المتابع للتحركات السياسية الجارية على الساحة العراقية، سيصاب بالعجب والذهول للمعارك التافهة والشعارات الكبيرة التي تجري بسببها. فالمعارك تافهة لأن الواقع العراقي لا يتقبل الكثير من المعارك، أن كنا حقا نعمل من أجل صون وحدته وعدم إدخاله في عنق الزجاجة، حتى تبدو الخيارات أمام العراق بين أمرين لا ثالث لهما، ألا وهما إما القبول بالدكتور علاوي رئيسا للوزراء أو الحرب الأهلية (سنية شيعية، ويذهب في أتونها الأقليات أيضا مثل الآشوريين والتركمان والمندائيين وأحيانا الايزيدين).
إن وضع العراق بهذه الصورة هو أمر مرعب، أنه يذكرنا بالرعب النووي أو خيار الصفر، فالعراق وشعبها بحاجة إلى تفهم أكثر، ويدرك الدكتور علاوي وكل الساسة العراقيين، أن تجذر المسألة الطائفية في العراق ليس وليد اليوم أو الأمس، وهو بالضرورة ليس وليد ما بعد سقوط النظام الصدام، أنه وليد ما تعرضت له المنطقة التي نسميها الآن العراق من حروب مختلفة سنية شيعية، وان كانت بأيدي من غير سكان المنطقة، كما أنه ترسخ في العهد العثماني ونظامها الطائفي أو المبني على الطوائف الدينية(الملل)، وترسخ مع بناء العراق الجديد عندما قاطع الشيعة الدولة، وهو وليد الأنظمة الطائفية كنظام عبد السلام محمد عارف وأحمد حسن البكر وصدام. كما أن المعارضة العراقية الخارجية تبنته، عندما دعت إلى إنشاء قيادة للمعارضة، يقودها كردي وسني وشيعي (مسعود البارازاني، حسن النقيب،محمد بحر العلوم ). ومن حيث البناء الحزبي هناك نوعان من التنظيمات العراقية الحالية وهي القومية، (عربيا لم يعد لها وجود حقيقة فقد تفتت إلى مكونات طائفية، وكورديا أغلب الأحزاب الكوردية، والآشورية والتركمانية) والنوع الثاني هي الأحزاب الطائفية وهي الأحزاب الشيعية بغالبيتها حيث لا تضم ألا الشيعة من أهل العراق، والسنية وهي لا تضم ألا السنة من أهل العراق والعرب منهم خصوصا. إذا بالتالي أن النظام القائم والذي يندد به الدكتور علاوي ليس نظاما مستوردا من خارج العراق، بل هو متكون نتيجة لواقع العراق، سواء كان هذا الواقع نتيجة للتطورات الطبيعية أو بالفرض التاريخي. لا بل إن الكثير من القوى التي يتحالف معها الدكتور علاوي هي قوى طائفية وإن كان البعض منها يرفع شعارات قومية أو وطنية، فوطنية البعض منهم لا تتعدى ضمان حصة كبيرة لطائفته وعندها سيكون العراق بلدا ديمقراطيا ومتحررا وإن كان فيه عشرات القواعد الأجنبية، ومن الجوار هناك أمثلة كثيرة على ذلك.
إن مطالبة السيد علاوي وقائمته بأحقية قيادة الحكومة العراقية المقبلة، كان يمكن أن يكون صادقا لو كان هناك قائمتان أو ثلاثة والقائمة العراقية تحضي بالأغلبية، ولكن في الواقع الحالي ورغم أن القائمة العراقية تحضي كقائمة بأغلبية الأصوات منفردة، ألا إنه لو منح لها حق تشكيل الحكومة وعرضت على البرلمان وعارضتها فقط كتلتان من الكتل الكبيرة، فإنها ستخرج من الوزارة قبل أن تبدأ. إذا من الواضح أن النظام السياسي العراقي، لا يقول بان القائمة التي تحصل على أكبر عدد من المقاعد سيكون من نصيبها قيادة الحكومة، بل إن المنطق يقول إن التحالف الأكبر في البرلمان هو الذي يقود الحكومة واليه يعود حق تسمية رئيس الوزراء. هذا ألا في حالة كون أحد القوائم قد فازت بالأكثرية أي 163 أو ما يقارب من هذا من الأصوات.
إن اتهام القائمة العراقية للتحالف المستجد بين دولة القانون والتحالف الوطني، بأنه تحالف طائفي، هو محاولة فرض نفسه الوحيد الممثل الوطني للعراق، بمعنى أن كل الآخرين أما طائفيين أو شوفينين قوميين أو متزمتين، ومثل هذه الطروحات لا تخدم العمل السياسي المبني على التحالفات، وهذه الطروحات لا تختلف عن طروحات أي شخص يعتقد في نفسه أنه فقط الصحيح والعادل والحق والمؤمن، والبقية يخلون من هذه الصفات وهذا هو طريق الدكتاتورية.
إن الانتخابات البريطانية قد تكون خير مثال للتوضيح وخصوصا وهي حدث قريب منا، فالحزب الذي يفوز ب 263 سيقود الحكومة وفي حالة عدم حصول ذلك على الحزب ذويه الاكثرية أن يتحالف مع أحزاب أخرى، أو قد يكون التحالف من أحزاب مختلفة أخرى ويترك الحزب الذي يكون قد فاز بالأكثرية مثلا ك 200 مقعد والبقية فازت بأقل من هذه المقاعد ولكنها تتمكن من أن تشكل تحالف مؤلف من أكثر من 263 مقعد أي ثقة مضمونة. وعليه فإن مسألة قيادة الحكومة تخضع للمساوامات وخصوصا في حالة عدم فوز أي لائحة بفارق كبير من الأصوات عن اللوائح الأخرى المشتركة في تحالف قائم لقيادة الحكومة.
إن ما طرح لحد الآن من قبل السيد علاوي هو مسألة رئاسة الحكومة وأحقية لائحته في هذا المنصب هذه الأحقية المعتمدة على مقعدين أو مقعد واحد، هذا الطرح يظهر أن السيد علاوي متعطش للسلطة أكثر منه راغب في تغيير أوضاع وتقديم بدائل.
باعتقادنا كان أفضل للدكتور علاوي أن يطرح بدائل أكثر منطقية تجعل الآخرين يتجهون للتودد إليه وليس محاولة فرض نفسه، بافتراضات غير ملائمة أو بطرح مخاوف تجعل منه راعي أو مساند الإرهابيين وخصوصا حينما يطرح نفسه المنقذ والا فالإرهاب قادم. والبديل المنطقي كان أن يقود معارضة قوية ومتزنة ومتماسكة كان سيكون لها تأثير أقوى على القرار السياسي وعلي الشارع العراقي. إن أفضل ما يمكن أن يحصل عليه السيد علاوي شخصيا أو كلائحة هو منصب نائب رئيس الوزراء والعودة إلى معادلة 1 +2 بمعنى شيعي يكون معاوناه كردي وسني أو سني يكون نائباه كردي وشيعي أو كرديا يكون نوابه شيعيا وسنيا وهذه هي المعادلة التي يريد أو يدعي الدكتور محاربتها والتخلص منها. وبرغم من أن المعادلة أعلاه ليست دستورية ألا إنها أيضا غير خارجة عن أطر العمل ويمكن العمل بها لأنها مخرج.
الحسابات الختامية باعتقادنا ستكون مضرة بالدكتور علاوي أكثر من غيره، والنتيجة أن لائحته أيضا قد تتفتت ويتقلص عددها وتأثيرها في القرار السياسي كما تفتت اللائحة السابقة.