الشعر كفنّ تعبيري ضارب بجذوره في عمق التاريخ البشري، ليس مجرد سقوط "جواني" إلى الداخل، أو ضمّادات للتوتر الناجم عن الإزدواجية الدالة على التنافر بين الذات والمحيط، أو ما شاكل ذلك من قبيل ما يحيل على أيّ من المقاربات الجادة من أجل التأكيد على جدواه وفاعلية وظيفته. الشعر أعمق وأشمل من هذا كله بكثير.
فهو يأتي كأداة ممكّنة من تحسس الحقيقة والغوص في الكينونات وكل ماهو جوهري، بعيدا عن الخضوع أو التقيد بمنهج معين أو نمطية معرقلة أو اجترار لطقوس الرتابة والروتين.
هو صرخة صادمة وانتفاضة رقيقة في وجه التخلف والإضطهاد وكل أشكال الإستعباد . هو حناجر مزج طوباويّ بين العنصرين المعرفي والجمالي لتجسيم الرفض المطلق والإعتراض عن كل ما يسيء إلى الإنسان ويلطخ كرامته ويمرغ آدميته في مستنقع البهيمية والغرائز المهيمنة& ويهدر دمه بغير وجه حق. هو الألسن الجريئة& المضمخة بالمرارة& والغصص،مطالبة بتحقيق عدالة اجتماعية ومساوة واستفادة مما هو حق حسب ما تمليه مناحي الحياة المعاصرة.
والشاعر في مراوحته بين حلمية واقعه وضديدها، وفي تشظيه من منطلق تجربته الخاصة، إنما يتطلع إلى منح تفسيرات وفق ما تقتضيه إنسانيته، منتهية إلى تناغم تام مع الوجود ومحو ما قد تولده السلطة السياسية من انطباعات& موهمة بتواجد فجوة وبون شاسع بين الذات والواقع.
ولأنه ـــ أي الشعرــــ في أبسط تعريفاته وتجلياته امتدادا لرواسب ومخزون الذاكرة والموروث الإنساني، يظل& بمعزل عن تمظهرات الواقع المحصور في الثالوت الأقتصادي والسياسي والإجتماعي ويرقى إلى ما يتناغم مع الروح في سموها السرمدي وتشكيكها الدائم وقلقها وتعطشها اللامحدود لإستشراف الغيب، تملصا من التقليد الأعمى والرجعية ومن سلطة الإيديولوجيات القاصرة، تحت مظلة سندبادية خارقة لكل مألوف، باتجاه تفرد منشود وخصوصية وبصمة خالدة وصوت خاص مميز.
وفي خضم المفاهيم المتصلة بجدلية الشعر والراهن، يبدو لي أن الأقرب إلى الإنصاف بخصوص هذه المادة الدسمة، يتبلور في النأي عن المطلق والإتكاء على نسبية تناول هكذا مواضيع ملغومة،باعتبارها معادلات معقدة يلعب المتلقي دورا حيويا كطرف فيها لا يمكن بأي حال من الأحوال الإستغناء عنه في إثراء النص وتوسيع رؤاه وما ينطوي عليه من تصورات وما من شأنه بسط حتمية النزوع إلى أسئلة التجديد والإضافة والخروج بالشعر عموما من دائرة النخبوية الضيقة.
شاعر مغربي/26/10/2014
&