في ظل التحولات الاقتصادية الكبرى التي تشهدها المملكة العربية السعودية، ومع تصاعد أهمية قطاع النقل والخدمات اللوجستية بوصفه أحد ركائز رؤية السعودية 2030، تبرز المبادرات المحلية النوعية التي تستثمر الموقع والتاريخ ورأس المال الاجتماعي لبناء نماذج تنموية مستدامة. ومن بين هذه المبادرات تأتي الجمعية التعاونية للخدمات اللوجستية بمنطقة الرياض، ومقرها محافظة الزلفي، كنموذج يجمع بين أصالة المكان وحداثة الدور، في إطار الدعم اللامحدود الذي توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، حفظهما الله، لقطاع النقل والخدمات اللوجستية بوصفه محركًا رئيسيًا للتنمية الوطنية.

ويحظى هذا التوجه كذلك بدعم ومتابعة قيادة منطقة الرياض، ممثلةً في صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود، أمير منطقة الرياض، وبمتابعة مباشرة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل سعود، نائب أمير منطقة الرياض، بما يعكس اهتمام الإمارة بالمبادرات التنموية النوعية التي تسهم في تطوير البنية التحتية، وتعزيز كفاءة النقل، وتمكين المحافظات من أداء أدوارها الاقتصادية.

لم تكن الزلفي يومًا بعيدة عن الحركة والتجارة والتنقل؛ فقد شكّلت عبر تاريخها محطةً مهمة في مسارات الإمداد والأسواق، وأسهم أبناؤها في أعمال النقل والتموين في مراحل مبكرة من تاريخ الدولة السعودية. هذا الإرث المتجذر منح المحافظة قابلية طبيعية للانخراط في النشاط اللوجستي، وجعل من تأسيس كيان تعاوني متخصص امتدادًا منطقيًا لدورٍ عرفه المكان وأتقنه أهله.

وتأسست الجمعية بترخيص رسمي من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مطلع عام 1445هـ، لتعمل ضمن إطار نظامي واضح، وبحوكمة تعاونية تهدف إلى تنظيم الجهود، وتوحيد الإمكانات، وتقديم خدمات لوجستية احترافية تخدم محافظة الزلفي ومحافظات منطقة الرياض، وتتكامل مع منظومة النقل الوطنية التي تحظى بدعم وتمكين مباشر من القيادة الرشيدة، وضمن الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية.

وتهدف الجمعية إلى الإسهام في تطوير القطاع اللوجستي من خلال إنشاء وتشغيل خدمات النقل والتخزين والتوزيع، وتحسين كفاءة سلاسل الإمداد، إضافة إلى تأهيل وتطوير الكوادر الوطنية في مجالات النقل وإدارة المستودعات والخدمات المساندة. كما تسعى إلى دعم المنتج المحلي، وتقديم حلول لوجستية تخدم القطاعين العام والخاص، والقطاع غير الربحي، بما يعزز من كفاءة الأداء ويخفض التكاليف التشغيلية، انسجامًا مع توجهات الدولة في تعظيم المحتوى المحلي وتوطين الوظائف.

وفي خطوة تعكس الانتقال من الرؤية إلى التنفيذ، شرعت الجمعية في مشروع إنشاء محطة الركاب بمحافظة الزلفي على خط قطار الشمال، وذلك من خلال عقد استثماري مع شركة الخطوط الحديدية السعودية (سار) بنظام البناء والتشغيل ثم التحويل (BOT). ويُعد هذا المشروع أحد المشاريع التنموية الاستراتيجية التي تأتي امتدادًا للدعم الحكومي المتواصل لمشاريع السكك الحديدية، ويعزز ربط المحافظة بشبكة النقل الوطنية، ويسهم في تسهيل تنقل الركاب، ودعم الحركة الاقتصادية، ورفع جاذبية الزلفي للاستثمار والخدمات.

ولا يقتصر دور الجمعية على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يمتد إلى البعد الاجتماعي؛ إذ تمثل منصة لتوطين الوظائف، وتمكين الشباب، وخلق فرص عمل مستدامة، من خلال إنشاء مركز خدمات الأعمال بوصفه أحد نماذج الاقتصاد الاجتماعي التي تحظى بعناية القيادة، لما له من أثر مباشر في التنمية المحلية وتحقيق الاستدامة.

إن تجربة الجمعية التعاونية للخدمات اللوجستية بالزلفي تعكس وعيًا متقدمًا بأهمية تحويل الخصوصية المحلية إلى ميزة تنافسية، والانتقال من المبادرات الفردية إلى العمل المؤسسي المنظم، بما ينسجم مع توجيهات القيادة الرشيدة ودعم إمارة منطقة الرياض لتمكين القطاع التعاوني وتعظيم أثره التنموي.

وفي وقت تتجه فيه الأنظار إلى بناء مراكز لوجستية كبرى ومحاور نقل متقدمة، تثبت الزلفي من خلال هذه الجمعية أن المحافظات قادرة على أن تكون شريكًا فاعلًا في الاقتصاد الوطني، حين تتوافر الرؤية، ويتكامل التاريخ مع التخطيط، ويُدار العمل بروح التعاون والمسؤولية، في ظل قيادةٍ جعلت التنمية المتوازنة والإنسان محورًا لكل إنجاز.