إعتبرت الأوساط الأدبية في أمريكا اللاتينية العثور على القصائد البالغ عددها 21 قصيدة، وغير منشورة سابقاً لبابلو نيرودا، والتي سترى النور في إسبانيا في منتصف الشهر المقبل، أعظم إكتشاف للأدب المكتوب بالإسبانية في السنوات الأخيرة.
قليل هو عدد الشعراء الذين يلقون الإهتمام الدائم من لدن الآخرين، رغبة في إستكشاف ومعرفة المزيد عن عالمهم، الشعري على وجه التحديد، وبابلو نيرودا (بارّال، 1904 – سانتياغو دي تشيلي، 1973) واحد منهم. إذ تمثل قصائد الشاعر الحاصل على جائزة نوبل في الأدب لعام 1971 من أبرز الأعمدة التي إستند عليها الشعر في القرن العشرين، وينبوع ماءٍ يروي ظمأ عشاق الأدب للأجيال القادمة أيضاً.
&أن كل ملاحظة توضيحية لنيرودا أو هامش يتعلق بأعماله الأدبية أو العثور على سطر واحد من قصائده، له أهمية بالغة، كون نيرودا يعدُّ منارة على الساحل تضئ درب التائهين عشقاُ، إذ تلتقي في كتاباته أسرار ومشاعر مفعمة بالحماس. أن كل ما يدور من حوله يغدو كرنفالاً، وخبراً، ودهشة. ولا يزال على الشاكلة ذاتها مذ ولد قبل 110 أعوام. وهذا ما تعكسه دهشة الكل، إثر العثور على كنز عظيم داخل عالمه الشعري: 21 قصيدة غير منشورة تتراوح بين الأعوام 1952 و1973، أعلنت عنها مؤسسة بابلو نيرودا في سانتياغو بتشيلي، في شهر حزيران / يونيو الماضي، كما لو كان الأمر يتعلق بمعجزة. وكما قال الكاتب بيري جمفيرير "أنه أعظم إكتشاف للأدب المكتوب بالإسبانية في السنوات الأخيرة، وحدث أدبي ذو أهمية عالمية قصوى". وقبل العثور على الكنز الأدبي الكبير بثلاثة أشهر، كانت القصائد قد حطّت على طاولة مكتب كارمن بالسيز التي تحتفظ& بحقوق نشر أعمال بابلو نيرودا.
ومن المعروف أن الآلاف من محبي نيرودا يبحثون عن كل ما يحمل توقيع شاعرهم، أو هوامش وشروحات تركها على صفحات كتبه، أو لها بصماته. حيث أن أي أثرٍتفوح منه رائحة نيرودا الشعرية يكون بمثابة جوهرة ثمينة. ولذلك، أن ظهور قصائد غير منشورة سابقاً لنيرودا في كتاب يعدُّ حدثاً إستثنائياً يصبُّ في تأريخه الشعري الثر.
أن المئات من الصناديق التي تحتوي على إرث نيرودا الأدبي والمحفوظة في قبوٍ يعود إلى المؤسسة التي تحمل إسم الشاعر، والتي تتمتع& برقابة وحماية أمنية مشددة، خضعت لمعايير خاصة تمنع عنها تأثير درجات الحرارة أو الرطوبة. وهناك، داخل ذلك القبو المنيع توزعت العشرات من النصوص التي لم يتم تحديدها من قبل.
كانت رحلة مغامرة البحث هذه قد بدأت في حزيران/ يونيو 2011، بعدما ترأس مدير مكتبة وأرشيف مؤسسة بابلو نيرودا، داريّو أوسيس، فريقاً من الإختصاصيين للعمل على إعداد فهرس "على أن يكون بقدر الإمكان شاملاً للمخطوطات وما كان يكتبه نيرودا على ماكنة الطبع"، والتي قال عنها أيضاً بأنها "كانت رحلة إستثنائية إلى عمق شعر نيرودا". وهناك "عثرنا عليها"، كما يقول أوسيس و"بحثنا عنها مراراً وتكراراً على أمل أن نجدها مطبوعة بين طيّات دواوينه الشعرية العديدة، غير أنها كانت قد إختفت بين آلاف الأوراق ومئات الآلاف من الكلمات، كما لو كانت ترغب في أن تبقى غير منشورة وأن تحتفظ بمكانها المجهول".
وبمجرد إسترداد كل شئ، ولد كتاب تحت عنوان "أتحسس قدميك قي الظلّ وقصائد أخرى غير منشورة""، الذي كان صدر في شهرنوفمبر/ تشرين الثاني الماضي عن دار "سايكس بارّال" في تشيلي، والذي سيكون في متناول يد القرّاء الإسبان في 15 يناير/ كانون الثاني المقبل.
&كانت صحيفة "الموندو" الإسبانية قد إطّلعت على الطبعة الأولى من النسخة التشيلية للكتاب، حيث تحتوي أيضاً، كما الطبعة الإسبانية، على مقدمة لبيري جمفيرير. كتب بابلو نيرودا البعض من قصائده في قصاصات لأوراق متفرقة، أو على برامج الحفلات الموسيقية التي كان يحصل عليها خلال رحلاته البحرية أو على أوراق بعض المطاعم، أو في دفاتره المدرسية خلال أعوام الخمسينات والستينات. وأغلب هذه القصائد مكتوبة بالحبر الأخضر، اللون المفضل لدى نيرودا، اللون الذي يزيّن به معظم نصوصه الشعرية. أما القسم الآخر منها فقد كُتب بقلم الرصاص، بينما ظهرت البقية القليلة باللون الأزرق. وجميع القصائد تحمل هوامش وتعليقات تسمح للمهتمين بمتابعة القصيدة من بداية الشروع بكتابتها حتى وضع اللمسات الأخيرة عليها.
ولأن الزمن الذي كتبت فيه هذه القصائد يختلف من مرحلة وأخرى، فقد تعددت القضايا التي تناولتها، من الحب (ست منها مهداة إلى زوجته الثالثة ماتيلدا أوروتيا)، إلى الطبيعة في تشيلي، والوقت الراهن وصراعاته، ورحلاته، وسيرته الذاتية، ومسؤوليات الشاعر، وأفعال الإنسان.
كل شئ بالنسبة لنيرودا كان شعراً. وكل ما حوله كان عبارة عن مادة خام لمشروع كتابة قصيدة. لم يكن يهمل أي شئ. وعندما أرسل الإتحاد السوفيتي برائدين فضائيين ليدوران بمركبتهما& حول الأرض، كتب نيرودا "هذان الرجلان وحدهما/ هؤلاء الرجال الأوائل/ هناك في الأعالي/ ما الذي حملاه منا؟". كانت تلك الرحلة الفضائية قد فتنت الشاعر.
&هنا، الأمر لا يتعلق بظهور شاعر مختلف فقط، بل بفيضٍ من القصائد كتبها شاعر عرفناه. من هنا تأتي أهمية العثور على هذه القصائد وإيلاء الحدث مكانة عالية. حيث تكشف قصائد بابلو نيرودا الجديدة ليس فقط عن عالم شعري، بل عن عالم مبني على أساسٍ رصين وتنسيق حميم. لأن الذي يتكلم أمامنا هو ذلك الإنسان الذي وجد في الكلمات ما قد يكون أكثر من مجرد مسألة ترتبط بالحياة، أنه: الخلاص.&&
&
&