انظر: الحلقة الأولى |
دنيا
كان يا ما كان حشرات تؤدي أعمالها من دون إحساس: لا عواطف، لا ابتسامة، ولا حتى دمعة. كانت تطير ذهاباً وإياباً من مستنقع مجهري إلى آخر! وعندما تُطفأ الأضواء وتأمن الطيور إلى أعشاشها والشحاذون إلى زواياهم، تغفو في ليل البشر النائم حالمةً بالسيطرة على كل هذا الفراغ الممتد.غيبوبة
أخذَ ضجيجُ الآخرين يخفّ شيئاً فشيئاً. الكتابُ مفتوحٌ على صفحةٍ جاء في نهايتها: quot;كلُّ الأشياء الحيّة، الشجرةُ، الصحراءُ، ميلادُ الكلمة في القلب، اللمعانُ في الخارج، لها رائحة العدمquot;. كانت النار تتأجج في المدفأة. وفيما أدرت عيني مفتشا عن علبة الكبريت لأضرم النار في المدفأة، رأيتُ أطيافاً تحملُني إلى السفح الثاني من الحياة. وما هي إلا هنيهة حتى انسلَّ الجسدُ الأثيري من الفيزيقي، وطفق يسوح في الهواء باتجاه مدينة أثيريا حيثُ، في غرفة أحد منازلها، أرى جسمي الفيزيقي جالسا وراء طاولة عليها إناء يفيض بنور رمادي سرعان ما يملأ الأرجاء، وفي غمرة هذا النور الساطع الذي كنت أسبح فيه، رأيت زرّا كان يكفي أنْ أضغطه فينفتح باب أعود منه إلى جسمي الفيزيقي. كانت النار في المدفأة تتأجج، وعلبة الكبريت لاتزال في يدي!الابن الضال
سار على وجهه. كان هواء القرية يصْفُر بينما كانت عين جد كبيرة لم يرها تترصّده. كان يريد أنيعود إلى مسقط رأسه. لكنه راح يقضي أوقاته في استكشاف ما يتراءى مرمى البصر، تخفِضُهُ غيمةٌ وترفعه نجمةٌ حتى اخترق تلك العين ونام في بياضها. فكان له في الصباح اسم وتاريخ وقضية.ظهيرة الانفجار
كتمثالٍ من حَجَر طلع الناسُ ثانيةً إلى الضوء... هذه المرة كان الشارعُ الذي وقع فيه انفجار عنيف هو موضوعُ اهتمامهم: في نظر البعض لا يزالُ معْلماً رغم الدمار الذي حلّ به، وعند الآخر مجرّد أنقاضٍ. وثمّة من يعتقد أنه من الضروري أخذُ صورة للشارع تُخلِّدَهُ في كتابِ التاريخ. quot;لكنquot;، قال مارٌ بهم، quot;أيّة أهمية الآن لكل هذا...!quot; لم يسمعه أحد، إذ كان الجميع قد عادوا إلى الطرف الآخر من الظل، بانتظار انفجار آخر يرفع عنهم بلاطة القبر.في شرفةٍ صوفيّة
انقضت ساعات وساعات، وموج الأسئلة العاتي يتقاذفني، رحت أتشبّثُ بكل جواب يطفو، بينما الليل كان يتشظى بالنجوم. وجدتُني مُحاطاً بأخيلة تقوم من برزخ الانخطاف. انتفضتُ فجأة فاركاً عيني... وإذا بي أرى ظلالا مديدة تتلوى كالأفعوان كانت تهمس بشيء يشبه الأنين وهي تتساقط فوقي من نافذة شقة لا أعرف إن كان يسكنُها رجلٌ، امرأةٌ أو شبحُ أحدِ الذين ماتوا خلف متاريسِ زمنٍ ضاع.فاتورة
في المطعم، ذات مساء، يطلب الزبائن طعاما لا يشتهونه بالضرورة. المرأة التي تجلسُ أمامي، غرق تفكيرُها في لائحة الطعام. لم ينتبه الخادم إلى ما قد طلبته. نظرتُه كانت تزوغ في القرار. جاءها بفخذِ دجاجة مشوية، قدحٍ من النبيذ، ملعقةٍ وشوكةٍ من الذكريات.خريف البشر
ثمة ساحةٌ صغيرةٌ يفترقُ منها شوارعُ. كلُّ شارعٍ له بنايات. لكلِّ بناية سلالم ولكل سلّم نافذةُ زجاجٍ يعكس شجرةً بعيدةً تتساقط منها أوراقٌ على الأرض! قال حارس إحدى البنايات وهو يكنس الأدراج: quot;كلّهم الآن قد سقطوا، والخريف في أوّلهquot;!رواية بوليسية
كانت الجثة مرمية وسط الطريق، يسيل من صدغها دمٌ أسودُ وثمّة مسدّس ملقى جانبا على بعد متر واحد وورقة مطوية مدون فيها اليوم، الساعة، المكان واسمٌ معلومٌ بخط أصفر عريض. جاء مساء الشهود وأعقبهم ليل المحامين وطلع ألف فجر من التحقيقات دون أن يتوصّل أحدٌ إلى القاتل. كان مدى الوقتِ معهم!
التعليقات