في كتاب عن شاعر أفغاني..

القاهرةمن سعد القرش: ترى الكاتبة المصرية عفاف زيدان أن للثقافة العربية تأثيرا عميقا في اللغة الفارسية وبخاصة في مرحلة المد العربي الاسلامي في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) مستشهدة بالشاعر الافغاني فرخي سيستاني الذي تأثر كثيرا بشعراء عرب أبرزهم أبو نواس وأبو تمام. وتقولإن اللغة الفارسية منذ بداية القرن الرابع الهجري شاركت اللغة العربية في حمل لواء الثقافة الاسلامية وهكذا انتقل مضمون العربية الى الفارسية بل ان المتخصصين في الثقافة الفارسية لم يجدوا حرجا في تحويل مفهوم البلاغة العربية الى لغتهم وحين حاول الشعراء quot;تكوين القصيدة الفارسية لم يجدوا أمامهم تراثا من لغتهم يمكنهم أن يسترشدوا به فاتجهوا نحو النثر والشعرquot; العربيين حتى ان الشعر الفارسي الى الان يكتب في أوزان الشعر العربي.
وتضيف في كتابها (فرخي سيستاني.. عصره وبيئته وشعره) أن quot; التعصب القوميquot; لم يمنعهم أن يأخذوا عن الثقافة العربية بحكم quot; ضرورة نشأة الادب الفارسي الوليد بجوار أدب اخر عريقquot; موضحة أنهم أسهموا أيضا في الثقافة العربية.
وصدر الكتاب في القاهرة عن مكتبة مدبولي ويقع في 553 صفحة كبيرة القطع. والمؤلفة التي شغلت منصب عميدة كلية الدراسات الانسانية في جامعة الازهرفي القاهرة كانت أول امرأة عربية تذهب الى أفغانستان عام 1968 خلال فترة حكم اخر ملوك أفغانستان محمد ظاهر شاه (1933 -1973) حيث درست الادب الفارسي في جامعة كابول التي نالت منها درجة الدكتوراه. وتقول زيدان ان سيستاني -الذي ولد عام 360 هجرية (نحو عام 971 ميلادية) وعاش نحو 69 عاما وكان يتمتع بصوت جميل وموهبة العزف على العود- تمثل نظرية الشعر العربي وان قارئ قصائده ربما يصاب بالدهشة quot;فلو حذفنا المسميات الفارسية.. لوجدنا أنفسنا أمام شعر عربي مترجم الى الفارسية.quot;
وتدلل على ذلك بأبيات كثيرة من قصائده اذ يصف ممدوجه بأنه أكرم من حاتم الطائي quot;يا من أنت في المحافل أكرم من مئة حاتمquot; كما يتخذ من عنترة بن شداد مثالا للشجاعة quot;مبارزون يحاربون بالسيف على قمة الجبل. ولكل واحد منهم مئة عبد مثل عنترةquot;.
ويقول لممدوحه انه رغم طول معلقة امرئ القيس فانها حين تقال في مدحه تصبح قصيرة مثل قوافي (المثنوي) لجلال الدين الرومي quot;ان الشعر الذي يكون أطول من شعر قفا نبك اذا قيل في مدحه يكون قصيرا بل أقصر من قافية الشعر المثنويquot; في اشارة الى مطلع معلقة امرئ القيس التي يقول فيها quot;قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل/ بسقط اللوى بين الدخول فحوملquot;.
كما أخذ من أبي تمام فكرة مطلع قصيدة يمدح فيها الخليفة العباسي المعتصم بعد فتحه عمورية quot;السيف أصدق أنباء من الكتب ( في حده الحد بين الجد واللعبquot; وضمنه فرخي بيتا يقول فيه quot;أيها الملك. أيها السلطان. أيها الامير لقد أبطلت البدع وطمستها وأفنيتها بسيفك المهند البتارquot;.
واقتبس أيضا من النابغة الذبياني قوله quot;وانك شمس والملوك كواكب / اذا طلعت لم يبد منهن كوكبquot; وصاغ ذلك على النحو التالي quot;لقد قلت.. انهم النجوم والامير يوسف مثل القمر وأنا حينما أرى القمر لا أعرف النجومquot;.
وتنقل الكاتبة أبياتا لسيستاني يبدو فيها شديد التأثر بأبي نواس ومنها قول الاخير quot; ولى الصيام وجاء الفطر بالفرح ( وأبدت الكأس ألوانا من الملحquot; ويقول سيستاني quot;لقد ولى الصيام أمس من خيمتنا وجاء عيد الفطر السعيد بكأسه وشرابهquot;. وفي بيت اخر يقول أبو نواس quot;واني بشهر الصوم اذ بان شامت ) وانك يا شوال لي لصديقquot; والمعنى نفسه يصوغه سيستاني قائلا quot;يا رفاقي سأقول كلاما صادقا فاسمعوه ان طبعي يرتاح لشهر شوالquot;.
كما يقول أيضا عن شهر رمضان quot;ماذا يحدث اذا ذهب.. قل له.. اذهب وتبختر بدلال فان ذهابه قد أراح الجميع من العذاب. فاذا كانت وجوه الدنيا قد اصفرت من تعبه فشكرا لله لان الخمر صافية قد جعلت وجوهنا ناضرة حمراء.quot;
وتعلق قائلة ان بين الشاعرين شبها كبيرا quot;ولعل فرخي (بضم حرف الراء وتشديده) كان يعرف الكثير عن حياته ويعمد الى تقليده.. كان الرجلان مسرفين في المجون متهالكين على الخمر مشغوفين بوصفها... ولكنه كان أنقى من أبي نواس لفظا وأعف لسانا.. ولم يكن يعدل أبا نواس في خفة الروح وشدة المجون ولم يكن يبلغه في الاستهتار.. لم يكن فرخي على الرغم من مجونه واستهتاره كافرا أو جاحداquot;.
وتقول المؤلفة ان هذا الكتاب أول مؤلف بالعربية عن هذا الشاعر الذي أهلته quot; موهبته الفذةquot; الى أن يكون مقربا من السلطان محمود الغزنوي نسبة الى منطقة غزنة في أفغانستان التي كانت quot;من أعظم الحواضر الاسلاميةquot; وامتد نفوذ هذا السلطان وعائلته من ايران الى أفغانستان وباكستان حتى حدود الهند.
وتتفق مع مؤرخين يرون أن quot;أفغانستان هي منشأ اللغة الفارسيةquot; ففي غزنة على عهد السلطان محمود الغزنوي عاصر سيتساني عددا كبيرا من الفلاسفة والفقهاء والعلماء والشعراء منهم أبو الريحان البيروني وابن سينا (الشيخ الرئيس) والبيهقي وأبو منصور الثعالبي وأبو قاسم الفردوسي مؤلف ملحمة الشاهنامه.
وفي مقدمة طويلة تستعرض المؤلفة نشأة الدولة الغزنوية في نهاية القرن العاشر الميلادي ونهايتها قائلة ان طبيعة نشأة تلك الدولة كشفت عن نهايتها quot;فهي دولة بنيت بالسيف وما كان يمكن أن تعيش من دونه...وكان واضحا أن مجد السيف الذي بناه محمود لم يترك فرصة لإقامة نظام سياسي متكامل يمكن أن يحمي الدولة حين يغمد سيف أمرائهاquot; ففي ظل صراع دموي بين حضارات مختلفة لم يكن السيف وحده يضمن الاستقرار بعيدا من مؤسسات سياسية قوية. (رويترز)