كان الحاكم الجديد لا يذكر أجداده كثيرا، كان من عامة الشعب استولى على السلطة لنفسه، خفّض الضرائب و الغرامات كما خفّض معها الأجور الباهظة لعمال الأقاليم لحاشية القصر و الولاة، حتى الكهنة و السحرة حرمهم ما كانوا يفرضونه على الناس مقابل التنبؤات والشعوذة و مما كانوا يقدمونه لِمَا يفرّق بين العباد، فالذين يقرئون الغيب كثر خاصة الطامحين للملك. حدد الحاكم الجديد للجميع مرتبات ثابتة، صاروا موظفي الحكومة، لا أحد يأخذ أجرا إضافيا، شرع الحاكم في الإصلاح، رسم قانونا يتساوى فيه الجميع. أستطاع تحطيم الملكيات الكبيرة، أعاد توزيع الأراضي على الفلاحين المساكين. فرحت العامة بذلك و لم تبذل جهدا للمحافظة عليه، أكسب الحاكم فعله هذا عداوة الأغنياء و الوجهاء فقد هدد مصالحهم وهدم أحلامهم فلجئوا إلى دول حليفة طالبين المعونة . هلك الحاكم في الحرب التي قادها و المعلنة ضده، مات مدافعا عن ثورته التي أنشأها وعن قيم العدالة و الحرية التي آمن بها، قضى معه المخلصون أنصاره نحبهم. رجع كل شيء لسابق عهده كما كان وفرحت العامة من جديد بالعهد الجديد. بعد مضي حقبة من زمن عثر راعي غنم على كتاب مدفون في
كومة من المهملات تحت الطين، كان الكتاب يذكر قوات الحلفاء الأجانب ما نهبت وكيف هدمت ما بناه الحاكم، أراح الكاتب ضميره باستنزال اللعنات على الخونة ...كان الكتاب مختوما بجملة:quot; الحاشية مطبوعة على قبول الاستعمار، طائفة منها جبلت على الاستبداد، و الخاصة خُِتمت على تدبير وقود المؤامرات quot;. تأثر الراعي بمبادئ الثورة و إخلاص صاحب الكتاب الذي لم يكن غير أحد أصحاب الرأي سجناء الحاكم الذين كانوا يعتبرون الحياة أجَلَّ و أعظم من أن تصرف في أفكار قد تكون خاطئة.