دور السينما في العراق في حالة اندثار
عبدالجبار العتابي من بغداد: يسعى المخرج السينمائي العراقي الشاب عدي رشيد الى عرض فيلمه الروائي الطويل quot;كرنتينهquot;، الذي انتهى من إخراجه سينما الزوراء في بغدادمؤخراً، في دور عرض سينمائية في بغداد!، وهذا السعي اصطدم بالواقع الذي عليه دور السينما في بغداد التي لم يعد لها وجود بالمنطق الصحيح، أو لم تعد صالحة لحضور الجمهور، فيما أغلبها أغلقت أبوابها وتحولت بناياتها الى ممارسة أعمال أخرى، وهو ما يجعلنا ننظر الى رغبة عدي بعين الرثاء تارة وبعين الحماس لرمي حجارة في بحيرة الوضع العام لدور السينما في العراق عسى أن تكون التفاتة عدي لها مغزاها وجدواها في ضرورة الانتباه الى قيمة دور العرض السينمائي وقبله قيمة السينما كونها من وسائل التثقيف والمتعة، ومن أجل التعرف على فكرة المخرج وهاجسه، وآراء عدد من المعنيين بشأن السينما حول المكان الذي يجب ان يعرض فيه الفيلم.
قلت لعدي رشيد: أين ستعرض فيلمك؟
قال: أتمنى وسأعمل على أن يتم عرض الفيلم في أربع صالات عرض، واحدة في بغداد، وفي ثلاث دور عرض في محافظات: البصرة والموصل والسليمانية، أعلم أن الموضوع لم يكن سهلاً ولكن هذا قدرنا أن نعمل بكل ما هو صعب!.
قلت له: ولكن لا توجد دار عرض صالحة حسب علمي؟
أجاب: لا بد أن نهيىء دار عرض، نحن السينمائيين علينا ألا نسكت إلا حين نجد دار عرض، نريد أن نمنح الفرحة للناس للتقييم والتواصل، العملية السينمائية لا تنتهي بانتاج فيلم ولا يستمر ذلك إلا بوجود دار عرض، هل من المعقول أن بلداً مثل العراق وبعد هذا التغيير الشرس الذي دفعنا ثمنه دماء، لا نستطيع المحافظة على صروحنا الثقافية واستثمارها، ولا تقل لي أن دار العرض تقل أهمية عن صرح آخر، من جهة ثانية مهمة أن تداول عرض سينمائي في بغداد جزء من لحظات تثبيت الأمن الحقيقي، فعندما يستطيع المواطن الذهاب الى دار عرض فهذا يعني وجود أمن.
قلت له يا عدي حدثني عن الدار التي ستعرض فيها فيلمك الجاهز للعرض؟
قال: كنت أفكر في سينما سمير أميس، ولكنني فوجئت أنها تحولت الى بنك!، ثم فكرت في سينما quot;النجومquot; وإذا بي أسمع انها تحولت الى مطبعة، لم يبقَ لي سوى سينما quot;أطلسquot; وأتمنى ألا تتحول هي الأخرى الى شيء آخر.
قلت له: وإن لم يكن هذا فماذا ستفعل؟
قال: سوف أقوم بتجربة العروض الصيفية على شواطيء دجلة في شارع أبي نؤاس، وهذا أضعف الايمان، هذه فكرة خبير دور العرض أحمد العلي، أن نقدِّم عروضاً صيفية ونرجع الى مرحلة الثلاثينات في بغداد، واقول هذا بكل ألم!.
هنا، ربما أصبحت الصورة واضحة، فدور العرض السينمائي في بغداد ما بين quot;منقرضةquot; ومندثرة، وما بين غائبة عن الوعي، أو مجرد اسم، ليس هناك سوى ثلاث دور ما زالت تصر على بقائها، هناك سينما quot;أطلسquot; في شارع السعدون، وسينما quot;الخيامquot; في المدخل الجنوبي لشارع الرشيد وبالقرب منها سينما النجاح أوquot;ريكسيquot; سابقا، ولا زالت عروضهن من الأفلام القديمة وثلاثة أفلام في عرض واحد والجمهور في انحسار واضح، لذلك فمسألة عرض فيلم عراقي للجمهور يعد واحدا من المستحيلات، فما زال أغلب الجمهور الحقيقي يشيح بوجهه عن دور العرض هذه لانه لا يجد فيها أبسط مقومات العروض ولا نكهة الاحتفاء والمشاهدة.
وهنا، أيضا وجدتني أسأل من يهمه الامر عن سعي المخرج عدي رشيد للعرض المحلي وكيف ينظرون الى فكرته من خلال أحوال دور العرض السينمائي في بغداد.
يقول المخرج عزّام صالح: لأن الدولة ألغت اهتمامها بالسينما، فدور السينما وأصحابها حولوها الى معامل للنجارة وأشياء أخرى حتى يستفيدون من أرباحها، ولو أردنا عرض فيلم سينمائي في الوقت الحاضر على الدولة أن تبدأ مثلما بدأت الحكومات في العشرينات والثلاثينات للتخطيط لصالات عرضسينما بابلمحصنة من الارهاب والتفجيرات حتى تستطيع من جديد، إذا راق لها أن تعمل سينما وتكون واعدة مثل بقية دول العالم التي تقدم ثقافة بمستوى لائق.
وأضاف عزام: عدي لا يستطيع أن يعرض في صالة رسمية أنموذجية لأن الظروف الأمنية وسوء صيانة الصالات واستخدامها في غير أغراضها حال دون استطاعة عرض فيلم جديد وجيد، ثم أن الأفلام التي تعرض في السينمات المتبقية هابطة ومن الدرجة العاشرة، والناس أصبحوا في الوقت الحاضر ليس لديهم تقليد بالذهاب الى صالات العرض باحتفالية، ومن الممكن القول: لا توجد صالة عرض صالحة حاليا.
أما المخرج هادي ماهود فقال: لا توجد هناك أي دار سينما تستوعب فيلم عراقي جاد، السينمات التي ما زالت مفتوحة واضحة التوجه وجمهورها واضح، أما بالنسبة للجمهور الحقيقي فلا يوجد له مكان لمشاهدة فيلم ومن المؤكد هناك صعوبة في الوصول الى الجمهور واستقطابه.
وأضاف: الحل الذي يمكن أن يخدم عدي أن يضع عارضات في عربة ويدور في القرى والأرياف ويعرض في الهواء الطلق ويعلِّم الناس ألف باء المشاهدة وان هناك في الحياة شيئا اسمه سينما لأن الأجيال الجديدة لا يوجد لديهم استيعاب حول طقوس السينما في الهواء الطلق لأنه لا توجد أي دار عرض صالحة، والصالحة تخلو من الشروط الصحية كما أنها تعرض أفلاما سيئة السمعة.
وقال المخرج جميل النفس: لا يوجد مكان للعرض سوى صالة المسرح الوطني، بعد أن كان الأمل الأخير في سينما سمير أميس وقد تحولت مؤخرا الى مصرف، وأضاف: السينما طقس غاب منذ بداية التسعينيات، وهو طقس أشاعهُ السينمائيون الغاية منه دعم هذا الوسيط السينمائي باعتباره يوفر فرص عمل للمجتمع وأرباحا للشركات المنتجة وتلاقحاً ثقافيا، وتواصل الغياب بسبب التيارات الدينية التي بدأت تجتاح الساحة وانحسار دعم الدولة لدور السينما وللسينما تحديدا الشركات الانتاجية،اضافة الى نقطة مهمة وهي تحويل السينما من وسط ثقاقي الى وسط ايدلوجي هذا فضلا عن دور الشركات الخارجية التي حاولت جهد إمكانها أن تضع العصي في عجلة السينما العراقية لأسباب منها أن العراق يمتلك طاقة بشرية قادرة على انتاج السينما بشكلها الواعي إضافة الى وفرة المال باعتبار العراق بلداً غنياً فضلا عما يتمتع به العراق من أبعاد ثقافية وحكايات كثيرة تصلح أن تكون من أجمل الأفلام السينمائية.
وأكد جميل: أرى أن عدي رشيد سيتعب كثيراً من أجل ايجاد دار عرض مناسبة لفيلمه لعدم وجودها في بغداد ولا في المحافظات وعليه أن يعرضه في الحدائق.