لماذا نكتب؟ هل الكتابة مجرد غيظ ناجم عن ارتفاع صاروخي لمنسوب المكبوت؟ هل للكتابة الناجحة معايير محددة؟ ما قيمة الكتابة إزاء جيل عازف عن القراءة، ونسب أمية حطمت كل الأرقام؟
&أسئلة كثيرة تتناسل مثل بعبع مخيف، وزخما من الهواجس يكتسح حيزا مهما من انشغالات المبدع والمثقف على حد سواء، بل وكل من يحمل ذرة كبرياء وغيرة على "بلاد العرب" ويؤرقه همّ نهضة حقيقية ترتقي بأوطان الذيل لتضعها في مصاف الدول المتحضرة.
هي معضلة عويصة إذن في أمس الحاجة إلى منظومة تنظيرات وتشخيصات دقيقة يتأسس عليها العلاج بما يضمن على الأقل التخفيف من حدة الظاهرة.
إن كل مبدع، اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو مطالب حد التكليف بتقديم الأجود وتحرير النوعية المقبولة المشتملة على المواصفات التي بمقدورها استمالة المتلقي وجذبه إلى عوالمها، وزرع الولع بالمطالعة فيه، بدل تنفيره منها ومنحه مبررات واهية للنبذ والرفض والقطيعة، باعتباره طرفا لا غنى عنه في هذه المعادلة المتحتم التعامل معها على نحو علمي ممنهج بغية الدفع بها باتجاه ما يكفل زعزعة راهنها ومحاولة إنقاذها من لحظة الاحتضار.
وفي السياق ذاته أقول: آن لمن يحمل بين أنامله قلم الرياء، لأغراض ضيقة، مستغلا من أجل بروزه المتاح من مساحات لتمرير خطاباته المتلعثمة وغير المستندة إلى مصداقية أو شرعية أو نزوع إلى ما هو إنساني نبيل يلم الشمل ويوحد الصف ويرتق الفتق ويرمم الشرخ، أقول آن له أن يتوارى حييا مستسلما لنوبة من عذاب الضمير وتوبيخه والتوبة إلا عما يصب في إطار الصالح العام.
&آن لمنتحل شخصية المبدع، ضيق الرؤيا والتصور لدرجة تهيمن عليه معها الرغبة في أن تطلع عليه شمس اليوم الذي يشار فيه، إليه ببنان السمعة والفخر، أو من تكون على رأس قائمة أولوياته نية مبيتة رامية إلى تحقيق شهرة أو ربح مادي أو ما ناغم ذلك من أوجه التعارض مع ما تمليه وتقتضيه الحوافز والدواعي الإنسانية القيمة.
أقول آن لمن هم من هذه الطينة، مراجعة أنفسهم قبل فوات الأوان وقلب ما بين أيديهم من معاول هدم إلى أدوات معتدلة متزنة لبناء الإنسان والمجتمعات وتيسير سبل الخير والنماء. ولو أنه ما من عيب أبدا في تصيد البعض من الغايات الآنف ذكرها، إلا أنه من المستحسن التعالي عليها والقفز فوقها وتخطيها إلى ما هو أسمى وأنقى وأخلد.
في اعتقادي، لا معايير محددة، الالتزام بها والاشتغال عليها يكسب النص النجاح المنشود، سوى ما خرج من بيضة الهامش ولامس هموم طبقات الأغلبية من الدراويش وشرائح المحرومين والمنكوبين وكل من يئن تحت وطأة أجهزة القمع والتعسف السلطوي والمعيشي والأخلاقي، ضديدا وخصما للمبتدي في هيئة باذخة تنم عن ثقافة الرفاه.
&فالإبداع عموما، يفترض بصاحبه أن ينطلق من خلفية أعمق بكثير من نعته بتفريغ للمكبوت أو استنطاق للمكنون، فهو أولا وقبل كل شيء مظلة لتفجير ما بحوزة الكتاب دون غيرهم من ملكات ومواهب يتعين صقلها، فضلا عن كونه رسالة سامية بكل ما تحمل الكلمة من معنى،مسؤولية حاملها متبلورة في التسلح بوعي مسبق يفتح البصيرة على تبعات نشرها، أي الرسالة.
شاعر مغربي/30/09/2014
&
- آخر تحديث :
التعليقات