مخرج العمل: هل ينبغي النوم مع اعداء الامس؟
عبد الجبار العتابي من بغداد: ضمن منهاج دائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة العراقية، للاحتفال بذكرى تأسيس الفرقة القومية للتمثيل والفرقة القومية للفنون الشعبية، عرضت بعد ظهر الاحد مسرحية (الموت والعذراء) اعداد واخراج ابراهيم حنون وجسد شخوصها الفنانون: ماجد فريد، ميلاد سري، خالد احمد مصطفى،سمير طالب، وسام فاخر، صادق والي وسامر سمير، ورسم السينوغرافيا لها الفنان فلاح ابراهيم، وعلى غير المعتاد فقد صعد الجمهور الى خشبة المسرح ليحتل اكثر من نصف مساحتها، واستغل المخرج الفسحة الباقية والفضاء لتقديم العمل، وقد اثار الاشتغال العام للعمل جمهور الحضور للتقنية وللجو المشتغل عليه، فقد رسم الانبهار والدهشة وكذلك المتعة، لم يشعر المتلقي بالملل بل بالمتابعة الدقيقة، وكانت الصور تتراءى وهي تتغير في الارجاء بشكل جميل، حقيقة اثار دهشة المتلقي، فكل ما فيه جديد على المسرح العراقي بأعتراف المعنيين بالشأن المسرحي.
العرض المأخوذ عن مسرحية بذات الاسم للكاتب العالمي ايريل دوبرمان، يتحدث عن مسألتين: هل ان الضحية من حقها ان تأخذ حقها بيدها، وتجعل من نفسها سلطة تشريعية وتنفيذية، ام ان الضحية تلجأ الى القانون والى الاجراءات القانونية في معاقبة المجرمين واحقاق الحق، اي هل يمكن ان تكون الضحية هي الحاكم والجلاد، واذن من هنا يمكن للضحية ان تتحول الى دكتاتور.
في نهاية العرض استطلعنا اراء عدد من الفنانين في العرض وتوقفنا مع المخرج لنعرف افكاره التي جاءت بها المسرحية.
قال الفنان حيدر منعثر: المسرحية استطاعت ان تقترب، رغم انها مقتبسة من جنس غربي وهو رواية عالمية، الا ان المخرج بمنظومة اشتغاله ان يقرب الواقع والوقائع من الحدث العراقي بمتغيره الكبير، وقد اجتهد الممثلون واستطاع المخرج بأجتهاده ان يدخلنا الى عالم الواقعة اليومية، فما احوجنا الى تلك العروض في هذه المرحلة على الاقل.
اما المخرج المسرحي جبار محيبس فقال: المسرحية جيدة وممتعة زتنتمي الى ما يسمى مسرح القسوة الذي بشر به الكاتب الفرنسي انطوان ارتو، وهو يعتمد السحر والكلمة والحركة والايماءة والنغمة والاهة لايصال خطابه، ونجد في الاسلوب هذا الكثير من مسرح الصورة مع متغير في العمق ان المسرحية لم تستطع التخلص من الكلمة، فحاول المخرج ان يجد معادل موضوعي مع الصورة، لان الكلمة اخلت الى حد ما بالصورة، واضاف جبار: كان على المخرج ان يتخلص ويشذب النص كثيرا.. كثيرا من زوائده اللغوية، ذلك ان اللغة في عروض مثل هذه لم يعد لها مبرر، ليس من الضروري علينا ان نسمع حكاية كانتتروج لها العجائز امام العنفوان الذي تفجر من الكادر الحريص الذي رأيناه مع المخرج المبدع ابراهيم حنون.
وقال الصحفي والناقد حسن عبد الحميد: يقول بلزاك (الحماقة افضل من الجرأة في غير محلها)، وفي الموت والعذراء كانت الجرأة تماما في محلها، العمل الحالم في الزمن الصعب خيانة للضمير الانساني، وهؤلاء نقوا الضمير مما يحصل الان، لاتكفي التحية ولا يكفي الاعجاب، لان الصمت لا يعني القوة دائما، واضاف حسن: هذا عمل كبير في محنة كبيرة، علينا جميعا ان نغادرها لكي تعود الحياة في وطن احلى ما فيه اسمه العراق.
اما الفنان يحيى ابراهيم فقال عنها: استمتعت جدا بالعرض المسرحي وبالاجواء والتشكيلات في هذا الفضاء الواسع الذي استطاع ابراهيم حنون ان يناقش معنا موضوعا عنيفا وقاسيا خلف الاسلاك الا اننا كنا نستمتع بحرقة من خلال توظيف سينوغرافيا هذا العرض والاستخدامات الذكية لهكذا مسرحية صعبة جدا تنتمي الى جو الرواية اكثر مما تنتمي الى جو المسرح، الا اننا عشنا في اجواء (سينما-مسرح) ولكن الممثلين والمخرج استطاعوا ان يقولوا لنا في كل مشهد (اننا على المسرح)، واضاف يحيى: ربما يتساءل البعض عن مكان العرض، انا كمتلقي اجد ان استخدام المكان كان مبررا وغير مقحم، وهذا الموضوع يحسب للمخرج، كما انني اكاد اجزم انني لم اشاهد هكذا جو من العروض المسرحية العراقية،لدينا بعض الملاحظات فيما يخص العرض لكنني استطيع ان اوجزها بأنها كانت تقنية طفيفة جدا لكنها في الرسم الفني كانت جيدة ولكن بحاجة الى تركيز وتكثيف اكثر، وفي ختام حديثه قال: انا انتمي الى هذا العراض وانا سعيد جدا به ومستمتع جدا بهذه الطريقة من الاشتغال المسرحية، وانا اعتقد ان هذا العرض كفيل ان يمثل العراق بمهرجانات عالمية.
وقال الفنان صادق مرزوق: النص يعتبر فخا لاي مخرج لصعوبة الخروج من المغاليق التي وضعها الكاتب من هيمنة الحكاية والاسلوبية الدرامية والنمطية التي كتب بها النص واستطاع المخرج ابراهيم حنون ان يفك هذه المغاليق وينتهك نمطية النص ويخرج منه برؤية جمالية بعيدة عن هذه الهيمنة، واضاف: ابراهيم اشتغل على تفجير المكان والاشتغال على نمط المشاكسة بمألوفية قلما نجد لها نظيرا في المسرح العراقي، كما ان النص استفز المتلقي من خلال اللقطة السينمائية التي اشتغل عليها المخرج، حرك المكان، حرك الممثل، وكل شيء على المسرح عبارة عن علامات مركبة خرجت من ايقونية هذه العلامات لينهال علينا بأنغام الموسيقى، اشتغل على عدة ثنائيات منها الانتقام ndash; العدالة، فخ النص وتفخيخ المعلومة القيمية والاخلاقية، كان العرض يبدو في كثير من الاحيان ينحو منحى التجريب ومن ناحية اخرى فهو يعتبر بمتناول المفهوم البسيط استطاع الاشتغال على المنطقة الوسطية بينما هو نخبوي من جهة وما هو شعبي من جهة اخرى بالاضافة الى ان السينوغرافيا لفلاح ابراهيم كان لها اثر كبير في النهوض بالعرض.
وكان لابد لنا ان نلتقي المخرج لنعرف منه تفاصيل عمله فقال: العرض يتحدث عن امرأة مغتصبة في سجون النظام السابق تلتقي بمغتصبها مصادفة في بيتها، تعرفه من ريحته وصوته،وتطالب بالثأر، ولان زوجها وزير حقوق الانسان فأنه يتدخل لطي صفحة الماضي، وتتحرك الاسئلة: هل تحاكمه ام تقتله ام تتركه، وتظل النهاية مفتوحة تقبل كل الاحتمالات.
واضاف ابراهيم: المكان عبارة عن مأزق، مكان قابل للانفجار، بحث عن الاقبية السرية، عن الموت بشكل بارد، عن لحظة التنفس بصعوبة، حاولت في هذا العرض ان اشكل ملامح سلم اهلي، قبول الاخر للاخر، والسؤال الاثيري: هل ينبغي النوم مع اعداء الامس؟.
واستطرد المخرج: من ناحية فنية وتكنيكية حقق المكان الشراكة مع الجمهور واتاح لي مساحة لتشكيل العرض وفق البنى التي تخطت مساحة العرض والخشبة، فالغرفة عبارة عن اعماق سحيقة للشخصيات ومخبأ من الممكن ان تكون لقبية جديدة، القضبان جزء من ذاكرة حية، لايمكن ان تتحقق الحيادية الا بقضبانين، انا كنت حياديا الا في لحظات معينة مثل صراع الموسيقى والهليكوبتر ولحظة الحريق ومسح ذاكرة الموت والعذراء، انا كنت منحازا لها اما الباقي فكنت حياديا جدا حتى اشكل السؤال والا لن اشكل موقفا مسبقا.