ولكي نجيب على هذا السؤال لا بد من الإشارة الى أن بلادنا تواجه اليوم تحولاً من نوع معقد وصعب، حيث ان مسار تطور الأحداث خلال السنوات الست الماضية، تظهر لنا تقدم المصالح الفئوية على المصلحة الوطنية العراقية، وهذا ناتج عن الاستقطاب الطائفي والاثني الذي عمق الازمة البنيوية التي كانت سائدة في المجتمع العراقي بسبب سياسات النظام السابق وحروبه والتي ساهمت الى حد كبير في تمزيق الهوية الوطنية وتشتيتها الى هويات فرعية طائفية وقومية، مما ترتب على ذلك استحقاقات فرضها المسار السياسي الذي فرضته اميركا على العراق بعد 2003، فتراجعت الدعوات الوطنية لصالح الدعوات الطائفية والأثنية بسبب هيمنة خيار المحاصصة الطائفية على حساب الخيار الوطني، اما في عهد النظام السابق فان حملات القمع والتصفية والملاحقة التي تعرض لها شعبنا وسائر القوى الوطنية الأخرى الى جانب التحولات العميقة والتغييرات التي شهدها العالم بعد 11 سبتمبر، كل ذلك القى بظلاله على وطننا وخاصة مجتمعنا العراقي والذي نحن جزءا منه، وهذا ما يجعلنا جميعا ان نتكاتف لتجاوز المأزق الراهن جذريا وليس شكليا لبناء مشروع وطني وديمقراطي قادر على توحيد الهويات الفرعية quot; الطائفية او الأثنية quot; في بوتقة وحدة المجتمع العراقي في إطار تنوعه الثري، بما يساعد في خلق الشروط الحقيقية لتطور المجتمع وبناء الدولة الديمقراطية العصرية والتي بدورها ستساهم في خلق ما يتمناه شعبنا من خيار الحكم الذاتي المرتبط بالدولة الديمقراطية المركزية.
أن تبني البعض المشروع السياسي لتوحيد الخطاب القومي والوطني لأحزاب وقوى شعبنا على الساحة العراقية والعمل على تثبيت حقوقهم القومية المشروعة وفي مقدمتها الحكم الذاتي في الدساتير العراقية لا بد أن يمر عبر عملية نضالية تربوية متصاعدة، تستند إلى أسس سليمة وتتطلب التحلي بقبول الآخر ورحابة الصدر والاستعداد لإدارة حوار بنّاء بين قيادات وقواعد جميع أحزاب شعبنا لبلورة وحدة التوجهات وأطر العمل المشترك، ثم الانطلاق والتحاور مع من له سلطة القرار الوطني المستقل.
ومن هذا المنطلق علينا الاعتراف فنحن أمام معضلة تتمثل بضعف العامل الذاتي المطالب بالحكم الذاتي والناتج عن جملة من العوامل المرتبطة بضعف ثقافة الحاضنة الاجتماعية والتي تمثل شعبنا وعلى اختلاف انتماءاتهم الكنسية والقومية وذلك نتيجة السياسات القمعية للنظام الدكتاتوري السابق مضافا لها سياسات المحاصصة الطائفية الظالمة الحالية والتي أسهمت هي الأخرى في تدمير المجتمع العراقي صحيا وتعليميا واقتصاديا وبخاصة شعبنا المسالم وبقية المكونات الصغيرة الأخرى.
أسئلة كثيرة تراود شعبنا واهمها لماذا الحكم الذاتي الآن؟
هل هو طرح ناجم عن لعبة تكتيكية أم انه ضرورة اجتماعية وتأريخية؟
ثم هل يمكن للحكم الذاتي بتنوع قواه واختلاف مرجعياتها النظرية والتاريخية، أن يصبح قوة على الأرض العراقية، هذه الأرض التي بإمكانها خلق المناخات الحقيقية للتطلع نحو المستقبل من خلال بلورة مشروع مجتمعي عراقي عام يزكّيه التاريخ وليس أوهام وسذاجة صقور العبارات الرنانة.
هل تستطيع قوى الحكم الذاتي على الأقل في مناطقنا التأريخية أن تصوغ استراتيجية بديلة تتجاوز ستراتيجية القوى المهيمنة على المشهد السياسي الراهن في العراق وطرح بديل قادر على خلق ديناميكية سياسية جديدة تتجاوز نظام المحاصصات الطائفية والفئوية والتي لم نجني منها غير الدمار والخراب؟
وآخر التساؤلات الى اي مدى تستطيع قوى الحكم الذاتي المتواجدة في مناطقنا التأريخية أن تدير عمليات المساومة التاريخية مع القوى الأخرى دون أن تفقد وضوحها وأهدافها الاستراتيجية القومية والوطنية!
قد يبدو ان هذه التساؤلات مثيرة للالتباس ظاهريا ولكن من المفيد الإشارة هنا الى أن فن القدرة على المزاوجة بين الديمقراطية ذات المضمون الاجتماعي العام وبين المطالبات القومية لا يفترض ان تمر عبر وسيط اجنبي ! كما علينا معرفة ما إذا كانت قوى الحكم الذاتي قادرة على بلورة مشروع ديمقراطي اجتماعي يلبي فعلا مصالح جميع مكونات شعبنا.
إن التحدي الذي تواجهه قوى شعبنا وهي تقدم مشروعها quot; الحكم الذاتي quot;هذا كمشروع قومي، هو تحدي لمشاريع بعض القوى الأكثر نفوذا في العراق حيث هناك من يطالب بالمشروع الوطني الشامل والذي يحتضن جميع القوى والمكونات، فاين نحن منهما.
إن حواراً أمينا وصادقاً بين قيادات شعبنا السياسية والحزبية ورجال الدين والفكر والثقافة والاقتصاد سيحقق الخروج برؤية مشتركة قادرة على إستلهام المصلحة القومية واثبات الوجود أمام التحديات التي يواجهها شعبنا وهي الطريقة الصحيحة لاعلان الوحدة القومية المنسجمة مع أنظمته السياسية والاجتماعية في الوطن، وتلبى طموحاته في النهوض والتطور والتقدم.
ولا يفوتني ان اذكر بان شعبنا عان من احتلال العراق ومن مآسي الحرب الكثير، وقدم المئات من الشهداء مدنيين ورجال دين، وما زال يعاني من التهجير من تدخل دول الجوار.. وإن ما يهمنا الآن هو وقوف شعبنا إلى جانب المطالبين بإنهاء الاحتلال والغاء المحاصصة الطائفية والعنصرية القومية والفئوية لتمكينهم من امتلاك إرادتهم الحرة في إدارة شؤونهم بانفسهم والحفاظ على وحدة اراضي العراق وسيادته وأمنه واستقراره وبما يكفل نهوضه من جديد لممارسة دوره الانساني.
نحتاج في هذه اللحظات المصيرية الى وطن حر ومستقل ودولة ديمقراطية عصرية، ولن تنهض بهذه المهمة سوى القوى الرافضة للطائفية والعنصرية، تلك القوى التي تراهن على إعادة بناء الهوية الوطنية العراقية، ومن المؤكد أن قوى شعبنا الكلداني السرياني الأشوري المطالبة بالحكم الذاتي يمكنها أن تكون في قلب هذه العملية التي ستفضي الى بناء عراق مستقل ديمقراطي موحد.
ادورد ميرزا
اكاديمي مستقل
التعليقات