حوار مع الدكتور رضوان السيد:

منذ متى أنتم الإيرانيون قاتلتم من أجل فلسطين؟


محمد الحمامصي من القاهرة: يلقي المفكر اللبناني د.رضوان السيد باللائمة علي إيران في الكثير من الأمور التي تجري العراق ولبنان ويتهم مخابرات النظام السوري بأنها صانعة فتح الإسلام وغيرها، وأن النظام السوري لا يزال يعمل بآليات الحرب الباردة، ويطالب بدور أكبر للسعودية ومصر بالحديث حوارا وتفاوضا مع إيران من أجل تهدئة الأوضاع بين السنة والشيعة، ولا يجد اختلافا بين الوضع في لبنان وفلسطين، ويرى أن حزب الله تنظيم مسلح غير شرعي، وأن الإسلاميين لا يمتلكون أي مشروعات نهضوية وفي الحوار معه المزيد من التفاصيل.
وجدير بالذكر أن د. رضوان حصل على الشهادة العالمية من الأزهر ودكتوراة الفلسفة من ألمانية، أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية، مدير المعهد العالي للدراسات الإسلامية، رئيس التحرير المشارك لمجلة الاجتهاد، من كتبه : الأمة والجماعة والسلطة.أزمة الفكر السياسي العربي، والمسألة السياسية في العالم العربي الإسلامي.

** ما موقع الفكر والمفكر الإسلاميين علي الساحتين السياسية والاجتماعية في العالم العربي الآن ؟ هل ترى لهما موقعا؟ وإذا كان لهما ثمة موقع ما هي ملامحه وطبيعتها ؟ وهل يساهمان في صنع القرار العربي؟
** هذا سؤال غير دقيق لأنك في الحقيقة تسألني عن نفسي، وأنا مختص بالدراسات الإسلامية ومهتم بحكم أني عربي مسلم بما يجري، ولكني لست مفكرا إسلاميا، بمعنى أنني لست من تيار الصحوة الإسلامية ولا من تيار الإسلام السياسي، أنا أدرس هذه التيارات السياسية والقومية والإسلامية والعلمانية باعتباري أستاذا ومراقبا ومهتما، ولست باعتباري واحدا منها، أنا مهتم بالنهوض العربي والعربي لأني عربي ومسلم، فإذا قلت بعد ذلك أن هناك مفكرين إسلاميين ـ لاشك أن هناك مفكرين إسلاميين ـ بعضهم حزبي جزء من هذه التيارات، وبعضهم يتمتع ببعض الاستقلالية، وهؤلاء سواء كانوا مستقلين أو جزء من هذه التيارات يسهمون في صنعة فكر هذه التيارات وفي التطورات التي حدثت في السنوات الأخيرة لهذه التيارات السياسية الإسلامية، وسيكون لهم مواقع عندما تصل هذه التيارات أو بعضها للسلطة، كما أن الذين وصلوا للسلطة منها في الأردن أو المغرب أو اليمن شاركوا في مجالس النواب وبعض الوزارات، ومفكروهم أيضا صاروا وزراء ونوابا، وأسهموا ولا يزالون يسهمون في صناعة القرار عندهم، لكن كل هذا لا ينطبق عليّ، أنا أشتغل علي هذه التيارات والحركات الإسلامية منذ أواخر الثمانينات باعتباري مختصا بالدراسات الإسلامية في العصر الوسيط، ولكن تحت وطأة الضغوط التي أحدثتها هذه التيارات علي الواقع العربي وعلي السياسات في منطقة المشرق العربي والمغرب العربي وعلي السياسات الدولية أيضا في منطقتنا، والتداخلات : الصراع العربي الإيراني، والسني الشيعي، كل هذه الأمور دفعتني للاهتمام في الخمسة عشر عاما الأخيرة بالدراسات الحديثة السياسية والاجتماعية للحركات الإسلامية وأصدرت عدة كتب ونشرت عشرات الدراسات في المجلات وفي الصحف عن هذه الحركات وعما يسمى الإسلامي السياسي وعن مجريات سياسية وثقافية في المنطقة، وبعد أن استقرت تحليلاتي وثوابتي التحليلية حول الظاهرة الإسلامية صرت أستطيع أن أصدر بعض التوقعات حول ما يمكن أن يحصل.
هذه محاولة للإجابة علي سؤالك مع التمييز ذكرته من أنني لست واحدا منهم، بالعكس أنا أدني إلي أن أكون في أكثر الأحيان في مواجهتهم.

** في ضوء هذه الخبرة الطويلة كيف تقيم وضعهم الآن أقصد بطبع تيارات الإسلام السياسي؟
** وجهة نظري كما صار واضحا منذ مطلع الثمانينات وأكثر منذ مطلع التسعينات تبلور في خطين : الخط الرئيسي هو خط الإسلام السياسي الحقيقي، أحزاب إسلامية سياسية تريد إقامة الدولة الإسلامية، والمشاركة في السلطة بالوسائل السلمية ومن الآليات المسموح بها، والمعارضة السلمية حتى الآن، والتيار الصغر والأكثر راديكالية هو تيار العنف الإسلامي أو العنف باسم الإسلام، تيار أمثال أسامة بن لادن وأيمن الظواهري والزرقاوي، وهؤلاء اشترعوا صراعا عالميا مع الولايات المتحدة وصراعا مع الأنظمة العربية ومع كل شيء علي الساحة في الحقيقة العربية والإسلامية والعالمية، وهم مازالوا يكافحون كما يكافح الإسلام السياسي الذي حتى الأمريكيين يسمونه الإسلام المعتدل من أجل المشاركة في السلطة، ولهؤلاء المسلمين المعتدلين جمهور واسع، ولأن الأمور تتجه نحو ما يسمى بالعمليات الديمقراطية والانتخابات نجد لهؤلاء حظوظ في المشاركة والوصول إلي السلطة، لذلك نعم أتنبأ لهم في المستقبل القريب بإمكانية أن يشاركوا في عدة بلدان عربية بمقادير أكبر في السلطة، هم مشاركون الآن في البرلمانات في الأردن واليمن والمغرب والكويت والجزائر ومصر، ومن المنتظر أن تزداد مشاركتهم في هذه البرلمانات وأن يكون لهم مكان أوسع في كثير من البلدان العربية، كلما اتجهت تلك البلدان نحو الانتخابات المنتظمة والديمقراطية وغير المزورة سيزداد نفوذ الإسلام السياسي غير العنيف في السلطة.

** هذا التصاعد للمد الإسلامي منذ الثمانينيات رده البعض إلي الوجود الإسرائيلي ورده البعض إلي التدخلات الأمريكية والغربية ورده البعض إلي دكتاتورية النظم ورده البعض إلي الانهيار الاقتصادي، برأيك ما الأسباب الرئيسة وراء هذاالمد؟
** هناك ثلاثة أسباب، عندنا إحياء ونهوض قومي بدأ في حقبة ما بين الحربين العالميين وما بعدها وتطور حتى صار سلطات في كثير من البلدان العربية ثم الإحياء الديني الإسلامي الذي بدأ في الفترة نفسها وتطور إلي ما عرف بالإسلام السياسي، والثالث الذي رافق هذين الإحياءين السياسات الدولية التي أثرت في مصائر المنطقة ولا تزال تؤثر تأثيرات كبرى، هذه العوامل الثلاثة تضاربت أحيانا وتألفت أحيانا أخرى، وبسبب هذه التضاربات خربت المنطقة العربية، منطقة المشرق وجزء من منطقة المغرب، لأنه تضارب الإحياء القومي مع السياسات الدولية ثم مع الإحياء الإسلامي، بينما هناك جزء آخر من الإحياء الذي هو الإحياء الإسلامي الشيعي استطاع الاستيلاء علي الدولة الوطنية القومية الإيرانية، وبالتالي انتهي هذا التضارب، صار عنده فقط مسألة الإحياءين القومي والديني الشيعي اجتمعا معا للتجاذب والتصارع والتآلف مع السياسات (الولايات المتحدة)، وقد بدأ التوتر بينهما طبعا بالثورة الإسلامية الإيرانية عام 79 وامتد حتى مطلع التسعينيات ثم صارت حالة مهادنة تطورت في مطلع القرن العشرين إلي شبه تآلف واتفاقات، يعني أمريكا حين عزت أفغانستان كانت إيران تعرف ذلك، ثم عزت العراق كانت إيران تعرف ذلك، واستفادت من الأمرين، لكنهما عادتا الآن إلي التجاذب والتضارب وتبادل اللكمات وفي نفس الوقت محاولة التفاوض.
إنما في الوطن العربي اصطدم الإحياء القومي أولا بالسياسات الدولية (الاستعمار) وإسرائيل التي قامت ووجدت بفضل للسياسات الدولية، فاصطدمت الدولة الوطنية القومية والإحياء القومي كله بالصهيونية وبدولة إسرائيل، ثم جاء الإحياء الإسلامي فاصطدم أيضا به هذا الإحياء القومي وما زال هذا الصدام دائرا حتى الآن عبر الأنظمة العربية، ولم يستطع الإسلاميون للوصول إلي السلطة في أي مكان إلا في السودان بانقلاب ولم ينجح لأن السودان الآن يكاد يتقسم، فإذن بعكس الإحياء الإسلامي الشيعي ما استطاع الإحياء الإسلامي السني الوصول إلي السلطة في أي مكان هو مشارك في مشاركات صغيرة في عدة دول عربية وفي أكثر الأنظمة هو المعارضة الرئيسية حتى الآن، وعلي هذا الأساس شهدنا هذا الخراب العالم العربي، تصادم الإحياء القومي بالإحياء الإسلامي وتصادم الإحياءين بالسياسات الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية) عبر أحداث 2001 حيث ضرب الإحياء الإسلامي أمريكا في عقر دارها، وما تزال هذه التجاذبات والحروب، الإحياء الإسلامي هو الذي يقاوم الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، والإحياء الإسلامي الشيعي هو الذي قاومها في لبنان.
الإحياء الإسلامي الشيعي كان محظوظا في أنه استطاع أن يتمركز في دولة قومية، يستخدم إمكانياتها ويتآلف معها، يحفظ مصالح الوطنية والقومية لإيران ويحفظ مصالح المسلمين الشيعة في الوقت نفسه، بينما الإحياء الإسلامي السني قاعد يكاد يتقاتل مع الجميع ولم يصل إلي شيء، يتقاتل مع الأنظمة ومع الأمريكان ومع الإنجليز والفرنسيين ومع المؤسسة الدينية السنية، يتقاتل مع الأزهر، يتقاتل مع الزيتونة.. إلخ، يتقاتل مع كل الناس لأنه يريد الوصول إلي السلطة في مكان ولم يستطع، وعلي هذا الأساس الإحياء الشيعي لم يسيء إلي إيران ولم يسيء إلي الدولة القومية لأنه هو وإياها أشقاء يتعاونان، بينما الإحياء الإسلامي السني أسأ للدولة الوطنية العربية، أضعف السلطة في عدة بلدان عربية بسبب الصراع معها مثل مصر وسوريا، وتضارب مع السياسات الدولية تضاربا عنيفا / صداما مسلحا في 2001 وتضارب معهم في أفغانستان ثم العراق، هذا التضارب بين الدولة القومية العربية والإحياء الإسلامي والصدام بالعالم والسياسات الدولية أدى إلي خراب العالم العربي.

** نحن الآن أمام إشكالية السنة والشيعة وهي إشكالية تمتد عربيا، فضلا عن وجود إشكاليات داخل كليهما؟
** السنة والشيعة طائفتان داخل الإسلام، وقديمتان، وبينهما تمايزات واختلاف منذ زمن سحيق، لكن هذه التجاذبات التي تقتصر علي ردود كلامية وكتب أحيانا ضد بعضهم بعضا، لم تتطور إلي حروب، ولا مرة، تحدث توترات مثلما حدث بينهما حين تقاتل العثمانيون السنة مع الصفويين الشيعة، بين إيران والدولة العثمانية، يحدث التوتر عندما تقاتل صدام حسين مع إيران وهاجمها (وعمل نفسه سني)، والذي يحدث الآن هو توتر له سببان الأول الأمريكان وتدخلهم بالعراق ونصرتهم للشيعة علي السنة ـ هكذا بصراحة ـ وقالوا بحجة أن الشيعة أكثرية، جاءوا وأعطوهم السلطة وحلوا الجيش لأنه سنى وحلوا قوى الأمني، يعني أرادوا أن يزلوا السنة هكذا صراحة نكاية بالسنة لأنهم هاجموهم في نيويورك وواشنطن، أسامة بن لادن وجماعته، فرد بعض السنة (المسلحين) بالتمرد وبالمذابح ضد الأمريكان وضد الشيعة، هذا أحدث توترا لدي السنة وبين السنة والشيعة.
هذا هو الأمر الأول، الأمر الثاني إيران : إيران لم تتعاون فقط في غزو أفغانستان والعراق بل إنها أنشأت تنظيمات مسلحة أو غير مسلحة في الجيوب الشيعية في البلاد العربية والإسلامية، جيوب تستطيع تحريكها متي تشاء، وقد حركتها في البحرين، وفي لبنان، وفي باكستان، وفي نيجيريا، وفي العراق، وفي أفغانستان، بل واستطاعت خلال المهادنة مع الولايات المتحدة خلال السنوات السبعة الماضية أن تتحالف مع بعض المعارضين السنة من التنظيمات السياسية القومية وشبه القومية، ولذلك أقامت تحالفا واسعا نسبيا عماده الجيوب الشيعية في العالمين العربي والإسلامي، وهذا سبب من أسباب التوتر لأن مثلا إيران هي التي أثارات حرب يوليو تموز، قالت لحزب إضرب إسرائيل نكاية بالولايات المتحدة، فضربوا إسرائيل، وبعدما ضربوا إسرائيل، والإسرائيليون لم يستطيعوا هزيمة حزب الله لكنهم أبعدوه عن الحدود 40 كيلو متر، فماذا يفعل الإيرانيون بعدما شعروا أن الحرب لم تحقق النتائج التي انتظروها، هم أرادوا أن تذهب أمريكا للتفاوض معهم، هم لا يريدون إزالة إسرائيل، فالذي حدث أنهم قالوا مادمت الولايات المتحدة تدعم الحكومة اللبنانية فإذن الحكومة اللبنانية عميلة للولايات المتحدة، فإذا أردنا أن نتابع الانتصار فينبغي أن نسقط هذه الحكومة اللبنانية العميلة لأمريكا، وقال هكذا السيد خامئني : سنتابع هزم أمريكا في لبنان، هجموا علي الحكومة التي يرأسها سني، فتوتر السنة، لأنه لا داعي للهجوم علي الحكومة، ماذا فعلت الحكومة ضدكم ؟ أنتم تنظيم مسلح غير شرعي، هاجمت إسرائيل ونحن تحملنا النتائج، وخرب لبنان، ونحن والعرب نحاول تعميره مرة أخرى، فماذا تريدون ؟ ولماذا تهاجموننا نحن السنة باعتبارنا عملاء الولايات المتحدة، أصلا الأمة العربية كلها سنة، إذا (مفيش غيركم) موالين ومخلصين لفلسطين، منذ متى أنتم الإيرانيون وأنتم الشيعة قاتلتم من أجل فلسطين، ما هذا الكذب والنصب، اعتبر السنة أنهم معتدا عليهم فأحدث ذلك توترا كاد يشبه التوتر الذي حدث في العراق، باعتبار أن الشيعة هاجموا السنة وأرادوا أن ينكروا دورهم في لبنان واتهموهم بالعمالة لإسرائيل والولايات المتحدة.
إيران خشيت عندما رأت ذلك وعملت محادثات مع السعودية وهدأوا التوتر، فما أقصده هو أن هذا التوتر السني الشيعي هو أيضا مصطنع، رغم أن هناك سنة وهناك شيعة، وأن السنة أكثرية والشيعة أقلية في العالمين العربي والإسلامي، الشيعة 7% في العالم العربي، و12 % في العالم الإسلامي، ودائما كانوا موجودين، ودائما كما قلت في أكثر فترات التاريخ ما كانت هناك مشكلة، مثل المذاهب السنية الأربعة مختلفة.
وما أود قوله هو أنه عندما يتوقف التدخل الأمريكي بهذه الطريقة الإستعمارية الإمبريالية الإجرامية بالوطن العربي وفي المشرق العربي تحديدا وفي نفس الوقت ندخل عبر السعودية ومصر في محادثات استراتيجية حقيقية مع إيران حول سياساتها الأمنية والعسكرية، سيزوال هذا التوتر، لأنه لو لم تستخدم إيران الشيعة العرب في العراق ولبنان والبحرين وأفغانستان لما حدث هذا التوتر الآن، ولو لم يدخل الأمريكان للعراق لما حدثت حرب سنية شيعية في العراق.

** هناك إذن حرب سنية شيعية في العراق، هل تمتد إلي لبنان والسعودية والخليج ودول أخرى؟
** إذا أرادت إيران أن تغامر بذبح الشيعة في العالم العربي، تقول لهم تحركوا في السعودية والبحرين، فيقوم العرب ويذبحون الشيعة لأنهم أقلية صغيرة، وأظن أن إيران لا تغامر بذلك، الإمام الخامنئي بنفسه وأرسل رسالة للملك عبد الله بن عبد العزيز للتفاوض حول هذه المسائل وتخفيف التوتر، وهم الآن في العراق يريدون أن يلعبوا دورا إيجابيا توفيقا ولم يقولوا شيئا أبدا ضد السنة، وبالتالي يمكن أن يتوقفوا عن هذا الدور السلبي، عن استخدام الشيعة ضد الأوضاع، عن التدخل الإيراني في الأوضاع الداخلية العربية إما عن طريق الشيعة أو عن طريق الأحزاب السياسية العربية المعارضة القومية. لحسن الحظ أن الأصوليين الإسلاميين لم يتحالفوا مع إيران، لم يعاديها ولم يقاتلها لكنه لم يتحالف معها، المتحالفون مع إيران هم بقايا القوميين العرب الذين يزعمون أنهم قوميون،( وزعلانين قال ليه دور مصر تراجع ؟! ) (ليه أمريكا تغزو الوطن العربي ؟!)، فالعجيب حتى تقاوم أمريكا بدلا أن تلجأ للعرب وتستنهضهم لمواجهة الغزو الأمريكي تعتمد علي إيران وعلي تليفزيون الجزيرة وعلي جمهورية قطر العظمي، ما أقصده أنه إذا أرادت إيران علاقة سليمة مستقبلية مع العرب فعليها أن تتابع الحديث مع مصر والسعودية وأنا أري أن التوتر سيخف كثيرا.
الآن هناك موضوعان للحديث إنما في المستقبل ستزداد الموضوعات، لكن بشكل عام لدينا الآن موضوعان الأول العراق ولبنان لتهدأة التوتر، والثاني استراتيجي هو أمن الخليج والمشرق العربي والعلاقة العجيبة للنظام الإيراني مع النظام السوري، كل هذه الأمور تحتاج إلي حديث ممتد وهادئ مع إيران، إنما الآن هو اختبار للعرب أنفسهم وقدرتهم ولنوايا إيران، ماذا يفعل الإيرانيون لمساعدة العراق علي الاستقرار وماذا يفعلون لتهدأة الوضع في لبنان وسحب حزب الله وسلاحه من الشارع.

** قلت في مقال لك أخيرا أن الوضع في لبنان لا يختلف عنه في فلسطين.. كيف؟
** من جهتين أن الفاعلون في لبنان اضطراباً واستقطاباً هم السوريون والإيرانيون- والمستخدَمون في إثارة الاضطراب شراذمُ من الأصوليين السنة مثل تلك التي في العراق أو فلسطين، بيد أن العرب يستطيعون في لبنان أكثر مما يستطيعون في فلسطين. فالحكومةً اللبنانيةُ ما تزالُ قائمة، وهي تقودُ جيشاً وطنياً يقاتلُ الأصوليين المُرسلين من سوريا. وبوسع العرب الضغط على سوريا، ودعم الجيش اللبناني بالعتاد، والمساعدة في ضبط الحدود. كما أن بوسعهم الإعانة في حلّ مشكلات المخيمات الفلسطينية، وفيها شبكاتٌ إسلاميةٌ تابعةٌ للجهات ذاتها، أو أنها تأتمر بأمر quot;حزب اللهquot; وقياداته.
لقد قلتُ دائماً إنّ الثوران الإسلاميَّ كان ذا شقين: سني وشيعي. وقد توسَّل الحركة الجماهيرية لجرف الدولة الوطنية. وتمكَّن الثوران الشيعي من الوصول لذلك؛ في حين لم يستطع الثوران السُّني أن يستولي على السلطة في دولة عربية أو إسلامية كبرى أو وُسطى. المصالح الوطنية الإيرانية، والآلياتُ الفقهية ضبطت الثوران الشيعي، ووضعته في قنواتها الخاصة التي تستخدمها ساعة تشاء. بينما ظل الثوران السُّني خارج نظام الدولة الوطنية، أي بدون غطاء من جهة، وهو باعتباره تنظيماً ثورياً لا يعترف بأية قيود أو حدودٍ أو عقود مع المجتمع الدولي أو الأُمم المتحدة. وبذلك فإنّ حيويته الفائضة أدت إلى صداماتٍ مع الدولة الوطنية، ومع المؤسسة الدينية السُّنية التقليدية، ومع العالم. وهناك أطرافٌ رئيسية فيه تُعلن نبذ العنف والإرهاب منذ أكثر من عقدين؛ لكن صدقيتها ما وُضعت على المحكّ، وسترغم جماهيريتها وشعبويتها على الاعتراف بحقّها في المشاركة. لكن، أياً يكن الأمر؛ فنحن في محنةٍ كبرى بين تطرف يقدّم اعتبارات الاعتقاد الخاص على مصالح الناس، وجمودٍ وعجزٍ من جانب السلطات القائمة منذ عقود، واستباحة لقضايانا الكبرى من جانب الأصدقاء والأعداء على حدٍ سواء.

** هل ترى حقا أن هناك مؤامرة علي الإسلام والمسلمين؟
** لا ليس هناك مؤامرة لا علي الإسلام ولا المسلمين، هناك صراعات دولية وإقليمية علي المصالح والبترول والمياه والمجالات الاستراتيجية، والجميع وضعوا رؤوسهم في هذه اللعبة، يخوضونها بمقادير وقدرات وإمكانيات متفاوتة، وبنوايا أيضا متفاوتة، والواقعة الحاضرة الآن أن الولايات المتحدة أكلت ضربة قوية في العراق ولكن لا ينبغي أن نصل إلي الاستنتاج أنها انهزمت وانتهت، هذه الضربة التي أكلتها أمريكا ينبغي أن تدفعنا نحن العرب إلي رفع رؤوسنا من الرمال والاجتماع حول سياسات عربية لانقاذ العراق من جهة ولكف التوترات في العالم العربي من جهة أخرى، والحديث العاقل والجدي والحازم مع إيران، والنظر في قيام علاقات استراتيجية مثلا مع تركيا، يعني أن نفكر في مستقبلنا القريب.
الإيرانيون يحاولون استغلال نكسة أمريكا في الشرق الأوسط لتعظيم منافعهم وهذا أمر مشروع، لكن لسوء الحظ أن منافع الإيرانيين مرتبطة بهضم مصالحنا ـ لا أقصد النووي وإنما قصة العراق وأفغانستان والتدخل في لبنان واستتباع النظام السوري وتهييج الشيعة في البحرين ـ فهذه الأمور مزعجة للأمن العربي والاستقرار الاجتماعي العربي. ولذلك فعلا ينبغي علي الإيرانيين ألا يغتروا كثيرا (أحسن ما يصيبهم ما أصاب صدام حسين)، ومن جهة أخرى لا تحل المشكلة معهم بالصراع بل بالحديث حوارا وتفاوضا.

** هل تتوقع ظهور مجموعات أو جماعات إسلامية أخرى، كما فوجئنا في لبنان بظهور فتح الإسلام؟
** أنا رأيي أن التدخل الأمريكي هو الذي أبقي الأصولية الإسلامية المتطرفة قوية، والآن مع الانحسار الأمريكي الحادث وعدم ميلهم للمزيد من استخدام العنف، أظن أن هذا الإسلام المتطرف سينحسر في كل الأماكن التي حدثت فيها الظواهر الانتحارية حتى السعودية، أما فتح الإسلام وغيرها فهي صناعة هذه الأنظمة البائدة أمثال النظام السوري، هؤلاء كانوا ينبغي أن ينتهوا منذ عام 1990، صدام حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي، كل هؤلاء الناس ماذا يفعلون، يعني حسني مبارك لم يشن حربا علي أحد على الأقل، القذافي (راح خرب تشاد وأوغندا وخرب بلده)، صدام حسين خرب كم بلد وخرب العراق، وحافظ الأسد خرب لبنان وخرب المقاومة الفلسطينية وشارك في تخرب العراق، ما أقوله إن هذه الأنظمة وآخرها النظام السوري لأن الأمريكان عطلوا فعاليته.
ما أقوله هو إن فتح الإسلام ليست ظاهرة جديدة، تفريخ تنظيم إسلامي جديد، لا، هذه إحدى وسائل المخابرات السورية، مثلما أنتجت المخابرات السورية من قبل شيء اسمه عصبة الأنصار في لبنان، وأنتجت في لبنان وسوريا شيء اسمه جند الشام، أنتجوا الآن فتح الإسلام وممكن بكرة ينتجوا فتح النصاري أو فتح اليهود !!! لا نعرف ماذا يمكن لهذا النظام أن يعمل ؟ هو لا يزال يعمل بأساليب الحرب الباردة، كان وقتها أنه بحماية الاتحاد السوفيتي يستطيع أن يصارع بشكل ويعمل مقاولات مع الولايات المتحدة، يعني يقول للولايات المتحدة : نضربكم من هنا وتعطوننا من هنا !! لم تستطع إسرائيل رغم غزوها للبنان أن تقضي علي المقاومة الفلسطينية، جاء الرئيس الأسد وبقدرة قادر ذبح عرفات في لبنان ذبحا لم تستطعه اليهود ولا خصومه العرب الآخرين، وأخرجهم إلي تونس، ومن تونس ذهبوا للاتفاق مع إسرائيل حتى يهربوا من حافظ الأسد، فالنظام السوري والأنظمة المشابهة تظن أنها تستطيع أن تعمل مقاولات مع الولايات المتحدة !!

** الثقافة العربية تعاني من وجهة نظر البعض انهيارا حادا تكاد تخرج به عن نطاق الفاعلية الاجتماعية والسياسية وغيرها، كيف ترى الأمر؟
** ضربت الثقافة العربية الحديثة ضربة قوية بالإسلام السياسي والثقافي، لماذا ؟ لأن هذا الإسلام الثقافي أكثر من الإسلام السياسي صار له ما يزيد عن خمسين عاما لا شاغل له إلا الهجوم الصاعق والماحق علي الغرب والتغريب وما شابه، والغرب هو العصر، فصار هناك جمهور ثلاثة أرباعه من الأميين الذي لأن سيد قطب قال كذا، أو القرضاوي قال كذا، أو عبد القادر عودة قال كذا، أن القانون ضد الشريعة، من الأشياء الكبيرة إلي الأشياء الصغيرة، الإسلام يواجه الزحف الأحمر، عناوين خطابية في منتهي الرهبة والهول، فذبحت هذه الحداثة كلها لدينا، لدي جمهورنا، ومثقفونا هؤلاء العلمانيون واللبراليون وجماعة الحداثة وجماعة الدولة المدنية لم يكونوا من الصلابة ولا من العراقة ولا من الثبات بحيث يدافعون عن مشروعاتهم التي يؤيدونها خصوصا أنها لم تعد مشروعات جماهيرية من جهة ولأن الأنظمة لم تعد تهتم بها، يعني ليس هناك نظام صاحب مشروع ثقافي أو حتى مشروع سياسي متطور. فتضرر كثيرا المشروع العصري العربي، مشروع الدخول في العصر، نحن جزء من العالم لا شك، العالم كله كالأواني المستطرقة ولكن أن تكون عندك إرادوية إيجابية للدخول والندية والمشاركة والفاعلية شيء مختلف عن أنك تكره الغرب وتعتبره (التواليت) مضطرا للدخول إليه لكنه (التواليت) لا تدخل إليه إلا غصب عنك، عندما تضطر، فهذا هو الفرق.
والآن حدث هذا الخراب الذي صنعه الأمريكان والجاري الآن والذي لم تستطع الأنظمة العربية أن تمنعه ولا استطاع المثقفون العرب الوقوف في وجهه وليس له ـ لسوء الحظ ـ مقاومون في الثقافة وفي السياسة وفي الأمن إلا الإسلاميين، الذي هم في الأصل ضد هذا الغرب.
ينحسر هذا الأمر الآن في أجزاء واسعة جدا من العالم وينحسر عندنا الآن ولكن بعد أن خلف خرابا كبيرا، إنني أري أننا علي مشارف نهوض ثقافي كبير وعلي مشارف نهوض سياسي أبطأ، لماذا النهوض السياسي أبطأ لأن من هم خلفاء الأنظمة الحاضرة، خلفاء الأنظمة الحاضرة هم الإسلاميون، والإسلاميون ليسوا نهضويين لا في تطلعاتهم التنموية ولا في حفظهم للحريات الأساسية، قوتهم الأساسية أنهم يستطيعون أن يحشدوا جمهورا هائلا، وهذا الجمهور الهائل ضروري لأنه غائب منذ أربعين سنة، تجربة مزورة، ليس عندهم فكر متطور لا في الاقتصاد ولا في السياسة ولا في حقوق الإنسان ولا في المشاريع الأساسية، فلذلك لا أتوقع أن تنتج مشاركتهم في السلطة نهوضا سياسيا أو اقتصاديا كبيرا، لكن هناك نهوض ثقافي لأن المعارضين للإسلاميين من المثقفين صاروا أكثر حزما وتنورا وحوارا.