هل تراجعت فعلا حدة المواجهة العلنية و المفتوحة بين حكومة نوري المالكي التي خذلها أهلها! و بين النظام الإستخباري السوري المسؤول الميداني و الفعلي عن العديد من الملفات الإرهابية في العراق وهو طبعا ليس النظام أو الجهة الوحيدة المتورطة في المستنقع العراقي؟ بل أن قائمة المتورطين واسعة للغاية تضم أطرافا متناقضة حتى الثمالة، تبدأ من عصابات القاعدة الإرهابية المدعومة لوجستيا من إستخبارات ( حرس الثورة ) الإيراني!! ولا تنتهي عند أطراف داخلية عراقية محضة تنتمي لصلب العملية السياسية التحاصصية و الطائفية في العراق فعدد الوزراء و النواب الهاربين بجرائمهم الإرهابية أكثر من الهم على القلب!! في نظام سياسي عراقي لم يأخذ صورته النهائية بعد! وفي دولة عراقية فاشلة لم تستطع أبدا حتى اليوم أن ترتقي لمستوى الدولة الحقيقية بمؤسساتها المهيبة و المحترمة، فكل شيء في العراق الراهن مفكك و ركيك و مشابه للصناعة الصينية الرخيصة و الصالحة للإستعمال لمرة واحدة فقط.

لقد إلتهب الشرق الأوسط فجأة على خلفية إتهامات عراقية رسمية واضحة للنظام السوري بوقوفه الداعم و العلني للإرهاب في العراق، وهي إتهامات ليست جديدة بالمرة بل أنها معروفة ويعرفها كل أقطاب النظام العراقي الحالي وهم من الخبراء في الشؤون السورية لكونهم قد عملوا لسنوات طويلة تحت رعاية وحماية المظلة الأمنية و الإستخبارية السورية و يعلمون جيدا وتفصيليا بطبيعة الأساليب الإستخبارية السورية في إدارة ملفات الصراع الإقليمي كما أنهم وهذه من الحقائق المعروفة قد شاركوا في تنفيذ العديد من المهام الإستخبارية سواءا من خلال تفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1981 أو سلسلة التفجيرات و أعمال الإرهاب الأخرى التي ضربت الكويت إعتبارا من أواخر عام 1983 مرورا بمحاولة إغتيال أميرها الراحل الشيخ جابر الأحمد عام 1985 وحتى إختطاف طائرة الجابرية من مطار بانكوك عام 1988 ووصولا للغزو العراقي عام 1990 و الذي حقق الهدف وهو هروب الإرهابيين و المتورطين من سجنهم!!

لذلك فالملفات الإرهابية عامرة و متورمة للغاية، وكان لتهديد حكومة المالكي بنقل الصراع للرعاية الأممية من خلال الدعوة الصريحة و العلنية لتشكيل محكمة دولية لمحاكمة الإرهاب ومن يقف خلفه تأثيره الحاسم في تنشيط الوساطات الإقليمية و أهمها التركية و الإيرانية ثم دخول الجامعة العربية على الخط لمنع المحظور و تدويل القضية و بما يعنيه ذلك من تداعيات و كان للدور السري و الإستخباري الإيراني الضاغط أكبر الأثر في إفشال مشروع المحكمة الدولية بعد أن تدخلت مؤسسة الرئاسة العراقية وفرملت الموقف الحكومي وهو تدخل لم يكن غريبا و لا مفاجئا فللنظام السوري خطوط دفاعية مهمة و متقدمة في صلب النخب السياسية المهيمنة في العراق!.

لقد كان واضحا منذ بداية الأزمة من أن مطالب السيد نوري المالكي بتسلم بعض القيادات البعثية الهاربة و اللاجئة في دمشق من حكومة دمشق هي مطالب مستحيلة التحقيق، فالقائمة التي قدمها المالكي لبشار الأسد في لقائهما الأخير يوم 18/ آب المنصرم كانت تضم 277 إسم لبعثيين مطلوب تسلمهم وهؤلاء في البداية و النهاية هم جزء من المشروع الإستخباري السوري كما كان حزب الدعوة و جماعة الحكيم في ثمانينيات و تسعينيات القرن الماضي جزءا من نفس المشروع!، فليست العقيدة من يسير مصالح النظام السوري بل أشياء أخرى يعرف أهل الحكم العراقي جيدا كنهها و طبيعتها.

نظام دمشق و بعث العراق..!

على عكس مما هو سائد و معلن يخطأ كثيرا من يعتقد أن نظام دمشق البعثي يتعاطف من نظام البعث العراقي الذي كان أو حتى مع قياداته اللاجئة و الهاربة، فالنظام السوري عمل طويلا من أجل إسقاط نظام غريمه في بغداد بل ودخل الحرب مع إيران مؤيدا للجهد العسكري الإيراني عام 1980 و أستفاد كثيرا من تلك العلاقة الستراتيجية مع النظام الإيراني و التي تخالف أبسط المباديء المعروفة عن حزب البعث، وبعد إحتلال العراق أمريكيا عام 2003 لم تسمح دمشق بلجوء أبناء صدام عدي وقصي اللذين عادا للعراق ليواجها مصيرهما البشع فيما بعد!!

كما أن النظام السوري لم يسمح لعائلة صدام حسين ( زوجته و أبنتاه و أولادهما ) باللجوء لدمشق بل عمل على إخراجهم بأسرع وقت وحيث رتبت جملة من الوساطات و التدخلات كان أكثرها فاعلية تدخل طرف قريب للغاية من حزب الله اللبناني إستطاع أن يؤمن لجوء مريح لعائلة صدام حسين في دولة قطر!!

إذن فإن النظام السوري لم يكن حريصا على نظام البعث العراقي أبدا بل حريص على مصالحه الإقليمية و أوراقه التفاوضية و هو يحاول ألأخذ بسفينة البعث العراقي نحو مرافئه عبر إحداث إنقسام في الجسم البعثي العراقي وهو ما حصل فعلا، فقيادة عزة الدوري في العراق على خلاف ساخن و معلن مع جماعة محمد يونس الأحمد رغم حرص الطرفين على عدم التصعيد الإعلامي، فجماعة عزة الدوري لا تتخذ من الشام مقرا أو مستقرا و ساحة للعمل بل أنهم ينتشرون في ساحات عربية عديدة تبدأ من عمان الأردنية و تمتد للدوحة القطرية و لصنعاء اليمنية!

لذلك فإن ما هو موجود في دمشق من بعث إنما يمثل الأمن القومي و الخاص للنظام السوري و مهما عرض العراقيون من وثائق و أدلة تدين هؤلاء و تثبت علاقتهم بالإرهاب في العراق فإنهم لن يجدوا إي إستجابة مهما كانت الضغوط و حتى المغريات.. تسليم البعثيين للمقصلة المالكية أمر دونه خرط القتاد، وكل ما يحصل حاليا من مفاوضات أو مناورات أو صفقات ليست سوى حرث في الهواء.. فنظام دمشق ليس على إستعداد للإنتحار المجاني فالأمر أكبر من كل الأشخاص و القيادات.. إنها حرب و صراع الإرادات الإقليمية التي ستفرز في النهاية وقائعا غاية في الغرابة!.

[email protected]