يواجه العالم في أيامنا هذه ظاهرة مرعبة، حسب وصف البعض، وتطورًا لا مفر منه، حسب وصف البعض الآخر، نعني بذلك الإدمان على استخدام الانترنت والبريد الالكتروني ومتابعة البرامج والتطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي.
إيلاف من بيروت: هذا النوع من الإدمان ليس موروثًا، ولا ينتقل بالجينات، بل هو مكتسب بفعل الظروف المحيطة، وهو أيضًا حالة لا يمكن تجنبها ولا علاج لها، ولا يمكن إعادة تأهيل المصابين بها، مثل بقية أنواع الإدمان على المخدرات أو الكحول وما شابه.
تفكيك اجتماعي
فالانترنت بات في كل مكان، حتى في أماكن العمل، ولا مفر من السقوط في براثنه، إضافة إلى أننا نحمله معنا أينما ذهبنا، حتى لو كنا في اجتماع رسمي أو غير رسمي، إذ غالبًا ما نفتح هاتفنا مرات لا تحصى خلال اليوم، لنعرف إن كنا قد استلمنا رسالة جديدة بالإيميل أو عبر واتساب ... إلخ. والنتيجة هي: لا مفر!.
مقاومة من نوع آخر يستدعيها العصر الالكتروني الحالي |
أستاذ علم النفس في جامعة نيويورك آدم آلتر خصص كتابًا لهذا النوع من الإدمان العصري، عنونه بـ "لا يُقاوَم"، ويشرح فيه بالتفصيل أعراضه وأسبابه وملابساته، ثم مستقبل تأثيراته على البشر، وهو ما يعتبره مظلمًا بعض الشيء، لأن حصر العلاقات بالانترنت سيؤدي بالنتيجة إلى تفكيك المجتمع البشري، وإلغاء الروابط الأسرية، وحتى الصداقات الحقيقية، والعيش في عالم افتراضي يفتقد إلى التواصل الحقيقي.
سلب إرادة
كتاب آلتر يبث الرعب في النفوس، ذلك أنه يكشف أيضًا عن وجود آلاف الأشخاص من ذوي الذكاء الخارق في الطرف الآخر من الشاشة، وهم يفعلون المستحيل على الصعيد التقني، لإبقاء المستخدم مربوطًا بمواقعهم، ولمنعه من الانتقال إلى مواقع أخرى، ولكسر إرادته، وتحويله إلى مدمن لا علاج له.
هؤلاء هم من يصممون التطبيقات، ويديرون مواقع التواصل، ويسيطرون على عقول المستخدمين، ويحبطون أي محاولة يبذلها هؤلاء لإنقاذ أنفسهم من براثن هذا الإدمان.
يقول آلتر: "اهتمامنا عملة ذات قيمة بالنسبة إليهم، وهو نادر بشكل عام، لذا تبذل هذه الشركات كل الجهود الممكنة لجذبه وصبه على منتجاتهم، وليس على منتجات شركات أخرى".
تشغيل تلقائي
بالفعل تدفع الشركات مبالغ طائلة إلى هؤلاء الأذكياء القادرين على ربط المستخدم بموقع معيّن دون غيره، وشده إليه إلى حد الإدمان، وضمان استمرار اهتمامه به دون سواه.
من وسائلهم جعل مواقعهم تسجل إعجابات وتعليقات وما شابه، وهو ما يعطي المستخدم نفحة من السرور والإعجاب بنفسه، ويضمن لهذه المواقع جذب اهتمامه المتواصل. ومن وسائلهم أيضًا تشغيل فيديوهات متلاحقة بشكل تلقائي، تمنع المستخدم من إغلاق الموقع، والبقاء مشدودًا إليه. ويكتب آلتر: "جزء كبير من النشاط المسجل على هذه المواقع سببه التشغيل التلقائي".
كيف نقاوم؟
لا وصفة سحرية بإمكانها قتل انشداد المستخدم واهتمامه بمواقع الانترنت وباستخداماتها وتطبيقاتها وما شابه. لكن الكاتب يشجعنا على الانتباه إلى الزمن الذي نمضيه على الانترنت كخطوة أولى، أي أن نحتمي بالإرادة قبل كل شيء، وهي التي يعمل الأذكياء على كسرها من على بعد آلاف الأميال.
هذا وتشير إحصاءات حديثة إلى أن الإنسان الاعتيادي يمضي ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات على هاتفه المحمول يوميًا، ويمكن معرفة هذه المدة بالتحديد من خلال تطبيقات خاصة تقوم بحسابها بدقة.
كما تلفت دراسات حديثة إلى أن دماغ من يتعاطى جرعة هيرويين لا يختلف كثيرًا عن دماغ من يبدأ بلعب "عالم الحروب" على الإنترنت، كما تشير إلى أن التكنولوجيا تحوّل الأطفال إلى كائنات لا تعرف كيف يتواصل أحدها مع الآخر.
إيجابيات وسلبيات
ويعتقد آلتر أن الناس بشكل عام بدأت تفقد اهتمامها بالتفاعل مع البشر الآخرين لمصلحة الاهتمام بعالم افتراضي. وتشير الدراسات أيضًا إلى أن التأثيرات السلبية لتكنولوجيا الانترنت تبدو أوضح على الفتيات والمراهقات منها على الفتيان.
أخيرًا، من المؤكد أن لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات إيجابيات عديدة، لكونها فعالة ورخيصة الثمن، وتعلم الإبداع، وتساهم في نشر الأخبار مع تجاوز دوائر الرقابة، لكن لها سلبيات عديدة أيضًا، ومنها الإدمان ونشر الأخبار الملفقة والكاذبة وأمور أخرى.
أعدّت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن "لوفيغارو". الأصل منشورعلى الرابط أدناه:
http://www.lefigaro.fr/livres/2017/12/02/03005-20171202ARTFIG00024-abolition-de-l-esclavage-dix-livres-qui-ont-marque-l-histoire.php
التعليقات