&مهداة إلى الشاعر الصديق جواد كاظم غلوم

1
بينَ الأضواءِ الخافتة

ورذاذِ المطر

رأيتُ باصاً أحمر

ركّابُه بثيابٍ زَرقاء

يَتهادَى وحركةِ الرّيح

في شارِع الرَّشيد

حيثُ كانَ القمرُ

بالوناً*

يُحلّق

في البعيد.

* تشبيه القمر ببالون اقتبسته من قصيدة للشاعر البريطاني هولم.

&

2
من مقهى "الكيت كات"

إلى "مقهى المُعقّدين"

بِضعةُ أمتار.

كانت كافية

لتشعر

أنك في سَفرٍ

بودليريٍّ

طويل.

&

3

كنتُ مع مؤيد الراوي في الطريق

من مقهى المعقّدين باتجاه سينما النَّصر،

إلى بنايةٍ في أحدِ طوابقها

يقعُ مكتبُ مجلة "وعيّ العُمّال".

&

أخَذَنا حديثٌ مَساقُه:

الإنسان ذو البُعد الواحد،

ربيعُ براغ،

دورُ الستالينيين،

حركةُ أيار،

اعتقالُ جان دمّو

لتخلّفِه

عن أداء الخدمة العسكريّة...

&

كنّا نتكلّم ونتكلّم

جاهلين

أنّنا في الطريق

إلى ما سنكون عليه

بَعدَ نصف قرنٍ

من ذاك المَساء.

&

4

في سينما الخيام

ثَمَّ سلّمٌ يُفضي إلى الطابق الأعلى

تحوطه بوسترات

للممثلات الثلاث:

غاربو، مونرو وهايوورث

لهنَّ ابتسامةٌ

لا تعرف كمْ تحتاجُها

عندما تنطفئ الأضواء

وتُصبحُ الظلمةُ

في سينما الخيام

مسرحاً لشتّى الأحداث.

&

5

كان المَكانُ

في كلّ مَكانٍ،

في الدرابين،

المنعطفات،

الضواحي،

محطّاتِ الباص،

في الأسواق...

بحيثُ لكلّ منّا

نُصبٌ حَجري له

يحملُهُ في ذاكرتِه.

&

كان المَكانُ...

في كلِّ مَكانٍ

إلاّ في الكِتاب.

&

6

كنّا غالباً ما نَذهب إلى دكانٍ صغير

في شارع أبو نوّاس

لنشربَ عصيرَ الرّمّان البارِد.

الحرارةُ قد تَجاوزت الأربعين،

نهرُ دجلة

يلمَعُ تحتَ وَهَجِ الشَّمس،

السيّارات الفارهة تمرُقُ بسُرعة

والسّاعات تمضي هادئةً

على الجانبِ الآخرَ من النهر.

&

كان كلُّ شيءٍ

يُبهرنا إلى قَيلولة

وضعْنا فيها كلَّ الآمال.

&

ولمّا استيقظنا

وجدنا أنفُسَنا

مُنهَكين

بالرَّماد

والظلام.

&

7

بيتاً مفتوحاً على العالَم

كانَ البيتُ العراقي:

البابُ على مصراعيه،

السطوحُ متلاصقة،

مؤونةٌ أكثر من اللازم،

نخلةٌ تسترعي الانتباه،

مذياع الأغاني،

ذهابٌ وإيابٌ طَوالَ النَّهار

بل حتّى في منتصف اللّيل

هناكَ

زُوّارٌ

وصِياحٌ

وأحلام.

&

البَيتُ العِراقي...

كانَ هو أيضاً

مَفتوحاً على الخَراب.

&

نشرت في ملحق النهار الثقافي يوم السبت 3 أيار 2014