لم يكن في البال كل هذا الذي يجري على العراق، من سقوط الصنم الصدامي إلى هذه الساعة، لكن الخطير في الأمر، هو أن يحدث كل هذا تحت إمرة حزب الدعوة الإسلامي بقيادة السيد نوري المالكي رئيس مجلس وزراء العراق لثمان سنوات. نوري المالكي لم يهبط من كوكب مجهول، نعرفه من أيام جهاده ونضاله، كيف كان، وكيف فكّر، وماذا أراد، طموحه كان واضحاً ومصرّحاً به، ففي نهاية العام 2002 كان في زيارة إلى الدنمارك، والتقيناه في حسينية الشهيد الصدر في كوبنهاغن، ولم نلحظ من خطابه أيّ توجه أو تصوّر لعراق مابعد صدام حسين، بل جُلّ أحاديثه في لقاءاته عن مظالم الشعب العراقي وغطرسة النظام، ولقد طلب من الأخوة الدعاة وغيرهم في إحدى جلساته وقتها رأيهم في حال ( طلبه اللجوء في الدنمارك ). نعم، كان السيد نوري المالكي يفكّر في العام 2002 طلب اللجوء في الدنمارك ليستقر بها. بعيداً عن تفاصيل اقامته في سوريا المتعبة، وبقت حالة التشويش معايشة لذاكرة الرجل. حتى بعد دخول قوات التحالف إلى العراق وتوجههم إلى بغداد لإكمال مهمة اسقاط النظام الصدامي. ففي شهر فبراير 2003 وبحلسة خاصة بحضور الشيخ جواد الخالصي وغيره، صرّح بأنّه يرفض هذا الوضع. وسيذهب إلى مسقط رأسه في طويريج ويجلس في حسينية لينظم الشباب ويهيئهم لمقاتلة الأمريكان.
ثم أتت مرحلة بريمر، ومجلس الحكم، والبرلمان، والمالكي ينقلب من موقف إلى موقف، يفاوض الأمريكان، يجتمع معهم في السر والعلن، يتقلد المناصب، حتى أتت ساعة إخراج السيد إبراهيم الجعفري من سدّة الحكم، فمدّ يده إلى أعلى كرسيّ في العراق، إنه المنصب الذي ما بعده منصب.
كلنا تفاءلنا بقدوم الرجل إلى هذا المنصب، فهو يمثل حقبة من نضال الشعب (حسب ظاهر الرجل)، لكن السيد نوري المالكي، سار بالبلاد إلى المأساة (في أقل التقادير تفاؤلاً)، فتبين لنا من خلال سنوات حكمه، مقدار حكمته وقدرته في إدارة شؤون البلد ! فلا حَجرٌ وضِع على حجر، ولا صوت رصاص سكت، ولا نهر دمٍ نشف، المظاهر المدنية تتهدد، ومذكرات الاعتقال تتوالى على أصوات العراقيين الأحرار، واجتثاث العناصر الوطنية سارٍ على كل من يعارض أو يبدي رأياً مخالفاً.
من أنت؟
حزب الدعوة وبزعامتك كانت في العام 2003 كلّ ماليّته 50 ألف دولار، واليوم تتجاوز أرصدة حواريّيك مليارات الدولارات... ووجوه بعيدة كل البعد عن المشهد النضالي لشعب العراق، تتصدى للعملية السياسية، وتنوي الترشح لحجز كرسيّ في برلمان العراق القادم.
(ما على هذا قاتلنا الرجل)، وكل تلك القوافل من الشهداء، وعابري حقول الألغام رغماً عنهم، والأنفالات، وصعود الشعب إلى مقاصل الموت، وركود عشرات الألوف من شبابنا في ظلمات السجون، ما كان كل ذلك، حتى تأتي أنت ومن معك لتستولي على كرسي الحكم وتقاتل من أجله للبقاء دورة ثالثة، حتى أنت لا تملك رؤيا واضحة عمّا ستقوم به.
سيدي رئيس مجلس الوزراء المحترم، أنت تخوض حرباً خاسرة. فما من حاكم حارب شعبه وانتصر ( ولو بعد حين ) قد يوحي المشهد إليك بأنك المنقذ أو المختار أو حامي الحميّة. لكنها ( وعينيك ) رؤيا خاطئة. وقد زُوّر المشهد أمامك، وهناك من يدفع بك إلى كارثة حقيقية ستلّم بك وبتاريخ حزبك الذي تلاشى مع استمرار الدم العراقي. حتى بات المحاربون القدامى يستحون من تاريخهم، مقابل سوء إدارتك للدولة العراقية.
إن كنتَ حقاً تنوي الترشح لرئاسة ثالثة، فتذكر أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء. وحين يثبت الحدث، سيسجل التاريخ. وحينها، تقبّل كل ما هو قادم إليك. أُبشّركَ بشعبٍ لم تقرأ إحداثياته بطريقة صحيحة. فكل من يهتف لك اليوم، سيشهد غداً عليك. وستكثر الأدلة على خرقك للقانون وتجاوزك على مقدرات العراق .. وحينها ستتحسر على عدم طلبك اللجوء في الدنمارك.
[email protected]





التعليقات