وطني الغالي

معذرةً
اعرفُ انّكَ ذاكرةُ الكونِ و ماقبل الكون
لا اعرفُ اِنْ مازلتَ تَتذكّرني
و انتَ تودّعُ مليوناً و تستقبلُ مليون
لكنّي
اعرفُ انّكَ مذهولٌ محتارٌ مَهموم
مما جَرَّ عليكَ الأبناءُ ـ و انا منهم ـ
لا تعرفُ بأي لغةٍ تقرأنا
و اعرف انكَ تتقنُ آلاف اللغات
و زهوتَ بها جميعا
و حزنتَ بها جميعا
و جُرحتَ بها الآف المَرّات
و اراكَ تموتُ بلا لغة او صوت او hellip;..موت
و حين تعودُ
تطوي موتَك كالمنديلِ
و ترميهِ في سلّةِ اوجاعِكَ المُهمَلة
واذ تبكي
تذرفُ روحَكَ منفرداً في سردابِ روحِكَ
و حين تغنّي ـ و ياما غنيت ـ
تخجلُ من جارٍ دفنَ ضحكتَه للتوّ
و اهالَ عليها ليلَه
و ياما اصغيتَ ـ خَجِلاً ـ
لدموعِ بلاد بثيابِ العُرسِ
اصطادها بعضُ بَنيك
في رحلةِ طَيش
وسطَ براري التاريخ
و حينَ تنصتُ الى خريرِ الظمأِ في روحِكَ
تتسلّقُ قمةَ عطشِكَ
و تعقدُ صفقةَ غيم مع الزُرقة
تربّتُ على غضبِ سواقيك
و انتَ تحدّقُ في قطيعِ سُحبٍ خائن
يفاوضُ سماوات اُخرى

عزيزي وطني
و انتَ تذرِفُ دجلةَ و الفرات
تريقُ في طفولتِهما الودَّ
و ماءَ الورد
و بين الضّفتَيْن
تعلنُ عشقاً ازلياً بين العُشبَيْن
لكنّكَ تَنهى نخلَكَ الذاوي عن شتمِهِما
اذ يُمعنانِ في هجرِكَ
او يفرّطانِ في سُمعتِهما
وهما يبددانِ مستقبَلَهما في خليجٍ داعر
محبوبي يا وطني
اعرفُ انكَ دوّنتَ كركراتِ الأطفال
و دموعَ عشاقكِ المهزومين
كلكامش و زيو سيدرا و تموز و عشتار
اكاذيبَ الشعراءِ و اناشيدَ البحّارة
و ارواحَ المتصوفةِ بعدَ ان فنِيَتْ فيك
في الواحِ الطين
لكن القلمَ الخائن
دَوّنها في الواح هواءٍ و هباء
و نقشَ ملاحمَ الطّغاة
و مواهبَ الخونةِ
و فكاهاتِ اللصوص
في الواحِ ذهب
وطني المُبجّل
اعرفُ ان قلبَكَ المثقلَ بالنفطِ و القِطران
يحبّنا بلهفةِ وردة
و خفّةِ عِطر
و نقاءِ ضميرِ فَراشة
و لكنْ
و انت تحبُّنا كما لَم يَفعل عاشق
و لَم تفعل اُم
هل لك ان تعلَمَ
وانت تطالعُنا في كراساتِ طينِ الإلفِ الثالثِ قبل الميلاد
انك لا يمكنُ ان تنقَشَ حرفاً
في الوحلِ
بعد ان سَقَطْنا من ذاكرةِ الطين
و ختاماً يا وطني
هل لك ان تستديرَ و لو مرّة
و اقدامُك ثغوصُ في وحلِ حاضرِنا
لتخبرَنا
ان كنا مَنظورين و مَقروئين
في الألف الثالثِ بعد الميلاد
اَم اننا
و الألفَ الثالث
الواحُ هواءٍ
وهَباء!!

* شاعر عراقي مقيم في النرويج