الدَّمُ المَنْفِيُّ في الأَحْراشِ
حَتْماً دَمُ قَوْمٍ
لَمْ يَزَلْ تابوتُهُمْ أَبْيَضَ،
مَكْتوبٌ على رُقْعَتِهِ كيفَ اسْتَفاقوا لَيْلَةً
فانْتَشَرَتْ في دَمِهِمْ حُمّى الرَّحيلِ الأَبَويّْ.
حينَ ماتوا
تَرَكوا تَحْتَ مراياهُمْ
أَنيناً يَتَعَرّى حافِياً داخِلَ كَتّانٍ حَريريٍّ.
نَبيذٌ أَثَرِيٌّ تَرَكوهُ
ذِكْرَياتٌ مُهْمَلاتٌ تَرَكوها
تَرَكوا أَيْضاً على حَبْلِ الغَسيلِ المُتَدَلّي،
جَوْرَبَ الصّوفِ الذي كانَ يقي أَقْدامَهُمْ،
والنِّسْوَةَ اللّائي غَسَلْنَ الرّوحَ لَيْلاً
تَرَكوهُنَّ وحيداتٍ
كَبُرْجِ المَتْحَفِ الأَخْرَسْ..

* * * *

الدَّمُ المَنْفِيُّ في الأَحْراشِ
يَطْفو فَوْقَهُ دَمْعُ الرُّعاةِ المَيِّتينْ.
هِيَ أَطْلالُ رِجالٍ رَحَلوا؛
زَيْتونَةٌ بَرِّيَةٌ مَنْخُورَةُ السّيقانِ
يَسّاقَطُ أَعْلاها كَزَخّاتِ الحَنينْ
وبَقايا حَشَراتٍ تَحْتَ عَيْنِ البَجَعِ الجائِعِ..
في هذا المَكانِ اشْتَعَلَتْ
بَيْنَ رِجالٍ ونِساءٍ شَمْعَةُ الرَّغْبَةِ،
كانَتْ لَهُمُو حَفْنَةُ أَبْناءٍ
َأقامُوا لَهُمُو فَوْقَ تُرابِ الحَقْلِ أَكْواخاً
وناموا تَحْتَ أَقْدامِ جَواريهِمْ،
إِلى أَنْ طَلَعَ الفَجْرُ
فَسارُوا كُلُّهُمْ نَحْوَ الخُيولِ الهارِبَهْ..

* * * *

الدَّمُ المَزْروعُ في الأَقْفاصِ كَالقُطْنِ المُدَرّى،
لَمْ يُسَرِّحْهُ الجُنودُ الطَّيِّبونْ:
هُوَ تاجُ القَسْوَةِ المائِلُ
نَحْوَ الغُرَفِ السِّرِّيَةِ الكُبْرى،
هُوَ النِّسْيانُ إِذْ يَغْشى الرُّبا والبِئْرَ والأَحْجارَ؛
حينَ اسْتَنْفَدَتْ خَيْلُ القَبيلَهْ
كُلَّ أَسْبابِ الصَّهيلْ..

* * * *


هاهُنا عاشُوا
جِوارَ الحائِطِ المَبْنِيِّ بِالتُّرْبَةِ والطّينِ،
على مَقْرُبَةٍ مِنْ قَفَصٍ مُشْتَبِكٍ،
كانَتْ تَرَبَّتْ حَشَراتُ الصَّيْفِ في داخِلِهِ؛
عاشُوا جِوارَ الشَّجَرِ الشَّوْكِيِّ،
حَيْثُ افْتَتَحَ الصُبّارُ في أَجْسادِهِمْ
كُرّاسَةً حَرّى لِتَأْريخِ البُكاءْ !