث بدأنا نسمع خطابات التحذير والتهديد من معسكر الخاسرين، حيث حذر (يد الله جواني )وهو رئيس المكتب السياسي للحرس الثوري الأيراني، حذر خصوم نجاد من إستخدام العنف فيما لو خسروا الأنتخابات، وهدد بسحق أي محاولة منهم لتعكير صفو الأمن، وأشار الى أن إستخدام لون معين {الأخضر }، من جهة معينة هو نية مبيتة للتحضير لثورة مخملية !
بنما قال نائب الرئيس الأيراني د.براويز داودي مايلي :
إن مؤامرة الاستكبار وقوى الغطرسة العالمية في التحضير للثورة المخملية في إيران خطأ تأريخي عظيم، لأن هذه المؤامرة تصطدم بدور الشعب الأيراني في الثورة الأسلامية وإتهم علنا، الولايات المتحدة الأمريكية بسعيها لقلب نظام الحكم بهذه الطريقة وأضاف..لكن إيران ليست مثل دول آسيا الوسطى، حتى تنخدع بشعارات العدو الواهية.
وأخيرا..أود الأشارة الى أن السيد مير حسين موسوي، ليس خصما سهلا، وهو طبعا من داخل النظام الاسلامي الايراني ويؤيده الكثير من آيات الله المتنفذين ورجال السلطة الآخرين وعلى رأسهم السيد هاشمي رفسنجاني، رئيس تشخيص مصلحة النظام وكذلك الرئيس اللاسبق محمد خاتمي وكل الاصلاحيين الآخرين.
صحيح أنه يمكن للمشكك أن يقول..أن الموضوع برمته لعبة إعلامية ودعائية، تهدف لأضفاء صورة الديمقراطية على الحياة السياسية في إيران الثورة الأسلامية، وأن الأمر برمته في النهاية هو في يد المرشد الأعلى الذي يقول الكلمة الفصل في كل أمر هام
لكن تداعيات الأمر، وطرد وكالات الأنباء والقنوات الفضائية ومنع الصحفيين وإعتقالهم وأعداد القتلى من المعترضين وكل الامور الاخرى تشير الى تغير مفاهيم كثيرة، ومنها مفهوم المرشد الاعلى نفسه،
وأنا أرى أن قطار الشعب تحرك، ولن توقفه مطبات التسلط والتخلف والظلام.
فألف مبروك للشعب الأيراني الشجاع،تستحقونها مقدما ومن القلب.
رعد الحافظ
التعليقات