حتى لو هدأت الاحتجاجات التي شهدتها ايران ضد التلاعب في الانتخابات الرئاسية فالمؤكد ان شرعية الرئيس محمود احمدي نجاد قد تعرضت للاهتزاز بعد كل ما أثير حول أن حصوله على 63% من الأصوات كان نتيجة تزوير فاضح وغير مسبوق.

وبغض النظر عن سلامة الإجراءات التي استخدمها نظام طهران لقمع انتفاضة الشارع الايراني فالمؤكد أن مصداقية المرشد الأعلى السيد على خامنئ لم تعد هي لأخرى كما كانت، لأنه لم يرتفع فوق السياسة ولم يمارس دوره كقاضي بين الأطراف المتنازعة بحكم موقعه السياسي والديني!

وباعتراف مجلس الأوصياء الإيراني فإن عدد الناخبين الذين أدلوا باصواتهم في الانتخابات الاخيرة تجاوز عدد الناخبين المحتملين بحوالي ثلاثة ملايين صوت، ولم يكن هذا سوى مجرد نموذج لحجم المخالفات التي يعتقد الإصلاحيون أنها تجاوزت كثيرا ما تم الاعلان عنه رسميا.

وكان غريبا بالفعل ان يحصل الرئيس نجاد على نفس النسبة من الأصوات في المناطق الحضرية والريفية، رغم أن شعبيته تنحصر في المناطق الريفية فقط، وكان غريبا ان يحصل منافسوه على نتائج هزيلة في أقاليمهم ومواطن إقامتهم، والأغرب من ذلك أن تعطي مناطق الأقليات، المساندة باستمرار للإصلاحيين، أصواتها للرئيس نجاد!

ومع امتداد المخالفات الى حوالي 170 إقليما من إجمالي 366 إقليما إيرانيا كان من الطبيعي ان يشكك الإصلاحيون في النتيجة النهائية للانتخابات وأن يصعدوا احتجاجاتهم التي سقط فيها مئات القتلى والجرحي مما دفع المرشد الأعلى للموافقة أخيرا على طلب مجلس صيانة الدستور بتمديد مهلة النظر في الطعون الانتخابية لمدة خمسة أيام أخرى.

بالتأكيد لا أحد يمكنه التنبؤ باتجاه التطورات المتسارعة في إيران ولكن لجؤ هاشمي رافسنجاني رئيس مجلس صيانة الدستور الى الحوزة العملية في قم، قد يرجح إمكانية الوصول إلى حل وسط لاحتواء الأزمة الحالية التي تعتبر الأخطر من نوعها منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979.

صحيح أن ايران تعيش الآن حالة من الهدوء الحذر بعد سيطرة الحرس الثوري وقوات مكافحة الشغب على الأوضاع، وصحيح أيضا أن مجلس صيانة الدستور قد يقرر إعادة فرز 10% من الاصوات عشوائيا بهدف تخفيف الاحتقان في الشارع الإيراني، لكن المؤكد أن السلطات الإيرانية لن تستجيب لطلب الإصلاحيين بإلغاء نتيجة الانتخابات.

وهكذا فالمرجح أن يقوم الرئيس محمود احمدي نجاد بأداء اليمين الدستورية وتقديم تشكيلته الحكومية أمام مجلس الشورى في الموعد الذي تم الإعلان عنه ما بين 26 يوليو و19 اغسطس المقبل وسط توقعات بإمكانية مشاركة عناصر من التيار الاصلاحي في الحكومة الجديدة.

بصراحة نجاح المحافظين المحتمل في فرض نجاد رئيسا لإيران لمدة أربعة سنوات قادمة لن يخفي حقيقة أن ذلك جاء بعد انتخابات مطعون في صحتها، واحتجاجات سقط فيها مئات القتلى والجرحى،وانقسامات حادة في المؤسسة الدينية الحاكمة سوف يكون لها تداعياتها على مستقبل النظام الإيراني.

بصراحة ما حدث في إيران يوم 12 يونيو كان عملية سرقة لأصوات الناخبين الايرانيين لكنها لم تكن مجرد سرقة عادية كالتي تحدث في دول العالم الثالث المحكومة بالنظم الشمولية العلمانية، ولكنها كانت فضيحة كبرى لأن الذي قام بالسرقة هذه المرة هو نظام ولاية الفقية الذي يدعي الحكم باسم الإسلام والشريعة الإسلامية.

نعم فاز الرئيس نجاد بولاية ثانية لكن شرعيته سوف تكون محل جدل كبير في الداخل والخارج.

عبد العزيز محمود