قصة/ سيامند هادى
ترجمة/ تارا شيخ عثمان
(ربما وبعد سنوات لايود الذين يترنمون لحنا ويخرجون ان يعودوا الى مكان نقطة البداية ونقطة خطواتهم الاولى). قال هذا وكان مثل بحار يتأمل في ساحل جزيرة بعيدة ينظر الى شجيرة خارج النافذة ويتخيل بأن كل شيء في الخارج تحت سيطرته وان جميع الحالات والمناظر تنتظر أوامره لكن اطار الغرفة اصبح عنده كوكبا آخر يبعد ملامحه واوامره ولونه وسيطرته عن الاشياء المحيطة به الظلام الدامس خارج النافذة وصوت رفرفة اجنحة الفراشة التي كانت تدور حول مصباح الغرفة شده الى الغرفة تلك الفراشة كان واضحا على جناحيها انها قبلت الزهرة مرة واحدة في حياتها ولكنها لم تتمكن من نقل الرحيق لتلقيح زهرة اخرى بداءة يردد بصوت خاف: (اكره بشدة الذين يسألونك عن طفولتك لأن الذين سيمرون من هنا بعد فترة قصيرة لا يتوجب عليهم ان يعرفوا ماذا فعلنا الآن بل يجب ان يحاولوا ان يتصوروا المدن والحدائق والدهاليز التي يمكن ان يمروا بها..).
ابتعاد الفراشة عن المصباح ودوراتها في سماء الغرفة اوقفة خياله ورأى الغرفة وكانها شبكة تعيق تحليق آماله بسرعة تأمل الجدران الغرفة النظيفة والشبابيك المصبوغة حديثا واخيرا اوقف نظره على اللوحة التى كانت معلقة على احدى جدران الغرفة فى اللوحة مدينة على سطح كوكب المريخ وفيها ابنية زجاجية وجميلة علو المساء وبعد تحديق طويل راى نفسه في غرفة واحدة من تلك البنية الزجاجية وكان جالسا على الكرسي مكسو بالحريريفكر في تكبير المدينة وكثافة السكان على سطح ذلك الكوكب الذي كان سكانه يتزاحمون في الازقة والطرقات ذهابا وايابا فخطط لاحواء كثافة السكان وذلك من خلال آلة صغيرة. وكان مشغولا وكانه لم ير انشغالا بهذه الصورة طيلة الاعوام الخمسة ة العشرين من عمره التي مضت في ذلك الحين اعادهصوت رعد الى الغرفة وحول نظرته من اللوحة الى النافذة ورأى المطر يتساقط زخات على الاوراق وأغصان الشجرة. في غمضة عين اصفرت اوراق الشجرة وتساقطت وفي وهلة اخرى اورقت الشجرة مرة ثانية وغطت الشجرة لون اخضر وبعد فترة وجيزة جلب نظره تناثر وتساقط اجزاء الفراشة امام النافذة وكأنها رماد قطعة قماش محروقة وبعدها رفع رأسه الى السماء بحثا عن جزئيات اجنحة الفراشة ولكن سقف الغرفة كان مراقبا على حرية آماله ومانعا لتحليق طير خياله احس بأن السقف يضغط على نمو احلامه بدون هدم ذلك السقف لا يمكن ان يحقق آماله. لذلك قال (ربما يمكن ان تمر في الشوارع النظيفة والمضاءة ولاتلتفت الى تلكم الملامح التي لا ترغب ان تراها ولاتقدر الصيادين بدون اساس ولكن وتحت ذلك السقف يجب عليك ان تمر على الشوارع الكثيفة والمظلمة وتحدق في وجوه اناس خبيثين وتقدر الصيادين بدون اساس وعلى الكرسي).
التفت الى (اللوحة) ومن اول نظرة تغير لونه والتصق اسنانه ببعضها وفتحت عينه اليسرى اكثر لأن اللوحة تغيرت كثيرا وكان في اللوحة مجموعة رجال ونساء شبه (عراة) كانوا في غابة وكانوا مشغولين بجنبي الثمار وجمع الاغصان الجافة والاعواد في ملامحهم كانوا يشبهون القردة اعتصر قلبه ولم يستطع ولوهلة ان يتأمل في ذلك المشهد لذلك التفت بسرعة الى النافذة وحدق بعينه اليسرى جذع شجرة قوية غليظة بعض الشيء واغصانها تبعثرت عليها وكانت تكبر اكثر فاكثر لأن الليل والنهار والشهور جميعها كانت تمر بسرعة مذهلة وكان اشتعال سيجارة يحرق معه نهار وليالي شهر وكانت الشمس تشرق وتغرب بسرعة وكأنك تشاهد نجما مذنبا ولفترة كان مشغولا باشعال المصباح واطفائها وبعد ملل جهيد قرر ان يجلس فترة في الظلام وفترة اخرى في النور التفت من النافذة والقى نظرة متحسرة على جدران الغرفة كدرت عيناه لأنه احس ان الجدران تضغط عليه وتضيق تأملاته قبل فترة اخبره الجدار الذي على اليمين بأن يبسط يديه عندما يرفعهما الى السماء للدعاء وحذره الجدار الذي يقع على اليسار ان يصلي صلاة الفجر في وقته لأنه اكثر خيرا من الصلوات الاخرى وعلى الرغم من ذلك ففي احدى الليالي صرخت الجدران عليه وقالت له بأن يكون مسؤولا عن المحيطين به لكنه لم يكن مهتما بالامور التي كانت تخفيه لذلك وفي هذه الاثناء كان ينظر الى الجدران هامسا (هذه الجدران تضعك في قالب بشدة وتعاقب آمالك ولا تبقى لك فرصة صغيرة لتأملاتك وبخروجك من ذلك الاطار تكون احقر كائن على الارض).
بعد الملل من النظر الى الجدران حول نظره مرة اخرى الى اللوحة فوجدها متغيرة ايضا وكان في اللوحة مجموعة رجال نورانيين يوزعون الكتب على الناس ووجوههم كنت تبشر بمستقبل. بتأمل في جسد هؤلاء وللحظة التفت الى ملامحه وجسده رأى شعره ولحيته قد طالتا وبداتا تشيبان وتبين له ان اعواما من عمره قد مضت كان مشكوكا لذلك لمس وجهه وذقنه واعاق تجاعيد وجهه سرعة يده وبذلك ايقن بانه اصبح شيخا نبهه صوت رياح قوية الى النافذة وابعاده من خياله وضخامة الشجرة انسته الرياح وعندما نظر الى الاوراق المتناثرة على النافذة اذهله تصدؤ الشباك كله كان متآكلا. وبسرعة التفت الى الباب فرآه كذلك وكان الصدأ مثل (حرشفة الافعى) اكل طبقات من الباب وبعثرها على الارض. من هذه القطع الصغيرة من الصدأ تذكر ارض الغرفة التي باعتقاده اصبحت مثل خياله ولا يمكن ان يهرب منها لذلك قال (الملامح الجذرية في هذه الارض مثل ختم على جبينك عندما تتحدث عن أي مكان او عندما تعبر عن فرح او مأساة يعرفونك بسرعة وتتخطى الى اطار صفات عامة وتضيع الذات مثلما تضيع طيارة ورقية حينما تقطع خيطها وان هربت من طقوس ذلك الارض تصبح خائنا وعديم الوفاء).
على الرغم من ذلك الذي كان يشعره بالملل اكثر كانت تلك الارض التي تربطه بالماضي ويهرب منها دوما وقد فقد عينه اليمنى في احدى معارك الدفاع الدامية لذلك كان يرى بعينه اليسرى فقط ولكنه لم يكن يرغب ان يسألوا عن عينه تلك لا بل لم يكن يرغب ان يسألوه عن طفلته في احدى المرات وفي جواب لسؤال صديق له قال غاضباquot;كان كل طفولتي انني آتي بقصب طويل اضعه بين فخدي امسكه بإحدى يدي وبالاخرى امسك عصا واضرب بها على القصب وكأنني على ظهر حصان اسطوري اركض ولا اهتم بأي حدود ولكنني دون ان اعرف كنت قد رسمت بقصبي عددا من خطوط الحدود على الارض وللتخلص من قوانين الارض التفت الى اللوحة مرة اخرى. هذه المرة كانت اللوحة متغيرة ايضا كانت اللوحة رسما لمجموعة اشخاص يحملون المطارق والمناجل ويمشون على الشوارع الفسيح وكان كل واحد منهم قد رفع يده ومن خلال لافتاتهم علم انهم كانوا يتظاهرون ويطلبون اصلاحات شاملة وللحظات تأمل اللوحة والشعر انه امضى عمرا في تحديق مشاهدة اللوحة وفي تلك اللحظة شعر ان يديه اصبحتا ترتجفان حينما القى نظرة سريعة على النافذة ة الباب المتصديء ونظر الى الجدران امسى واضحا لديه ان الباب والنافذة صارا مثل ورق ممزق حينها شعر بأن جسده اصبح هزيلا وعيناه ضعيفتين ويداه اصبحتا كأوراق واغصان شجرة يلعب بها الريح فتهتز رويدا رويدا القى نظرة على اللوحة فرأى فيها اناسا يتحاورون فيما بينهم كانوا مجتمعين من بينهم من كان يتحدث وصديقه من خلف ظهره وكلهم يتحدثون فهنالك رجل ينظر اليهم باعجاب واضح على ملامحه انه لا يعرف ان يستمع الى ايهم رويدا رويدا تغيرت اللوحة واصبحت سوداء. لذلك التفت الى النافذة راى ان اغصان واوراق الشجرة قد غطت النافذة تماما وقد تطايرت اوراق الشجرة الى الغرفة ولم يبق مجال لدخول النور لذلك كانت الغرفة مظلمة تماما فتسارعت ضربات قلبه في حينها تذكر طفولته وتذكر ليلة من ليالي الشتاء كانت قد مرت على موت جده عدة ايام في غرفة متروكة وراء بيتهم وكان مشغولا بالبحث عن (سبحة) جده لكي يبقيها عنده للذكرى في ذلك الحين التفت الى الوراء راى شبح جده في احدى زوايا الغرفة فغطى عينه بيديه هرع صارخا وتخلص من الغرفة.
التعليقات