عرف العراق منذ أقدم العصور بأنه دولة ذات امتداد خليجي، بل كان يطلق على الخليج اسم البحر الأسفل أي أسفل بلاد الرافدين، وكانت سواحله الشرقية والغربية خاضعة على الدوام للسيطرة السياسية والحضارية لبلاد الرافدين حتى أن بعض مناطقه قد سميت بأسماء رافدينية، مثل مكان ( عمان الحالية ) وتلمون أو دلمون ( البحرين وساحل الإحساء ).. الخ، وقد شهد الخليج على الأرجح أول سفرة بحرية مدونة في التاريخ بعد أن خاض جلجامش مياهه بحثا عن مقر إقامة جده اوتو نبشتم، ثم أصبح الخليج جزءا من أقاليم الدولة الاكدية التي عدت أول إمبراطورية يشهدها التاريخ، لأنها شملت معظم أرجاء العالم المعروف آنذاك باستثناء مصر التي كان تعيش آنذاك عالمها الخاص، حيث أشارت النصوص المسمارية إلى وصول الملك الاكدي (نارام ndash;سن) إلى منطقة مكان (عمان الحالية ) وضمها إلى مملكته، ثم استمرت الصلاة الحضارية والسياسية عبر مختلف الحقب التالية التي كان العراق خلالها احد أهم مراكز الحضارة في العالم، ولم ينعزل العراق أو تنقطع صلته بمناطق الخليج حتى أثناء الاضطرابات السياسية فقد كان يطلق على الخليج خلال العهد الأشوري والكلداني بالبحر الكلدي، ورغم السيطرة الفارسية التي استمرت بضع قرون فان الصلاة العراقية الخليجية لم تنقطع، وخير دليل على ذلك امتداد سيطرة المناذرة لتشمل معظم أرجاء هذه المنطقة إلى حدود عمان، ثم وبتحول العراق إلى مركز العمليات الشرقية للفتوح الإسلامية، أصبح الخليج خاضعا لإدارة أمراء العراق سواء في العهد الراشدي أو الأموي ثم لخلافة بغداد العباسية، أما العثمانيون فقد جاء اهتمامهم بالخليج انطلاقا من وجودهم في العراق وكان لوالي البصرة نفوذ اسمي وفعلي على بعض المناطق الخليجية، وبعد حصول العراق ودول الخليج على الاستقلال خلال القرن العشرين بدأت العلاقات العراقية ndash; الخليجية تدخل مرحلة جديدة، فقد أصبح العراق عنصرا مهما من عناصر الاستقرار في المنطقة، وأصبح دوره محوريا من خلال خلق توازن بين ضفتي الخليج، حتى بدا الخلاف بالنزاع العراقي ndash; الكويتي الذي تسبب بما تسبب به، ويبدوا أن دول الخليج قد أخذت تعمل على الابتعاد عن العراق وتأسيس دورها التاريخي الخاص منذ ذلك الوقت، وخير مثال على ذلك أبعاد العراق عن المؤسسات الخليجية الاقتصادية والسياسية والثقافية، وتأسيس مجلس التعاون بدون العراق، ثم الطرق على قضية الفروق الجغرافية والسكانية والحضارية بين الطرفين، وتعمد الإعلام الخليجي استثناء العراق عند ذكر مجموعة الدول الخليجية.

إنني هنا لا أريد أن انفي الفوارق الكبيرة بين المنطقين، ولا أحاول أن أدعو لضم العراق لمجموعة مجلس التعاون الخليجي وأي منظمة خليجية أخرى، وكذلك لا أسعى لتفنيد الحجج الخليجية فيما يتعلق بحاجة دول الخليج للابتعاد عن العراق نظرا للظروف غير المستقرة لهذا البلد، بل كل ما أسعى إليه هو إيضاح الحقائق التاريخية والثقافية بل وحتى السكانية فيما يتعلق بعلاقة العراق بالخليج، حتى ينظر الآخرون بايجابية إلى الدور التاريخي العراقي، ولعل أهم ما يمكن أن نذكره هنا هو أن الخليج ولد عراقيا، وان أقدم هوية له هي الهوية الرافدينية، أما العلاقة السكانية والثقافية فالأمر المعروف أن اللغة العربية ذات صلة قربى قوية باللغة العراقية المعروفة بالاكدية التي تعد الأخت الكبرى للغة العربية، وان الخط العربي الحالي مشتق من الخط النبطي سواء الانباري أو الحيري، وليس هذا فقط بل أن الدين الإسلامي واصل النبي محمد (ص) هو امتداد للديانة الإبراهيمية ولشخص النبي إبراهيم، اللذين هما من أصل عراقي سواء بالدلالة التاريخية أو الدينية.

إذن ما الداعي إلى هذا التجاهل والنكران؟ أليس من الضروري الانتباه إلى مكانة العراق ودوره في استقرار المنطقة؟ أليس من مصلحة دول الخليج احترام مكانة العراق وقيمته الإقليمية؟ وضرورة مساعدته على تخطي الظروف التي يمر بها، حتى يساهم في تجنيب المنطقة مخاطر عدم الاستقرار، ثم لماذا تدير دول الخليج وجهها عن العراق؟ هل تعتقد أن بإمكانها النجاة من أهوال الظروف بمعزل عن عراق قوي؟ وهل تجد في الدور العراقي ما يخيفها؟.

إذا كان على دول الخليج أن تخشى من شيء فعليها أن تخشى من خطر ابتعاد العراق واحتمال تحالفه مع دول أخرى، أو ينظم إلى رابطة إقليمية أخرى في المنطقة أو محيطها، فبإمكان العراق وإيران مثلا الارتباط معا تحت أي مسمى كان، فيكون في هذا الأمر ما يخيف الخليج بحسب وجهة نظر دوله.

إذن على دول الخليج أن تتدارك موقفها وتعدل علاقتها مع العراق وان تبدأ ذلك من الآن، لان خروج العراق من أزماته بدون أن يكون لدول الخليج موقف ايجابي منه، ربما سيلقي بضلاله على علاقاتهما في المستقبل، وقد يؤدي إلى إنتاج سياسة عراقية فيها كثير من التقاطع مع ما تتطلبه حاجة دول الخليج وضروراتها.

باسم محمد حبيب