اعداد أشرف أبوجلالة من القاهرة: حول الأجواء المثيرة والساخنة التي مازالت تحيط بقضية ترشُح وزير الثقافة المصري فاروق حسني لرئاسة منظمة اليونسكو، تُعِد مجلة quot;فورين بوليسيquot; الأميركيّة تقريرا ً مطولا ً تسرد فيه بالتحليل والعرض قصة ترشح حسني لهذا المنصب الرفيع منذ بدايته وحتى الآن وسط كل موجات الجدل التي نشبت خلال الآونة الأخيرة بسبب تصريحاته المناوئة لإسرائيل. وفي هذا السياق، تلفت المجلة في البداية لما قالته quot;رابطة مكافحة التشهيرquot; الصهيونية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا ً لها عن تصريحات حسني، والتي وصف فيها إسرائيل بأنها quot;لا إنسانية، وعدائية، وعنصرية، وصاحبة ثقافة متعجرفة، أساسها سرقة حقوق الآخرين وحرمانهم منهاquot;.
ثم تمضي المجلة في تقريرها لتشير إلى تلك الاتهامات التي سبق وأن وجهها حسني لليهود بأنهم يحاولون quot;التسللquot; إلى داخل وسائل الإعلام العالمية. كما تشير إلى الكلمة التي ألقاها حسني في مايو / أيار عام 2008، أمام مجلس الشعب المصري والتي قال فيها إنه سيقوم بإحراق أي كتب إسرائيلية يتم العثور عليها في المكتبات المصرية أمام الأعضاء على الفور. وهنا، علقت المجلة بقولها إن الأمر الصادم في كل هذا الضجيج ليس في إطلاق حسني لتلك التصريحات، وإنما لكونه وزيرا ً لثقافة مصر، وما هو أكثر من ذلك، أنه سيكون على الأرجح الرئيس القادم لليونسكو، تلك المنظمة الأممية التي تأخذ على عاتقها مسؤولية الدفاع عن التنوع الثقافي والتعاون الفني الدولي.
في حين رأت المجلة أن الأمر الذي يدعو للاستغراب، وإن كان على مستوى أقل لكنه للأسف صحيح، هو أن آراء حسني في الثقافة الإسرائيلية هي الشيء المعتاد بين المثقفين المصريين، الذين يعتبرون أن معاهدة السلام التي أبرمت مع تل أبيب عام 1979 لم تفعل شيئاً تقريبا ً في ما يتعلق بقضية التخفيف من تفشي ظاهرة الرهاب من اليهودية. وهو ما تسبب في إثارة احتجاجات من جانب كبار المفكرين والساسة في إسرائيل وفي جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من كل هذا، فقد أثار القرار الذي اتخذه مؤخراً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برفع معارضة بلاده على ترشح حسني للمنصب الأممي البارز الكثير من علامات الاستفهام التي لم تزد الموقف إلاّ غموضا ً.
وهنا، أبت المجلة أن تفوت على نفسها فرصة الخوض في التلميح لفرضيات واحتمالات تتحدث عن إقدام كل من القاهرة وتل أبيب على عقد صفقة quot;سريةquot; تنطوي على إغلاق ملف الجدل الخاص بوزير الثقافة مع إسرائيل، حيث قالت إن كل ما هو معروف هو أن نتنياهو التقى في الحادي عشر من شهر مايو / أيار الماضي بالرئيس المصري، حسني مبارك، وكان مقتنعاً بعدم عرقلة ترشيح وزير الثقافة في مقابل بعض الشروط غير المعلنة.
ثم أشارت المجلة إلى المقال الاعتذاري الذي كتبه وزير الثقافة المصري بعدها بعدة أسابيع في صحيفة quot;لو موندquot; الفرنسية، والذي تراجع فيه عن تصريحه السابق الخاص بحرق الكتب. ثم تعهد بعد ذلك بفترة قصيرة أن وزارة الثقافة المصرية ستقوم بترجمة أعمال أدبية لاثنين من المؤلفين الإسرائيليين، هما عاموس عوز ودافيد غروسمان. وهو ما تم النظر إليه على أنه تنازل كبيرلأن السياسة المصرية الرسمية تحظر الترجمة من العبرية إلى العربية، أو الدخول في أي تعاملات على الأقل مع ناشرين إسرائيليين.
ورأت المجلة أن ما بدت على أنها إشارات دالة على حدوث تغيير إيجابي بين صفوف نخبة مصر الأدبية، كانت مجرد انعكاسات لما تكنه من مشاعر عداء دفينة تجاه الثقافة اليهودية والإسرائيلية. حيث سرعان ما تعرض حسني لهجوم واسع النطاق من جانب زملائه من المثقفين المصريين بعد أن اتهموه بأنّه quot; يُغازل النفوذ الصهيونيquot;. وقد بادر من جانبه دكتور جابر عصفور، رئيس المركز القومي للترجمة، على نفي ما يُقال عن وجود علاقة بين الترجمات ومسألة ترشيح حسني لليونسكو.
ثم تنتقل المجلة في سياق حديثها لتؤكد أنّ تلك الوضعية المعقدة بأسرها جاءت لتسلط الضوء على وجهات نظر الأدب المصري البغيضة والمتزمتة بشكل عام تجاه إسرائيل. ونوَّهت المجلة هنا بمسألة المنع المهني للأكاديميين والشخصيات الثقافية المصرية من الاتصال بإسرائيليين. ثم مضت المجلة لتطرح تساؤلا ً قالت فيه : لم يخشى المفكرون المصريون من النفوذ الإسرائيلي بهذا الشكل الكبير؟ - لتقول إن التفسير الدائم لذلك هو أن المفكرين المصريين، الذين يطلقون على أنفسهم ضمير البلاد، لا يمكنهم تقبل الإسرائيليين في ظل غياب سلام عربي ndash; إسرائيلي شامل.
ووسط كل هذه الأجواء المحتدمة في ما يتعلق بطبيعة العلاقات المصرية ndash; الإسرائيلية، وبقائها كمحور دائم للخلافات والشد والجذب بين النخبة السياسية والثقافية من كلا الطرفين، تشير المجلة إلى أوجه التناقض العديدة التي تهيمن على حياة المصريين، والتي يمكن التماسها من خلال هؤلاء الأشخاص الذين يقيمون على سبيل المثال حدادا ً على مايكل جاكسون وفي الوقت نفسه يقومون بتنزيل آيات من القرآن الكريم على هواتفهم المحمولة للاحتفاظ بها كنغمات، وكذلك هؤلاء الذين يشاهدون الأغنيات المصورة المفعمة بالحيوية للمطربة اللبنانية هيفاء وهبي ويهللون في الوقت نفسه لحركة quot;حماسquot;. لكن المجلة رأت أن تلك التناقضات الظاهرة لا ينبغي أن تهدي أحدا ً إلى التفكير في أن النخبة الثقافية المصرية بدأت في فتح صفحة جديدة مع إسرائيل.
وترى المجلة في النهاية أنه في حالة نجاح ملف ترشح حسني لرئاسة اليونسكو، فإنها قد يحجب التحامل الخبيث الذي يمرر على التفاهم الثقافي بين المفكرين المصريين. وعلى الرغم من الاعتذار الذي تقدم به بشأن ما سبق وأن صرح به عن حرق الكتب، إلا أنه أكد في مقابلة مع إحدى المحطات الفضائية المصرية الخاصة خلال شهر يوليو / تموز الماضي على أنه سيعارض التطبيع مع إسرائيل حتى quot;وجود دولتينquot; وإلى أن quot;يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقهquot;. وتقول المجلة في ختام حديثها إنه وبغض النظر عن القرار الذي ستتخذه الأمم المتحدة في نهاية المطاف، إلا أنّ ما يكنه حسني بداخله من مشاعر تجاه إسرائيل واليهود لن يتغير على الأرجح.
التعليقات