فيصل عبد الحسن من الرباط: تشير إحصائيات شباك التذاكر لصالات السينما في المغرب، التي أعلنها المركز السينمائي المغربي قبل أسبوعين عنquot;البوكس أوفيسquot; الذي يتابع الجانب المالي، والضرائبي لهذا النشاط في المغرب، وقد أشارت أن الفيلم المغربي قد حاز على أكبر عدد من المشاهدين، نسبة للأفلام الأجنبية التي عُرضت، منذ بداية هذا العام2009 في المغرب، ومن هذه الأفلام المغربية التي كانت لها حصة الأسد في عدد المشاهدين، وحسب نتائج الربع الأول للعام تبوأ فيلم quot;حجاب الحبquot; المرتبة الثانية من قائمة ضمت 30 فيلما، فقد حصد عدداً من المشاهدين تقدر بـquot;158quot; ألف مشاهد، وقد أتى quot;حجاب الحبquot; بعد فيلم quot;كازانيغراquot; 198 ألف مشاهد، والسبب يعود في تفوق هذين الفلمين على غيرهما من الأفلام الأجنبية، والمغربية، بعدد المشاهدين، الذين شاهدوا الفيلمين عائد إلى ما أثاره النقد السينمائي، حول قصة الفيلمين في الصحافة والإعلام المسموع والمرئي في المغرب، فقد تحدثت الصحافة عن فيلم quot;حجاب الحبquot; باعتباره خرقا لتابوهات مغربية، لما يرمز الحجاب له عند الشعب المغربي، المحافظ من معاني التدين لدى المرأة، وكخلفية واقعية أيضا لهذا التصور: الشرف والفضيلة، والمرأة أيضا بما تعنيه من معاني سامية، جميلة، يحترمها الشعب المغربي كأم وأخت وزوجة وزميلة في العمل، وكصانعة حقيقية للحياة الجديدة، ترفدها بكل ما هو سام ونبيل، فجاءت قصة فيلم quot;حجاب الحبquot; لتقول لنا غير هذا، الذي نما وترعرع في أذهان الشعب المغربي المحافظ، فقد جاءت قصة الفيلم لتشكك بهذا البنيان الهائل من المفاهيم، والإرث الفكري، من خلال تشكيكها بالمحجبة، كإنسانة معرضة أيضا للسقوط في الرذيلة في لحظة ضعف إنساني، كما حدث لبطلة الفيلم، وما يرمز له الحجاب دينيا واجتماعيا في نظر المغاربة.
قصة الفيلم
الفيلم من إخراج عزيز السالمي، ويتحدث عن quot;بتولquot; الشابة الجميلة في متوسط عقدها الثاني، التي تلعب دورها الممثلة حياة بلحلوفي، الفرنسية من أصل جزائري، يظهرها لنا الفيلم وهي تمارس عمل طبيبة أطفال، كما نراها محافظة على أداء صلاتها، وتلاوة القرآن، وقد كانت تحافظ على ارتداء الحجاب فيشهر رمضان الكريم، ومن خلال المنللوج الداخلي نشعرها أنها ستقدم قريبا على قرار ارتداء الحجاب نهائيا، وليس في شهر رمضان فقط، كما اعتادت قبل سقوطها الأخلاقي، وهذا ما تفعله، ويذهب المخرج المغربي إلى أبعد من هذا عندما يرصد عبر شخصية الطبيبة، موضحا فكرته عن الحجاب، أن العديد من النساء يرتدين الحجاب ليس عن قناعة دينية بالضرورة، بل بحثا عن رجل، لأن أغلب الرجال يشترطون أن تكون زوجة المستقبل، امرأة محجبة وليس عن قناعة دينية يؤمنون بها، بل لأن المحجبة أكثر قابلية لتطويعها وفق ما يريدون أن تكون عليها كامرأة صالحة للمطبخ والفراش وإنجاب، وتربية الأطفال! ومن طرائف مخرج الفيلم، تحاشيه تصوير زوجته quot;السعدية لديبquot; التي تمثل في الفيلم دورا رئيسيا، وهي تمارس الجنس في الفيلم مع عشيقها، كما أظهر باقي بطلات الفيلم quot;المحجباتquot;!
تقسم الطبيبة حياتها بين عملها وأسرتها، وصديقاتها الأربع، اللواتي تجتمع بهن باستمرار خارج البيت في النوادي الليلية، أو في بيت إحدى صديقاتها للحديث وتبادل المعلومات حول صديقات الطفولة، فهيام تؤدي دورها الممثلة quot;السعدية لديبquot; ويعرض لنا الفيلم معاناتها الداخلية، وكأنها تريد التخلص من ماض وحاضر تعيسين، تخلصت منهما بشق الأنفس، بالرغم من أنها كانت تبدو أكثرهن سعادة ومحبة للحياة. وهناك مشاهد أخرى التي يريد المخرج أن يظهر لمشاهده الحرمان والكبت، من ممارسة الحياة الطبيعية، ونقل مشاعر صديقات البطلة بالبؤس والعزلة في بيوتهن مثل نجوى quot;تؤدي دورها نورا الصقليquot; وكذلك صديقتهن المتزوجة نهادquot; الممثلة نجاة خير اللهquot; ليست خيرا منهن. ويجتمعن دائما أما في محل التجميل أو في المقهى، أو في النادي، وأغلب حديثهن عن الزواج والجنس والرجال، وسيرة حياة بتول كانت تبشر بمستقبل زاهر، إلى أن التقت بحمزة، وحمزة quot;يؤدي دوره الممثل يونس ميكريquot; وهو شاب يختلف عن بطلة الفيلم في كل شيء، لكن ذلك لم يمنع علاقة الحب أن تنمو بينهما، وتسيطر على البطلة عواطف متناقضة تجتاح قلبها، فكلما التقت به تنسى ما تربت عليه وما أمنت به، وما يمثل الحجاب من قيم تحيط نفسها بها، والذي يعنيه حجابها وسلوكها المتدين، وتبرر ذلك خلال الفيلم لنفسها، بقولها إن ما تقوم به ليس quot;حراماquot; وإنه ليس سوى محاولة للخروج من الشرنقة للعيش في هذه الحياة.
نهاية سعيدة
ويعيش الحبيبان قصة حب، تتابعها كاميرا تذكرنا بكاميرا السينما الهندية، عندما تستغل فترة منتصف الفيلم، بعد عقد التعارف بين البطل والبطلة، للأغاني والرقص بين البطلين، والتنقل من مكان إلى آخر، وتبديل ملابس الممثلة في كل لقطة، ترويحا للمشاهد قبل الانتقال به للأحزان والمصائب القادمة، ولكن في هذا النوع من الأفلام التي تعتمد كثيرا على أظهار مشاهد العري، والجنس، لأنها تفعل ما تفعله الأفلام الهندية مستبدلة الرقص والتنقل بتلك المشاهد التي ينتظرها المراهقون، حيث يعلو التصفيق والصراخ، وينتقل بك بعد ذلك المخرج إلى عقدة الفيلم مباشرة، حيث تختلط فيها الدراما بالكوميديا، تمهيدا للنهاية السعيدة، وقصة الحب في الفيلم لم يُكتب لها النجاح فتنتهي بالفراق! لكن البطلة التي تضع حجاباً ويظهرها المخرج ملتزمة دينياً، تحمل من صديقها سفاحاً، فيرفض حمزة الزواج منها، ولا ترى هي مانعاً في الاستمرار بعلاقتها الآبقة به، بدعوى أن الحب أقوى من مسألة الحلال والحرام، وتستفيق من أحلام الحب، بعد أن تكتشف أنها حملت حراما من صاحبها، في مجتمع محافظ لا يرحم الخاطئات والخاطئين، وتطالبه بتصحيح الوضع من خلال الزواج، لكنه يرفض ويعتبر ذلك حيلة تعمد إليها البنات دوما للإيقاع بالشباب في حبائل الزواج، وحملها ليس إلا وسيلة للضغط عليه من أجل الزواج، وهو يرفض أن يعيد تجربة زواج جديد فاشلة، بعد فشل زواجه الأول، وهروب زوجته التي تركت له ابنة يربيها وحده، فتقرر صاحبته، الابتعاد عنه بعد أن اكتشفت أنه كاذب في حبه لها، وأنه ارتبط بعلاقة غرامية مع إحدى صديقاتها، بعد أن رفضت طلبه بخلع حجابها، مع الاستمرار في معاشرته من دون زواج، وواجهته برفض طلبه منها بأجراء عملية إجهاض لطفلهما، وتصمم الإبقاء على جنينها، والتكلف بتربيته بعد أن تلده في مجتمع ينظر إلى الأم، التي أنجبت من غير زواج على أنها عاهرة، وخارجة على الأعراف والتقاليد، وتقرر الاستمرار بارتداء الحجاب بعد أن كانت ترتديه في المناسبات فقط، وكأنها اتخذت هذا القرار للتكفير عن ذنبها في الحمل السفاح، وبعد تأكدها من فشل علاقتها العاطفية، ووفاة أخيها في حادث مروري مروع، وهو يطاردها بسيارته، وكانت هي مع عشيقها، وقد تعرفها بالرغم من محاولتها التنكر، أما حمزة فاستمر في حياته، ومغامراته مع النساء لتقع في حباله إحدى صديقاتها المطلقات، التي تلتقي بهما بتول مصادفة، لتشتعل نيران الغيرة في قلبها، لتقرر فضحه لها، وكشف شخصيته الحقيقية، التي تنم عن ذئب في جسد إنسان، وأنه أب الطفل الذي في أحشائها. فتتسارع وتيرة الفيلم وتحاول صديقتها إصلاح علاقة صديقتها به، وتجري الأحداث بمصادفات فاضحة، ويغمى على بتول، وينفضح أمر حملها، وتعرف عائلتها ملابسات قصتها، ليقرر ابن العمquot; شخصية يظهرها الفيلم لنا متدينةquot; ومن مستوى تعليمي أقل من البطلة، فهو مجرد بزاز في دكان بسوق القماش تعود ملكيته لأسرة بتول، ويتقدم بشهامة ليطلب يدها، ليستر عار العائلة وليختتم المخرج، الفيلم نهاية سعيدة بتعالي ضحكات صديقات البطلة.
نقاش موضوعي
كان دفاع المخرج عزيز السالمي عن فلمه، الذي هو بالمناسبة أول فيلم في المغرب يناقش موضوع الحجاب عند الفتيات سينمائيا، بقوله للصحافة التي أثارت جمهورا واسعا ضد الفيلم quot;التابوهات لا تزال موجودة في المجتمع المغربي، والمنطق المسيطر هو التستر، لذلك من واجبي كمواطن أولا وكفنان ثانيا أن أتحدث عن الظواهر التي تبدو غريبة أو شاذة في المجتمع الذي أنتمي إليهquot; وكان رده على المشاهد الحميمة التي أظهرها الفيلم بين البطلة بتول وحمزة، أجاب عزيز السالمي موضحا quot;عندما كنت أستعد لتصوير الفيلم، لم أتوانَ عن التجول في منتزهات المدينة، حيث شاهدت فتيات محجبات يتبادلنالقبلات مع أصدقائهن في أوضاع أكثر من حميمةquot;، وأضاف:quot;ذهلت للتحول الذي عرفه الحجاب في المجتمع المغربي، ففئة واسعة من الفتيات المغربيات يضعن الحجاب بألوان زاهية مغرية وشعر مكشوف وملابس موضة ضيقة ومثيرة، عكس ما كان متداولا في الثمانينيات من القرن الماضي إبان صعود التيار الإسلامي، حيث كان الحجاب أكثر صرامة. ليختم قائلا quot;الموضة أصبحت تتحكم بشكل كبير في الحجاب. لم يعد ذلك الحجاب الذي عرفناهquot; ومن الواضح أن المخرج حاول في إجاباته أن ينقل معركته من معركة مع الحجاب الإسلامي إلى معركة مع حجاب جديد مطور عن الحجاب الأصلي لكنه، لا يمتلك الفكرة النبيلة نفسها التي يعنيها الحجاب، من معاني العفة ومنع الإغواء، وتحديد نوع الفتاة التي نراها في الشارع، وتحديد هل هي فتاة محافظة دينيا أم أنها ليست كذلك، وهناك ظواهر قليلة من هذا النوع الذي أشار إليه المخرج، ولكنها ليست بالعمومية، التي يمكن أن نصور فيلما من أجلها، فهناك عدد من الفتيات والنساء اللائي يستخدمن الحجاب درعا وسترا لممارسات لا أخلاقية تتم في الخفاء، لتلصق بكل من ارتدت الحجاب تهمة من هذا النوع، مما يهدد النسيج الاجتماعي في المغرب، ويضع أكثر من ثلثي نساء المغرب من المحجبات تحت طائلة الاتهام غير المبرر، والعدواني في بلد مسلم، وهذا ما أثار الرأي العام المغربي ضد الفيلم ومخرجه، وكما رأينا فالمخرج السالمي رفض أن تصور زوجته الممثلة في احد المشاهد العارية في الفلم حين كانت مع عشيقها ولكنه، يسمح بذلك لبنات الناس، الأخريات، وكذلك فالفيلم منذ البداية يظهر لنا بطلة الفيلم من دون حجاب كأي شابة غير ملتزمة دينيا ولكن حالما يأتي شهر رمضان ترتدي الحجاب لأنها ستصوم الشهر، ومن متممات الصوم الالتزام بالحجاب، كما تفعل جميع المغربيات المسلمات في شهر رمضان، مما يؤكد أن البطلة ليست محجبة إيمانا حقيقيا، والتزاما دينيا بل أنها تحسب على باقي الفتيات غير المحجبات، وربما بعد زلتها مع حمزة ستغير مسير حياتها، وتصير ملتزمة دينيا، مما بعني أيضا أن الحجاب الذي أظهره الفيلم لا يعني شيئا لأنه لم يستخدم من قبل فتاة مؤمنة به في مسيرة حياتها، مما يؤكد أن المسألة التي جعلت المخرج يختار طريقة المعالجة في الفيلم هو شباك التذاكر، وما سيدره الفيلم من أموال من جيوب المراهقين، الذين لا تهمهم اللغة السينمائية الهابطة للفيلم، ولا القصة المفككة التي يرويها، ولا المشاهد المفبركة على الطريقة الأمريكية لمطاردة أخ البطلة، لأخته المتنكرة وعشيقها بسيارته، ولا النهاية المقحمة، التي تريد أرضاء الجميع، المجتمع المغربي المحافظ بزواج الطبيبة من الشاب المتدين quot;البزازquot; بالرغم من معرفته بحملها من غيره! وإرضاء لمؤسسات أجنبية تدفع ماديا لتشجيع أفلام من هذا النوع وتدفع ما أمكنها لأحداث اصطفافات متعارضة.
التعليقات