غزة...لماذا العالم بأسره ضدنا؟
الدولة لم تعد تخشى أي كاتب أو أي محطة تلفزيونية
سلوى اللوباني من القاهرة:
أعلم بأن أعظم قصة قصيرة لن تخرج مظاهرة أو تحدث انقلابا في المجتمع فورا.. وأعلم بان الكلمة من خلال المقال أو التلفزيون لن تفعل ذلك أيضاً..ولكن ما يحدث في غزة كارثة انسانية..لم نحسن التصرف حيالها كما لم نحسن التصرف حيال قضية فلسطين منذ بدايتها..كثيرة هي الاسئلة التي يمكن أن نطرحها في ظل هذه الكارثة.. هل اعلامنا العربي عاجز ومتفرج حيال ما يحدث؟ أم هل يستحق أن نصفق له؟ هل يمكن اعتبار اعلامنا العربي ناجحا..هل استطاع ان يحدث أي تأثير في صناع القرار ليوقف ما يحدث في غزة؟ وايضا أين المثقف العربي؟ أين دوره وتأثيره من خلال كلمته على صناع القرار؟ هل بالفعل الدولة لم تعد تخشى أي كاتب أو أي محطة تلفزيونية؟ هل أصبح الاعلامي والمثقف في مرحلة المشاهدة، لم يعد أحد يستمع لهما؟ أم أن المسألة ليست اعلام عربي أو منتج ثقافي عربي بل هي أن العالم بأسره ضدنا؟!! أجاب على هذه الاسئلة مجموعة من الاعلاميين والمثقفين..ماضي الخميس من الكويت، مروان كنفاني من فلسطين، صالح زيتون من الاردن، شوقي مسلماني من سوريا، سيار الجميل من العراق، احمد ابراهيم الفقيه من ليبيا، عبد المالك الاشهبون من المغرب، فضيلة الفاروق من الجزائر.


ماضي عبدالله الخميس
الأمين العام ndash; الملتقى الإعلامي العربي

أولا إن ما يحدث الآن في غزة وما كان يحدث في فلسطين منذ 1948 يعتبر كارثة انسانية بكل المقاييس.. كما يعتبر عار وخزي علينا كأمة عربية. لا لم تحسن التصرف حيال أهم قضية استراتيجية ومصيرية واجهها العرب كافة بكل أطيافهم وأديانهم وطوائفهم وانتماءاتهم.. ورغم كل المحاولات العبثية التي كانت.. والمبادرات الاستعراضية مشت الأمة العربية في ركابها.. إلا أننا كنا دائما نتأخر ولا نتقدم.. ولا نحسن الحسم والتدبير.. ومثلما وقفت حكوماتنا عاجزة ومتفرجة.. وأحيانا مساهمة في تردي الأوضاع.. كان حال إعلامنا العربي الذي كان يتبع رغبات الحكام وينسجم مع توجهاتهم.. لذلك لم يقدم اعلامنا طوال تلك السنوات ما يستحق أن نصفق له.. عدى بعض المحاولات اليتيمة التي لفتت الأنظار.. لكنني أتحدث هنا عن جهد إعلامي حقيقي مدروس.. يؤثر بالمتلقي.. ويغير في النتائج.. كان الاعلام العربي يخاطب العرب حول قضية فلسطين.. ولم يكن يملك الآلية والقدرة على مخاطبة الغرب او التأثير على قراراته.. لذلك كانت الممارسة الإعلامية باهتة.. واصبحت محصورة في اطار عربي.. ومعزولة عن التعايش والتأثير مع الآخر الذي كنا بأمس الحاجة الى مخاطبنه والتأثير به.. وتوصيل الحقائق له.


مروان كنفاني
المستشار السابق للرئيس ياسر عرفات
هل الإعلام حقيقة قادر على التأثير في صنّاع القرار الذين تحركهم المصالح والتحالفات؟ هل الإعلام الإسرائيلي هو السبب في انحياز صناّع القرار، ليس في الولايات المتحدة فحسب بل ومعظم القوى الكبرى الغربية والشرقية أيضاً بنسب متباينة؟ هل ينجح الإعلام مهما كان مؤثراً في جلب التأييد والدعم في غياب توازن حقيقي في القوى على أرض الواقع؟ إجابتي هي بالنفي على الأسئلة الثلاث السابقة، فلا مكان في السياسة بشكل عام لمفاهيم العدالة والحرية والحق ما لم تتوائم مع قوة ذاتية وتحالفات متينة وبرنامج نضالي وسياسي موحّد وممكن التطبيق.هل نجح الإعلام الفلسطيني والعربي، حول ما يحدث في قطاع غزة، في شّد أنظار العالم وجذب اهتمام الدول والمؤسسات الدولية والإقليمية؟ الإجابة بنعم. ولكن هذا الاهتمام الدولي لم يتعد التعاطف من أجل تخفيف المصاعب المعيشية والإنسانية التي يتعرّض لها المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، بل تبلور فقط في مناشدات خجولة لإسرائيل، ليس للانسحاب من الأراضي الفلسطينية وتطبيق القرارات الدولية وإقامة الدولة وإعادة القدس واللاجئين، بل لإعادة النظر في قرارها بمحاولة إفناء الفلسطينيين جوعاً.

صالح زيتون
خبير اعلامي

لا يمكننا ان نغمط اعلامنا العربي حقه خاصة الاعلام المستقل نسبيا ولا اعني بالتأكيد الاعلام الرسمي وعلينا ان نعترف انه لولا قنوات عربية جريئة لما امكن ان تتخذ حملة مناصرة غزة هذا المسار التغييري الذي حرك الراي العام العربي من ناحية واجج المشاعر داخل غزة نفسها حتى تجرأ الناس على كسر التابوهات الحدودية رغم ما اعتور الامر من ممارسات ذميمة يمكن تبريرها في حمأة الفوران الانساني بعد سنوات من الحصار والجوع والشوق الى الاخوة العرب والى الحريه ايضا. في هذا الجانب يمكن القول ان الاعلام العربي الجريء فقط هو الذي نجح في مهمته لانه تعامل مع الامر بحرفيه بعيدا عن المحاذير والتحفظات العربية مراعاة للصديق الامريكي والعديق الاسرائيلي اما الاعلام الرسمي فلم يعتقنا من التغني بمأثر الزعماء والحكومات في هبتهم لانقاذ مواطني غزة(!!!) وليس الشعب المحاصر (لاحظ اختيار المصطلحات والاللفاظ لتحاشي غضب الاسياد) وايا كانت التبريرات فقد نجح الاعلام الحرفي المستقل في صياغة موقف عربي كاسح حرك الشارع وارغم الحكومات على الخجل قليلا والتظاهر بالحرص على عدم تجويع اهالي غزة. اما الاعلامي او المثقف نفسه فما زال اسير جملة قيود تحول بينه وبين الفعل الجريء المحرك لشعبه فلم يعد الشعر ديوان العرب ولم يعد المثقفون في وارد الفعل ما داموا ادوات ارتزاقية في اعلام رسمي متواطيء او صامت او عاجز واكتفى القوالون المحترفون بشحذ حناجرهم للاطلالة علينا من خلال فضائيات الارتزاق ليروا ابداننا بالقول السمج ولا فعل.

شوقي مسلماني
شاعر وكاتب

quot;تيتانكquot; وتغرق، هذا هو العالم العربي، وليس وجه الشبه الفخامة بل الضخامة فقط، وليس شعب غزّة الذي يُدمَّر وحسب إنّما شعب فلسطين كلّه يُدمَّر مثلما شعب العراق كلّه يُدَمَّر ومثلما روح كل شعب عربي يُدَمَّر. وممّا لا شكّ فيه أنّ أطناناً من البرامج التلفزيونيّة والأفلام السينمائيّة والكتب والأغاني لا نتيجة لها إلاّ تبليد المشاعر وتجويف العقول، إلاّ أنّ عرباً آخرين يفضحون الواقع يوميّاً بالكاميرا والكلمة... معاً. وبمعنى آخر، فالمنتَج الثقافي هو سلاح، ولكن الوازن بعدُ أهل السلطة بما هي سلطة جائرة، موبوءة ومخترقة في قلبها، ومحميّة في آن من أرباب النهب في العالم. والأمم تحيا بكتّابها المستنيرين، بمبدعيها في كلّ حقل، أمّا إذا لا حياة لمن تنادي فلا جدوى بعدُ إلاّ بفهم كلّ معطيات خيارات التخندق.

سيار الجميل
المدير التنفيذي لمؤسسة اكنك للثقافات الدولية
كان الاعلام في السابق مؤثرا جدا لمعرفة مصادره وقوة فاعليته في كل الاوساط وخصوصا الشارع السياسي والبيت السياسي وفي المدرسة والمصنع وكل المؤسسات.. كان ينقل تعبيرالمجتمع وكانت الدولة تخشى قوة الكلمة المكتوبة والمذاعة.. اليوم ابتذل الاعلام بفعل هشاشة الكلمة وفجاجة الخطاب واصبح الكل يكتب ما شاء له ان يكتب.. لم يعد المجتمع له الوقت الكافي ليتابع اي قضية او اي ازمة او اية مشكلة اذ غرق المجتمع نفسه في المشاكل !! اما الدولة، فلم تعد تخشى اي مقال او اي كاتب او اي اذاعة او اي محطة تلفزيونية لأن هناك ما هو اعلامي رسمي او مرتزق او مشترى اصلا.. ضاعت المواقف بين اصحاب الحقيقة وبين المشوهين المفذلكين والمفبركين.. ان الاعلام العربي بقدر ما يصرف عليه من الاموال، فهو متراجع وكسيح وهو يهتم بالدولة والسلطة اكثر من اهتمامه بالمجتمع والقضايا الشعبية انه يهتم بالفن الرخيص والفنانين والفنانات اكثر من اهتمامه بالعلماء والمفكرين والادباء.. لقد ساهم الاعلام العربي مع كل الاسف في تأجيج الاحقاد والانقسامات وكان سلعة يباع ويشترى من قبل دول ومؤسسات واشخاص لا علاقة لهم ابدا بالكلمة والموقف والخطاب..

احمد ابراهيم الفقيه
باحث ومفكر

الادب كما نعلم مصدره وسيده مبدع فرد هو الكاتب، بينما الاعلام مؤسسات وسياسات واموال ضخمة وعملية وراءها دول وقوى اقتصادية وصراعات سياسية. وليس الاعلام ايضا هو الاعلامي، ولا المثقف او الاديب هو الثقافة او الادب، فهي هنا قضية تتصل بالمفاهيم والمصطلحات التي يجب تحديدها لنستطيع على ضوئها طرح الاسئلة الصحيحة التي تتصل بواقعنا ووجودنا ونحاول الوصول الى الاجابات التي تضيء هذا الواقع وتسعى لايجاد حلول للازمات والمشاكل. وسيبقى اهلنا يعمهون في ضلالهم اذا كانوا يعتمدون في انقاذهم على قصة او قصيدة او مقالة، انه العقل، عقل الامة الجمعي لابد ان يعيش حالة احتشاد واستنفار، وانخراط كل القوى، وليس فقط كاتب القصة او المقالة، في اجندة مشتركة هي اجندة النهوض والتقدم والتحرر والخلاص، هذه هي الوصفة التي انجحت مشاريع مماثلة لشعوب انكسرت واخفقت ثم حفقت رقيها بسرعة قياسية بعد الانكسار والانحسار. وانظروا الى اليابان وانظروا الى المانيا باعتبارهما مثلين قريبين. اما القصة والقصيدة وغيرهما من انواع الفنون او انواع الكتابة فدورها سيكون موجودا في كل الحالات حتى في ايام الانتكاس الا ان هذا الدور سيكون اكثر قوة ونجاعة في مجتمع ترفرف عليه رايات الحرية ويضرب بجناحيه في افاق النهوض والحضارة الحديثة.
د. عبد المالك أشهبون
كاتب وناقد

مما لا شك فيه هو أن المواطن العربي لا يثق بحماسة في دور الإعلام العربي، والسبب بسيط: وهو أنه إعلام موجَّهٌ لتكريس وجهة نظر الحكومات العربية، وخادم مباشر لسياساتها بطريقة موازية لا أقل ولا أكثر. فهو إعلام لا ينبع من قلب احتياجات الإنسان العربي للأسف الشديد...فالمسؤول الحكومي عن الإعلام، في هذا البلد العربي أو ذاك، يدرك جيداً أن هذا الإعلام عبر وسائطه المتعددة، يجب أن يتجنب كل ما من شأنه أن يعري ويفضح ويجهر بالحقيقة في قضايا حيوية، تتعلق بوجود الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج...فقد ولى ذلك الزمن المشرق الذي صرخت فيه تلك المرأة العربية الحرة بأعلى صوتها laquo;وامعتصماه !raquo;، مستغيثة بالخليفة الذي كان يقدر حق المواطنة قولاً وفعلاً، فما كان من هذا الخليفة إلا أن يهب لنجدتها، ليرد لها كرامتها، ومن خلالها يرد للأمة التي يعتبر راعيها عزتها وشموخها وكبرياءها أمام العدو..آنذاك حقَّ لأبي تمام ـ وهو بمثابة الناطق الرسمي باسم الخليفة ـ أن يشيد بهذا الإنجاز البطولي العظيم، الذي يدود فيه الحاكم العربي عن الشرف والعرض والأرض، بقوله الشعري الأثير: السيف أصدق إنباء من الكتب....في حده الحد بين الجد واللعب. أما اليوم...ويا للأسف، فالزمن العربي تغير بدرجة مهولة من وضع مشرق مزدهر إلى وضع ذليل مهين حقير....لا تجدي معه كل صرخات الغزاويين (أهلنا في غزة المحاصرة): أطفالا ونساء وشيوخا حتى ولو بُحَّتْ حناجرهم من شدة الصراخ، وهم يشكون ضعفهم، وقلة حيلتهم لمن يقاسمونهم الدين واللغة والمصير المشترك...لأنه في المحصلة الأخيرة: لا حياة لمن تنادي...فالزمن العربي الرديء عودنا على هذا الصمت القاتل، والشجب الخجول، والدعم بالشعارات، وهو أقصى مراحل الدعم أحياناً...ألم يقل الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش في ملحمته الشهير quot;مديح الظل العاليquot; قوله الذي لا لبس فيه، ولا غموض في وصف حال العرب اليوم: laquo;عرب أطاعوا رومهم، عرب وباعوا روحهم، عرب وضاعوا..من وقتها صار كل شيء واضحاً، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا حياة لمن تنادي...فقد دُسَّ السكين في الإعلام حتى العظم، وانتشرت صناعة التورية بدل صناعة التعرية...هكذا يبدو المشهد الإعلامي العربي راهنا في قمة استهتاره وبلادته وبلاهته وجبنه...

فضيلة الفاروق
كاتبة واعلامية

أقرأ سؤالك يا صديقتي و أتساءل هل هناك جدوى لطرحه؟ في مصر مثلا إستطاعت مخرجة أن تغير قانونا واحدا لا غير من بين القوانين المجحفة في مصر ضد المرأة و هذا في خلال أكثر من مائة عام من عمر السينما المصرية و هذا يعني أن الفن ليس بالمادة التي تؤثر في المجتمع العربي و لا الثقافة و لا الإعلام. في لبنان مثلا ينال برنامج quot; كلام الناسquot; نسبة مشاهدة كبرى لانه يضع المسؤول في مواجهة مباشرة مع الإعلام و الجمهور، و هذا برنامج نادر تواجده، في مصر اليوم نجد عمرو أديب مختلفا في طرحه و جرأته و إن كان البعض يجده quot; غير مهذبquot; او مبالغquot; أو اي وصف آخر يلصق به و لكني أجد أنه ينقل صوت الناس و من يجلس أمامه عليه أن يجيب. محمود سعد أيضا من هؤلاء...غير ذلك هناك لفيف من المذيعين و الصحفييين الذين يعملون تحت رحمة أحدهم إما بالإنتماء لتنظيم معين أو لسياسة معينة وهذا يعني أنه يقف في الجانب الذي لا يقف فيه الشعب. نأتي اليوم لغزة، إن كنا نحن كإعلاميين نصرخ منذ ال45 بإستقلال فلسطين و نعبر عما يدور من كوارث هناك بشتى الوسائل المتاحة لنا. الإعلام يقوم بدوره. لكن أميركا لها رأي آخر إنها تساند إسرائيل بذريعة أنها البلد الديموقراطي الوحيد في المنطقة، وترمي بعرض الحائط الأطفال و النساء والشيوخ الذين يموتون كل يوم برصاص إسرائيلي أميريكي، و فتح و حماس يتقاتلون على أسباب نجهلها؟ المسألة ليست مسألة إعلام يا صديقتي. العالم بأسره ضدنا والفلسطينيون مشتتون. هل تعرفين مقدار الأموال التي تقدمها الدول العربية لفلسطين؟ ألا يمكن لهذه الأموال أن تكون جيشا منظما و ثورة موحدة. هل نسخر على أنفسنا بتمجيد ثورة الحجارة؟ نحن قلوبنا تتمزق ألما على أطفال فلسطين و نساء فلسطين و كل أبناء فلسطين، و لكن من في يديه القرار؟ حتما الإعلام قام بواجبه. وقوافل الإعلاميين الشهداء تشهد على ذلك.. دعينا نمارس أضعف الإيمان مرة أخرى.

[email protected]