المعركة الشرسة والصولة (الجهادية) التي دخلتها حكومة نوري المالكي قبل أسابيع قليلة في معسكر أشرف للاجئين الإيرانيين شرق العراق و التي ذهب ضحيتها عدد من الإيرانيين و العراقيين تثير أكثر من علامة إستفهام حول سر الصمت الأمريكي في هذا الملف المقلق و الحساس و الذي يعتبر دون شك واحدا من أهم العقد الستراتيجية و الحساسة ليس في العراق فقط بل في عموم المنطقة خصوصا و أنه يتضمن في محوره الرئيسي كيفية إدارة الأزمة مع النظام الإيراني الراهن، فخلال الهجوم العسكري العراقي العنيف لم يكن الأمريكيون في حالة غفلة أو بعيدون عما يحدث؟ بل كانوا في قلب الحدث! و كانوا يصورون بكل دقة و تفصيل ما كان يحدث؟ و لم يتدخلوا لمنع ما حدث أو حتى لمنع الإشتباكات التي لا جدوى منها أبدا و التي خلفت مآسي بشرية و إنسانية لا تحتاجها شعوب المنطقة أبدا، لقد جاءت هجمة حكومة المالكي في وقت سيء و غير مدروس بل أنه متخبط بالكامل و يبدو أنه كان خاضعا لضغوط إيرانية واضحة المبنى و المعنى ـ فحركة مجاهدين خلق كانت و إلى ساعات قليلة قبل الهجوم تتحدث عن الشروط و الضمانات الدولية التي تطلبها حركة المقاومة الوطنية الإيرانية لإنهاء هذا الملف و إغلاق المعسكر بالكامل و الرحيل بعيدا نحو الوطن و لكن ليس بشكل إنتحاري يائس و لا معنى له! و بما يفرط بتاريخ نضال المقاومة الإيرانية ضد الفاشية و حكم التسلط الديني و مصادرة الحريات، بل وفق آليات و برامج تساهم في إعادة صياغة المشهد السياسي في إيران و لصالح القوى الحرة!، ولكن هجمة حكومة المالكي و حلفائه خلطت الأوراق بالكامل و أسست لأزمة إنسانية عانت منها جميع الأطراف دون مبرر معقول خصوصا و أن تهديدات الرفيق موفق الربيعي المستشار السابق للأمن القومي و تعهداته للحكومة الإيرانية بإغلاق المعسكر لم تزل طرية و لم تنس ذكرياتها بعد وهي ذكريات مريرة بمثابة إستسلام كامل لرغبات و مشيئة و مصالح نظام الولي الفقيه على حساب المصالح الوطنية العراقية الحقيقية التي كان لزاما عليها أن تستثمر حالة الإنتفاضة الشعبية الإيرانية و حركة الشارع الإيراني الحية للضغط على النظام الإيراني لإيقاف الدعم لعصاباته و فيالقه الحرس ثورية في العراق بدلا من أن يكون العراق بأسره بمثابة مجال حيوي للنظام الإيراني يعبث به كما شاء و رغب!، و العجيب أن الولايات المتحدة بعد أن أخذت على عاتقها و مسؤوليتها عملية ما تقول أنه بناء للديمقراطية الجديدة في العراق لم تتحرك أبدا لتحاول تسكين الموقف أو لتبسط رقابتها و حمايتها للسكان الآمنين و المسالمين في أشرف كما أنها أي الولايات المتحدة لم تقم بواجبها السياسي الواضح في منع إعتقال و تسليم بعض المعارضين الإيرانيين المطلوبين لنظام الحرس الثوري!! و في ذلك إخلال كبير في صيغة التوازن المفترضة إذ أنه يجعل المشهد سورياليا و مرعبا فكيف تقوم الولايات المتحدة بتسهيل عمل و تحرك فيالق الإرهاب الإيرانية الرسمية في العراق؟ بل و تتفاوض مع النظام الإيراني من خلال الحكومة العراقية لتسليم الإرهابيين الإيرانيين لحكومتهم فيما تمتنع عن التدخل لإيقاف مذبحة محتملة بين قوات الأحزاب العراقية المدعومة من إيران و المؤيدة لنظامها بشكل علني و معروف، و أعتقد أن الولايات المتحدة تعلم جيدا بأن هنالك تراثا من العداء و الدماء بين الأحزاب الدينية العراقية الموالية لإيران و بين جماعات المعارضة الإيرانية المسلحة و أبرزها جماعة مجاهدي الشعب الإيراني خصوصا و أن فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق كان قد دخل في معارك مباشرة مع قوات مجاهدين خلق في صيف 1988 بعد قبول النظام الإيراني لقرار وقف إطلاق النار المرقم 598 ودخول قوات المعارضة الإيرانية لمنطقة كرمانشاه الحدودية، أي أن هنالك تراث من العداء الدموي بين الفريقين و عقلية الإنتقام تظل هي المسيطرة وذلك من طبائع الأمور، ثم أن النظام الإيراني وهو يصارع الثورة المخملية وحركات الإحتجاج الشعبية الشبابية الإيرانية بعد أزمة الإنتخابات الرئاسية الأخيرة قد ألقى جانبا مهما من مسؤولية تهييج الشارع الإيراني على عاتق المعارضة الإيرانية و علاقات النظام الإيراني الخاصة جدا مع أقطاب السلطة العراقية الحالية تجعل من الإنتقام الإيراني من المعارضة عملا واضحا بل مؤكدا و لا يحتاج لذكاء خارق لإكتشاف طبيعة الرد خصوصا و أن غالبية قوات الأمن العراقية تنتمي أساسا للميليشيات المسلحة و أبرزها فيلق بدر الذي تحول ظاهريا لجناح سياسي رغم أن قواته الضاربة لم تزل في كامل جاهزيتها كما يعلم الجميع، و بعد تسليم الملف الأمني للقوات العراقية كان لزاما على الجانب ألأمريكي و هو الخبير و الضليع في ملفات العراق الحساسة أن يتصرف بدقة وحذر في موضوع أشرف لا أن يكتفي بمراقبة الموقف من بعيد رغم المعرفة المسبقة بإحتمالات تصعيدية مؤسفة وهو ما حدث بالفعل و كما كان متوقعا!، الموقف السلبي الأمريكي مما يجري من أحداث مروعة في العراق يطرح أكثر من علامة إستفهام حول النوايا المستقبلية الحقيقية لإنسحاب عسكري أمريكي كامل ضمن الفترة الزمنية التي حددتها الإتفاقية الأمنية أي بعد عامين تقريبا!!! أغلب الظن أن ذلك لن يحدث فمفاجآت العراق الساخنة ستجعل في النهاية كل الإتفاقيات في خبر كان.. أما أزمة معسكر أشرف فهي كانت على ما يبدو بارومتر إختبار لقوى الأمن العراقية و كيفية تعاملها مع الملفات الحساسة!، الأمريكان يراقبون و لكنهم يضمرون أمرا ستتبين معالمه مع الأيام..! فلا شيء يحدث في الصدفة في عوالم الستراتيجية الكونية الأمريكية..!.

[email protected]