أزعم أن إعلان وزير الخارجية السعودي رفض بلاده الواضح للمقترحات الأمريكية التى تُطالب الرياض بمنح تسهيلات للطيران الإسرائيلي بالتحليق في الأجواء السعودية بهدف إثبات حسن النيات العريبة تجاهها ولإعادة الحياة لمفاوضات السلام في المنطقة، شجع وسيحرض دول عربية أخري علي رفض المبررات التى وردت في خطاب للرئيس الامريكي بهذا الخصوص..
قصة المقترحات الامريكية التى تسعي لإقناع سبع دول عربية علي فتح سمواتها أمام الطيران التجاري الإسرائيلي المتجه إلي آسيا وتسهيل قيام علاقات تجارية واستثمارية معها وإفساح الطريق لزيارة مستشاريها وعدم الإعتراض علي مشاركتها في فاعليات ثقافية وإجتماعية.. الخ.. توصلت إليها جماعات الضغط اليهودية الامريكية بهدف دعم مخطط الرئيس أوباما لتهئية الأجواء لقيام سلام في المنطقة..
تقول المقترحات أن الضغوط الأمريكية يجب أن تمارس علي الجانب العربي كما تمارس علي إسرائيل.. واذا كانت واشنطن تطالب حكومتها بوقف البناء في أراضي تابعة لها، فعليها أن تضغط علي الدول العربية لكي يوفروا المناخ الذي يبدد مخاوفها ويتعهد بأنها إذا إستجابت لمطالب التهدئة الأمريكية ستنال من الغالبية العربية ما يُقنعها بمواصلة مسيرة السلام التى بدأتها بوقف جزئي للبناء في الضفة !!..
ليس في مقدور منظمات المجتمع المدني العربية أن تطالب الكونجرس الأمريكي بعدم الإستجابة لضغوط الجماعات اليهودية الأمريكية، لأنها لا تملك المعادل الموضوعي الذي يتيح لأعضاؤه المقارنة بين مطلبين لكي يقرروا مساندة أحدهما.. ونظم الحكم العربية لا تملك مقومات إقناع إدارة الرئيس أوباما بعدم الاستجابة لوجهات نظر مؤسسته التشريعية لأنها ( النظم العربية ) ملاحقة منه ( الكونجرس الأمريكي ) لأسباب كثيرة منها ما هو سياسي وما هو إجتماعي وما هو تسلطي..
جماعات الضغط الأمريكية اليهودية تبنت وجهة نظر حكومة نتنياهو العنصرية وعملت علي تعميقها مستغلة موجات الدعاية السلبية التى يثيرها الإعلام الأمريكي من مخاوف تجاه العرب والمسلمون، وأقنتعت 100 من أعضاء الكونجرس بتوجيه خطاب إلي خادم الحرمين الشرفين الملك عبد الله للمبادرة بالتطبيع مع اسرائيل.. لأنها تعلم أن إقدام الرياض علي مثل هذه الخطوة، سيتلوه خطوات ممثلة علي الأقل من جانب الدول الخليجية التى تلقت رسائل مماثلة من الرئيس الأمريكي..
افتقاد الشعوب العربية لجماعات ضغط ناجعة داخل المؤسسات التشريعية الأمريكية ومحدودية تأثير نظم حكمها علي سياسات واشنطن في المنطقة، لا يعني نهاية المطاف لأنهما يملكان كما تؤكد العديد من التقارير الاوربية عدد من أوراق الضغط التى لو أحسنا استخدامها، يمكن ان يحققا ( الشعوب والنظم ) معاً من ورائها الكثير..
هناك ورقة التقابل مع إيران عند نقطة وسطية !! الورقة التى تجمع بين نظرية مقاومة المصالح الأمريكية حتى تعترف بحق الشعب الفلسطينى في الخلاص من أبغض إحتلال عرفته البشرية، وبين القوي العربية ذات الفاعلية التى تري في مبادرات السلام فرصة مواتية.. ماذا لو جلست طهران مع القوي العربية ونسقت معها سبل التخفيف من حدة توتر نقاط الخلاف بينهما !! وماذا لو وضعت العواصم العربية يدها في يد إيران لبناء إستراتيجية عربية إسلامية ولو في حدها الأدني..
ورقة خفض مستوى التعامل مع إسرائيل إلي أدني مستوي خاصة علي مستوى علاقتها بكل من القاهرة وعمان !! فكلتا العاصمتين تُدركان أنهما لم تستفيدا من سلامهما الموثق مع تل ابيب بالدرجة التى كانت تروج لها واشنطن جيمي كارتر.. علي الجانب الثنائي ليس هناك مستوى من مستويات العلاقات بين الطرفين إلا وتأثر سلباً مع مرور السنين، وعلي مستوى قضية الصراع تراجع الجهد العربي خطوات كثيرة للوراء.. ماذا لو عملت كل منهما علي خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي وعلي إستبدال الواردات الإسرائيلية بغيرها مع الحد من تدفق سواحها إلي داخل البلاد وتهميش مشاركتهما في مؤتمراتها.. إلخ..
ورقة الضغط الشعبي العربي، ليس من خلال اطلاق المظاهرات والهاتفات الحنجورية وحرق الدمي والاعلام ولكن عن طريق المجالس التشريعية ومنظمات المجتمع المدني وهيئات حقوق الانسان والتيارات السياسية التى تتبني وجهة نظر جماهيرية موثقة ذات مطالب تتصف بالواقعية والنظرة المستقبلية.. ماذا لو تكاتف الجميع لإزالة الحواجز من أمام صوت الحراك الجماهيري لكي يعبر الحدود، فمن المؤكد انه سيكون ذا وزن يعتد به..
ورقة المعونات الأمريكية، التى في مقدور الكل الإستغناء عنها وقد تحول جزء كبير منها إلي سيوف مسلطة وأصبح ظلها كئيباً علي الحاكم والمحكوم، قبل أن يقوم الكونجرس بالإعتراض عليها متبجحاً بأن نظم الحكم العربية التى لا تطبع مع اسرائيل لا تستحق ان تمد لها الإدارة الامريكية يد المساعدة سواء كانت مادية او عسكرية.. ماذا لو جربنا العيش بدونها علي الاقل لكي نثبت عدم مصداقية صلتها بشخص الحاكم أو بكرسيه..
ورقة نفاذ الصبر، لأن الجانب العربي، شعوباً وحكومات، قدم كل ما عنده ولم يجن ألا الخيبة بينما حصت إسرائيل كل ثمار السلام.. تقول أفتتاحية صحيفة الفينانشيال تايمز اللندنية ( 4 أغسطس ) quot; ارتفع عدد الدول التي اعترفت بإسرائيل بعد عام 1992 من 85 دولة إلي 161 دولة.. وتضاعف معدل نمو إقتصادها وحجم إستثمارتها 6 مرات وزاد عدد متسوطنيها في الأراضي العربية بمقدار 35 %، بينما إنخفض دخل الفرد الفلسطينيى إلي أدني مستوي quot;..
لم يعد لدينا ما نقدمه..
حان الوقت لأن تُقدم إسرائيل عرض يتناسب مع مبادرة السلام العربية، ولن يتحقق ذلك إلا بحسن استخدام النظم والشعوب العربية جميعا بلا استثناء معتدلين ومتشددين مقاومين ومسالمين لما بين ايديها من اوراق ضغط يؤكد المراقبون الدوليون قوة فاعليتها..
الدكتور حسن عبد ربه المصري
استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]
التعليقات