الرباط - وسط لوحات تشكل في مجملها غابة من السيقان والأرجل الحافية المتداخلة، يقام حاليا، وإلى غاية يوم 29 من ابريل ( نيسان ) الجاري، معرض الفنان عبد القادر المليحي، في رواق باب الكبير في مدخل حي " الأوداية" الأثري العتيق، حيث يعبق عطر التاريخ القديم، بين الأزقة، في ظلال الأسوار.
ورغم أن اللقب العائلي يحيل على فنان من رواد الحركة التشكيلية في المغرب، هو محمد المليحي، فإن الفنان عبد القادر المليحي ، وهو شقيق الفنان الرائد ، اختار لنفسه أسلوبا مميزا يحمل بصمته الخاصة، بمعزل عن التأثر بأي رسام آخر، مهما علا شأنه في عالم التشكيل.
ومن باب الإنصاف، والتمسك بفضيلة الاعتراف بجميل الذين اقترب منهم، أو احتك بهم فنيا، لاينكر عبد القادر المليحي إبن أصيلة، مدينة الثقافة والفنون، فضل أولئك الذين مروا من هذه المدينة الجميلة ، وتركوا فيها لمساتهم على الجدران في مواسمها الثقافية المتتالية.
أكيد أن معاشرة الفنانين في محترفات الحفر، كل صيف، منحته زخما من التجارب الفنية، وفتحت في وجهه أكثر من أفق، وهو يومئذ يتلمس الخطى كطالب في مدرسة الفنون الجميلة بمدينة تطوان( شمال المغرب) .
كبرت قامته الفنية، وهو يصقل موهبته باستمرار، ليتوج مساره الفني وتكوينه الأكاديمي في مدرسة الفنون الجميلة في أونغوليم في فرنسا، ليخط لنفسه اتجاها فنيا خاصا به، معتمدا على ذاكرة يقظة اختزنت بين تلافيفها الكثير من الرؤى والصور المرتبطة بالتراث الفني لبلده.
بعد تجربة ميدانية في عالم المعمار، غاص خلالها وسط تربة التاريخ، قاده حدسه الفني إلى أن يختار الاشتغال على الجسد، كمنطلق للإبداع، يستلهم منه مختلف التعبيرات، وفق تصوره الخاص.
في المعرض أكثر من ثلاثين لوحة، كلها تحتفل بالسيقان والأقدام، وتجعل المتلقي يقف مندهشا أمام هذا التداخل الذي يشد بعضه بعضا، والذي تعطي حركيته نوعا من التفاعل الفني الغني بالإيحاءات واللمحات الفنية، التي تحيل على الكثير من علامات الاستفهام.
" كم رقصة تكفيك لتقاسم هذه اللوحات إيقاعها المتمرد على جسد الكائن؟" هكذا يكتب الزبير بن بوشتى، الكاتب المسرحي في مقدمة دليل المعرض، قبل أن يضيف :" سيقان اختارت لغتها بمعزل عن باقي الجسد، ترقص له ومن خلاله، تبغي التحرر من صورة الاكتمال التي ظلت راسخة بالأذهان عن الجسد المكتمل".
وبما أن موقع المعرض جاء في مدخل القلعة الأثرية " الأوداية"، فإنه هو أول مكان تطأه أقدام السائحين القادمين من جهات العالم الأربع، يقفون، يتأملون، يثرثرون، يتساءلون حول خلفيات ودلالات السيقان، ثم يمضون لاستكمال برنامج الزيارة، قبل أن يدلفوا إلى المقهى الشهير القريب لارتشاف كأس الشاي بالنعناع مع الحلويات.
والسائحون الذين قد يكون الحظ أسعدهم بالفوز بنسخة من دليل المعرض المزدان باللوحات، يحلو لهم آنذاك، بعد أن جلسوا، أن يعيدوا النظر فيها، وفي عيونهم يلتمع بريق الإعجاب.