كثر المتدخلون بشئون العراقيين ومصائرهم، ربما لا يوجد بلد في العالم يضاهي العراق في عدد الأيدي التي تلعب بشأنه، وتجد الجرأة والطمأنينة لتصوغ وضعه وهيأته ومساره. وطبعاً ليس وفق هوى أهله ومصالحهم دائماً، بل وفق هواها ومصالحها، أو وفق مصالح ومقتضيات القوانين والأعراف الدولية في أفضل الأحوال!
منذ فترة طويلة وربما حتى اليوم، بدا العراقيون للعالم فاقدي الأهلية، دون سن الرشد، بحاجة لمن يتولى أمرهم ويسوسهم ويحدد مآلهم،بل اعتقد البعض أنهم لم يعودوا محسوبين على قيد الوجود الإنساني المتحضر،وغير جديرين ببلادهم وحياتهم ومستقبلهم!
لا بد من الإقرار أن العراق في الحقبة التاريخية السابقة قاده رجل واحد مستبد، وطغمة خانعة كانوا في طيشهم ووحشيتهم ونزعتهم العدوانية الموجهة إلى الداخل والخارج معاً أقرب للجنون والانفلات من كل قانون أو عرف أو خلق، فجروا العراق والمنطقة كلها إلى حروب وخراب ودمار اقتضت تدخل المجتمع الدولي لردعهم وحصر شرورهم أو إزالتها، ولكن كل ذلك أو معظمه تم وفق قرارات من مجلس الأمن وتوصيات الأمم المتحدة!
كان الأمريكان أكبر المتدخلين في الشأن العراقي،ورغم أن حربهم في العراق لم تتم بقرار صريح من مجلس الأمن إلا أنها جاءت ضمن تسلسل قرارات دولية سابقة وموافقة لمصالح الشعب العراقي في الخلاص من هذا الحاكم وطغمته العاتية المتجبرة والتي لم يكن من الممكن إسقاطها دون تدخل خارجي. ومهما اختلف العراقيون بشأن هذا التدخل فإنه أقر فيما بعد بقرارت دولية،ونظم باتفاقية أقرها مجلس النواب العراقي، وصار له متن قانوني وصفة شرعية واضحة حددت أفقه وطبيعته وعمقه الأساسي!
والعراق اليوم نهباً لتدخلات عديدة! لكن ليس هناك ما هو أخطر من التدخل سوى موقف العراقيين من هذا التدخل وبالذات القوى الفاعلة فيه،خاصة تلك التي تمسك بزمام السلطة!
فإذا كان هناك ثمة تدخل إيجابي بمعنى التقاء المصالح بشكل متكافئ إلى حد ما، وقام العراقيون بالتفريط به أو إفراغه من محتواه فبهذا يكونون قد قلبوه إلى وبال وأضاعوا فرصة تاريخية عظيمة يصعب أن تتكرر،وإذا كان هناك تدخل ضار ومدمر وسكتوا عنه أو مالئوه لسبب طائفي أو قومي فهم يكونون قد زادوا في شروره ومهالكه على شعبهم ووطنهم!
لقد صار واضحاً اليوم أن موقف قادة الأحزاب أو المعارضة من التدخل الأمريكي قد اتسم بالتذبذب والانتهازية والوصولية ولم يأخذ شكل التحالف المبدئي! لذلك لم يتعاملوا معه بثقة ووضوح. والمعارضون له، خاصة الفصائل المسلحة رفضوه وتصدوا له لأنه أفقدهم سلطتهم الظالمة القديمة ومصالحهم المغتصبة،وحديثهم عن الوطنية محض هراء وسخف، وأخيراً صار المتعاملون معه لا يتورعون عن مجاراة رافضيه الدمويين للحصول على مواقع حكم تدعمها الطائفة وامتدادها الإقليمي وبذلك يضيعون بأنانيتهم على الوطن فرصة الاستفادة منه!وفي النهاية التقى مؤيدو هذا التدخل مع رافضيه في احتفالات يوم ابتدعوه للنصر،ولكن من المعروف أن حقائق التاريخ لا تقل عن الألغام تدميراً حين تنفجر!
كما انقسم هؤلاء من التدخل الإيراني بشكل سافر، فبينما يتحدث كثير منهم ( تدعم أقوالهم الإدارة الأميركية ) عن تدخل إيراني واسع النطاق في العراق بالتنسيق مع سوريا ومراكز حزب الله في لبنان يتسبب في قتل العراقيين كل يوم وانعدام أمن الناس وفي شلل وضعه الحكومي وعدم قدرته على مواجهة الفساد والمضي في عملية البناء، ينكر آخرون هذا التدخل أو يقللون من حجمه كثيراً، بل يتحدثون عن دعم إيراني بناء للعراق، وعن تدخل تدميري: سعودي وكويتي وأردني وإماراتي وغيره ويوردون تفاصل ومعلومات من دعم مالي للإرهابيين أو بفتاوى شيوخ الإسلام في تلك البلدان أو في تسلل الإرهابيين من مجتمعاتهم أو أراضيهم! وهذا ما ينكره أو يقلل من شأنه المتهمون لإيران وسوريا وحزب الله!
وبذلك نلحظ غياب الموضوعية وتحكيم الضمير، ومفاهيم الوطنية الصحيحة لا العاطفية الكاذبة في الموقف من هذه التدخلات، حتى اليوم لا نرى مرجعية إعلامية شعبية أو طليعية سياسية تتحدث عن هذه التدخلات بكافة عناصرها ومكوناتها وصورتها الكاملة وأبعادها وأهدافها وأساليبها التي فاقت بعضها في قذارتها أساليب المافيات وعصابات المال والدعارة!
وبالطبع لا توجد أية مرجعية قوية رادعة للوقوف بوجهها وردها إلى نحور المتورطين بها!
يجد المراقب لهجة تدليس والتواء على ألسنة كبار المسؤولين في حديثهم عنها فيتردد دائماً تعبير( تدخل من دولة إقليمية أو مجاورة )، ترى إذا هم لم يتجرأوا على تسميتها فكيف تتوفر لديهم الجرأة على مواجهتاها أو محاسبتها وفق القوانين الدولية؟
قبل أيام شن المالكي هجوماً كلامياً علىدولة خليجيةوهذا من حقه، شرط أن يدعمه بأدلة دامغة تليق بكلام رئاسي، وأن يكون متوازناً ولا يسكت فيه عن التدخلات الإيرانية السافرة في العراق، ويشجبها، ولو بكلمة واحدة!
مرة أخرى لا بد من القول أن التدخلات الإقليمية والدولية أمر متوقع ومفهوم ولكن ما هو أخطر وما يصعب على الفهم هو كيف يتعامل العراقيون مع الذين يتدخلون في شؤونهم سواء خيراً أو شراً! ودون أي اعتبار سوى لمصلحة الوطن والشعب!
إبراهيم أحمد
التعليقات