بشار إبراهيم من دبي: لعل أطرف ما بدا في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، في أبو ظبي، أن أبرز الأفلام العربية التي تنافست، في دورته الثانية، على جائزة اللؤلؤة السوداء، ذات القيمة البالغة 200 ألف دولار، تلخصت عبر أسماء وحكايات نساء..
هل انتبهنا إلى أن الفيلم المصري يحمل اسم laquo;خلطة فوزيةraquo;، والفيلم الفلسطيني يحمل اسم laquo;عيد ميلاد ليلىraquo;، والفيلم السوري يحمل اسم laquo;حسيبةraquo;، والفيلم الإماراتي يحمل اسم laquo;حناraquo;.. وبذلك فإن الأفلام العربية الأبرز، والتي كان من المُهيأ لها أن تدخل في حلبة التنافس على نيل جائزة اللؤلؤة السوداء، إنما حملت أسماء نساء؟!.. لا يغير من هذا حقيقة ذلك أن كلاً من laquo;فوزيةraquo; المصرية، وlaquo;حسيبةraquo; السورية، تنتميان إلى نسق النساء الناضجات، بينما تقف laquo;ليلىraquo; الفلسطينية، وlaquo;حناraquo; الامارتية، على تلك الحافة الفاصلة بين الطفولة والمراهقة..
الصدفة وحدها، ربما، جعلت من الأفلام العربية الأبرز، والمتنافسة على جائزة مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، تنتمي بعناوينها وموضوعاتها وحكاياتها وجوهرها إلى السينما التي تدور في فلك المرأة، صبية طالعة، كانت، أم شابة يافعة، أو امرأة ناضجة، أو زوجة خبيرة..
لن يضرنا، في هذه اللحظة، الإشارة إلى أن مديرة المهرجان هي الإعلامية المتميزة نشوى الرويني، ولا إلى أن من قدَّمت حفل الافتتاح هي الإعلامية الشهيرة رزان المغربي، بالتشارك مع النجمة العالمية ميغ رايان، وإن شاغبت على الحضور النسوي هذا، قامة محمد خلف المزروعي الناحلة بعلوّها الأنيق، وشاعرية عبد الله البستكي، الملفتة بارتباكاتها اللطيفة..

سلاف فواخرجي من فيلم حسيبة
هكذا، كأنما الأمور جرت على نحو يجعل من الدورة الثانية من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، المنعقد في أبو ظبي، مهرجاناً سينمائياً نسائيًا بامتياز.. وفي الوقت الذي كان يمكن لأنصار الحرية القول إن المرأة هي نصف المجتمع، وجدنا فجأة ما يفيدنا أن السينما هي المرأة، أو أن المرأة هي السينما كلها..
ففي الفيلم المصري الجميل laquo;خلطة فوزيةraquo;، وعلى الرغم من أنه إخراج المخرج الرجل العالي القامة مجدي أحمد علي، وبطولة الفتى النحيل فتحي عبد الوهاب، إلا أن البطولة المطلقة كانت للست فوزية، المرأة المدججة، الطالعة من عمق الواقع الشعبي، والقادرة على فعل ما لا يستطيعه خمسة رجال، طوتهم أزواجاً، واحتضنتهم أطفالاً، وأطلقتهم أحلاماً، بين يديها..
وفي الفيلم السوري laquo;حسيبةraquo;، ثمة امرأة كتبها الروائي خيري الذهبي على ورق رواية، وقدمها المخرج ريمون بطرس على الشاشة الفضية فيلماً سينمائياً، ومن بينهما نبتت امرأة بالغة القوة؛ امرأة تختصر الزمن بحكايتها، وتطوي الرجال بين أصابعها، لتعيد صياغة مدينة، وبلد، وزمن بتحولاته، بات عنوانه laquo;حسيبةraquo;، لا الرجال الذين عبرتهم..
ولا ينفلت الرجل في الفيلم الفلسطيني laquo;عيد ميلاد ليلىraquo; من أسر ابنته الجميلة ليلى، إلا ليعود إليها، عابرًا كل ما يمكن أن يشاغله من طموحات وأحلام، ومفارقات ومواجع.. الرجل/ الأب، في هذا الفيلم، سيبقى منقادًا منذ اللحظة الأولى، وحتى مشهد الختام، لما يمكن اعتباره الحقيقة الثابتة في حياته ذاك اليوم؛ يوم مولد طفلته الوحيدة ليلى، وما عبوره كل الانكسارات والاحباطات، ونفوره العالي الضجيج، إلا من أجل الوصول الختامي لتلبية رغبة رائعته ليلى..
تبقى حنا في الفيلم الامارتي، المعنون باسمها laquo;حناraquo;، حاملة لما هو أكثر من حضورها ووجودها، بل وحكايتها.. حنا، طفلة الفيلم الامارتي، يمكن لها أن تتحول إلى الحلم، ليست فقط على مستوى المراوغة النابعة من اسمها، باختلاف تشكيل الاسم الذي يجعلها laquo;نحنraquo; تارة، ويشي بتلك الرسوم التي ترتسم على ظاهر اليد laquo;حنةraquo;، تارة أخرى.. حنا تتحول إلى الحلم الاماراتي فيما يبدو laquo;طارشraquo; ذاهلاً عن كل ما يحيط به من تحولات تجري، فيما هو منشغل بما هو كائن، وغافل عما سيكون..
وبانتظار إعلان جوائز اللؤلؤة السوداء، ما كان الحديث، وإن كان همساً، أو توقعاً، ليدور إلا عن واحدة من النساء السينمائيات العربيات المتدفقات عبر شاشة المهرجان.. هل تراها: فوزية المصرية، أم حسيبة السورية، أم ليلى الفلسطينية، أم حنا الاماراتية؟..
صحيح أنه في النهاية فازت فوزية المصرية عبر من أدّتها/ إلهام شاهين، وفازت ليلى الفلسطينية عبر من كتبها/ رشيد مشهراوي.. ولكننا نعتقد أن حسيبة السورية، وحنا الاماراتية، تستحقان جوائز، لم يُعلن عنها في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، في أبو ظبي.. ربما لضيق المكان، أو التوازنات ما.. ولكنها جوائز سنراها، في القادم من الأيام، إن لم يكن في المهرجانات السينمائية العربية الدولية، ففي ذاكرة من رأى، وسمع، واتعظ..
في عرس/ مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الثاني، في أبو ظبي 2008، أخذتنا نساء السينما العربية إلى أبعد مدى، فكن باهيات، جديرات بالاحتفاء، إن لم يكن بالجوائز!..