أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية والرسمية لانتخابات برلمان كوردستان التي تضمنت فوز القائمة الكوردستانية بــ 59 مقعدا من أصل 111 مقعد، تلتها قائمة التغيير التي حصلت على 25 مقعدا، فيما فازت قائمة الخدمات والإصلاح بــ 13 مقعدا، فيما توزعت المقاعد المتبقية على بقية الكيانات بواقع 1 إلى 3 مقاعد لكل كيان من الذين حصلوا على 4198 صوت فما فوق، في حين أظهرت تلك النتائج فوز السيد مسعود بارزاني برئاسة الإقليم لدورة جديدة بحصوله على 1.266.397 صوتا فيما حصل السيد كمال مير اودلي على 460.334 صوتا من مجموع الأصوات الكلية المشاركة والبالغة أكثر من 1800000 بقليل.
إن القراءة الأولى للنتائج الأولية لانتخابات كوردستان العامة التي جرت في الخامس والعشرين من تموز 2009م والتي تقدمت فيها القائمة الكوردستانية التي تضم تحالفا بين الحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني على قائمتي التغيير التي يقودها المنشق عن الاتحاد الوطني الكوردستاني ناوشيروان مصطفى وتحالف الأحزاب الأربعة ( الاتحاد الإسلامي وجماعة علي بابير والكادحين والاشتراكي )، والتي بدأت بعقد اجتماعات الغرض منها تشكيل ائتلاف أو كتلة برلمانية مؤثرة بمجموع كراسيها التي تتجاوز الثلاثين كرسيا من مجموع 111 كرسيا برلمانيا ربما ستتبلور في الأشهر القادمة إلى معارضة برلمانية لمراقبة أعمال الحكومة ومتابعة برامج الإصلاح التي دعت اليها كافة الكيانات السياسية في حملتها الدعائية.
ويتفق معظم المراقبين والمهتمين بالشأن الكوردستاني بأن الانتخابات كانت بمستوى متميز وشفافية عالية والاهم أنها مرت بسلام وأفرزت نتائج مغايرة لما كانت عليها الأمور خلال السنوات الثمانية عشر منذ استقلال الإقليم ذاتيا عن بغداد إثر حرب الخليج الثانية واندلاع انتفاضة الربيع في كوردستان العراق عام 1991م، حيث الأداء النوعي والخطاب الوطني والتنافس الحار تحت سقف نهج ديمقراطي متفق عليه وعلى نتائجه من قبل كل الأطراف المشاركة.
ويبدو من القراءة الأولى لنتائج هذه الانتخابات بأن شعب كوردستان قد صوت لإنجازات الحاكمين منذ عقدين ولطبيعة السلام الاجتماعي الذي أمنه نظامهم السياسي دون أن ينسى جانبا آخرا يتعلق بالطرف الثاني لمعادلة وتوازن المجتمع والنظام السياسي في البلاد حيث أحرز الآخر هنا ما يقترب من ثلث الناخبين الذين يمتلكون تحت أي ظرف كان وجهة نظر مغايرة ربما تتبلور خلال الأشهر أو السنوات القادمة إلى معارضة حقيقية تعمل تحت سقف المصالح العليا للبلاد.
وفي كل الأحوال فقد اجتاز شعب كوردستان محنة الخيار الصعب ويبدو أنه يتجه تماما بوضع أطر معارضة حقيقية وتغيير مهم في طبيعة العملية السياسية التي يقودها ائتلاف بين الحزبين الرئيسيين والتي قد تضم مساهمين أو مشاركين رئيسيين من كتلة المعارضة المفترضة إما بصيغة التوافق السياسي أو الاستحقاق الانتخابي، وفي كل الأحوال فأن الفائزين يحملون معهم إلى قبة البرلمان رصيدا كبيرا من المشاريع الضخمة التي أنجزوها في البلاد خلال أعوام صعبة وغاية في التعقيد قبل وبعد سقوط النظام العراقي السابق، وأحدثوا تغييرا جذريا في بنية المجتمع والدولة بما أهل الجمهور للدخول والتنافس في انتخابات كانت غاية في التنظيم والشفافية والنزاهة بينما يدخل الآخرون ببرامج ووعود مفترضة تحتاج إلى بلورة مواقف بناءة ومساهمة في الحفاظ على تلك المنجزات وكيفية تطويرها وإن ميدان العمل الآن أصبح البرلمان وليس مقرات الأحزاب ومنابر الخطابات والحملات الدعائية والميدان يفرق كثيرا في مفرداته عن الخطابات والوعود.
لقد منح الشعب شرف المسؤولية والقيادة للكتل المشاركة في الانتخابات كل حسب حجمه وتأثيره بما فيها تلك التي حصلت على مقاعد قليلة قياسا بما حصلت عليه قوائم التغيير والإصلاح جنبا إلى جنب مع الفائزين الكبار في القائمة الكوردستانية وليس هناك فرق في الأداء الوطني الخالص بين حجم الفعل وعدد الكراسي تحت قبة البرلمان ففي التجارب الديمقراطية التي سبقتنا تفعل المعارضة الوطنية ميدانيا بقوة ربما تتجاوز في تأثيرها على الأغلبية الحاكمة من خلال مراقبتها الدقيقة والبناءة للأداء الحكومي في كل مفاصل الدولة ومناحيها على خلفية التنافس في خدمة الوطن والمواطن تحت سقف المصالح والثوابت العليا لا التنافس الكمي والعددي المحموم من أجل تضخيم حجم الأحزاب على حساب النوعية وأفواج من الانتهازيين والمتسلقين.
إن شعب كوردستان يدرك تماما من يخدمه ومن يضحي من أجله ومن يعمل بصمت لكي يرتقي بالبلاد إلى مستويات رفيعة وراقية في كل مناحي الحياة وان الميدان كان وسيكون ساحة الامتحان الحقيقي لكل الوعود والبرامج التي طرحتها كل الأحزاب والقوائم التي ساهمت وفازت في انتخابات تموز الكوردستانية، التي ستواجه ملفات في غاية الأهمية وفي مقدمتها على المستوى الداخلي معالجة ظواهر الفساد المالي والإداري وتحديث البنية التحتية للخدمات والإنتاج بما يحد من استهلاكية المجتمع، وعلى المستوى الخارجي ما زالت مناطق سنجار وكركوك وخانقين خارج الإقليم وما يترتب على ذلك من تدهور في أوضاع السكان هناك بسبب ازدواجية العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليمية، إضافة إلى ملفات النفط والغاز وحجم قوات حرس الإقليم والمشاركة الحقيقية في صنع القرار وميزانية الإقليم والبنية التحتية في الكهرباء والصناعة والزراعة والمياه والمواصلات.
التعليقات