&
للكاتب الإنجليزي ميك ويلتش
&
صوت حفر متقطع يرن في رأسي، دماغي يلتهب، لا.. هذا ليس مثقاب كهربائي، ليس مطرقة، أداة أخرى
تلفوني المحمول، كان يهتز على الطاولة الصغيرة المحاذية لسريري. الطاولة التي ورثتها من جدتي وهي الشيء الوحيد الذي ورثته منها، والوحيد الذي كانت تمتلكه وقد اثرتني به قبل رحيلها بزمن طويل.
توقف الاهتزاز برهة، ثم عاد ثانية بشكل أكثر لجاجة. أخيرا فتحت عينيّ، كانت الساعة الثانية ليلا، ومن يتلفن في مثل هذه الساعة؟ لا خير يأتي في مثل هذا الوقت، حتى حين ولد ولدي عند منتصف الليل، لم نتلفن لأحد حتى ارتفعت الشمس في كبد السماء. ولدي ايثان عند أمه هذا الأسبوع، ربما هذا السعال الملازم له تحول الى التهاب رئوي، ربما طليقتي هي المتصل.
نظرت الى واجهة التلفون، اضطربت لهذا العدد الهائل من الأرقام المنتشر على الشاشة.
"هالو"
برهة من الصمت قبل أن ينفجر البركان بحرية، أذني هوجمت بصفاقة بصوت عال يتحدث لغة أجنبية، واحدة من تلك اللغات الصينية حسب ظني، صوت امرأة، صوت خائف أختلط بأصوات أخرى، إطلاق رصاص، حريق ما، صراخ...!
في الخلفية صوت محرك سيارة. خفضت صوت التلفون، قطعت المحادثة غير المفهومة، ألقيت رأسي ثانية على الوسادة. ما هذا بالضبط، من هذه المرأة؟ أكيد هو اتصال أخطأ الهدف، خطأ بالمفتاح الدولي ربما، السقف تحول مجددا الى لون العتمة بعد أن انطفأ ضوء الهاتف، وأغلقت عيناي مجددا.
صوت الرصاص يأبى أن يفارق أذني، اللعنة ما العمل.. لا أستطيع أن أنام.
وأهتز التلفون ثانية.
رفعته.. " هاللو" تمكنت من أن اجعل نبرة صوتي محايدة.
كانت تتحدث بإنجليزية ركيكة للغاية، لكني إنجليزي، مسؤوليتي أن افهم. كلماتها تأتيني بشكل شظايا مبعثرة لا رابط لها مضافا الى تأثير صدى البث عبر الأقمار الصناعية، المهم:
-من تلفون في السيارة...حن نتحرك الآن.. ابنتي في شانغهاي.
-طيب. أنا سأنهي المحادثة، تصبحين على ...
-كلا ارجوك.. انت تتحدث معي..." قالت بصوت مفعم بالرعب والرجاء".. ارجوك ...!
-انت تتحدثين مع رقم خاطئ يا سيدتي، لا اظن اني انا المطلوب.
- كلا أنت المطلوب. أنا اتحدث من.. أنهم يقتلونني.. سيقتلونني في الحال.. ارجوك.
- من أين تتحدثين؟ من الصين؟
-كلا من مالي...شركة البترول البريطانية. نحتاج مساعدة.. انهم يقتلوننا.. آه.. كلا.. آه..
" ثم شرعت بالحديث بلغة غريبة، اظنها لغتها الأم، ربما هي تصلي.. يخيل لي.. ربما تلعنهم.. هناك صراخ تناهى لسمعي".
وانقطع الاتصال... شعرت باضطراب شديد.. حيرة.. ماذا افعل. ماذا املك أن افعل.. وتلفنت على الرقم مجددا.. بعد برهة طويلة تحدث صوت نسائي آلي " الرقم الذي تحاول الاتصال به خارج عن الخدمة مؤقتا".
هرولت صوب الحمام، وضعت رأسي تحت صنبور الماء، الأصوات تلاحقني، صوت الرصاص، التوسل الحار من إنسان بائس ينتظر الموت ويتعلق بقشة في اقصى بقاع الأرض.. اللعنة من العجز البشري...!
وخزني شيء تحت ساقي.. الريموت كونترول.. رفعته، ضغطت على زر التشغيل.. كتمت صوت الجهاز وشرعت عيناي بملاحقة الشريط الإخباري. أسعار النفط ترتفع.. الصين تؤكد أنها لا تملك قوات في جزرها خارج الفلبين...
مالي.. لا أعرف أحدا في مالي، اللعنة إنني حتى لا اعرف لهذه اللحظة اين تقع مالي...!
يا إلهي ...فجأة.. خطر ببالي صديقي داريل، إنه يعمل في التنقيب في نيجيريا...لكن.. اين نيجيريا من مالي.. لا أدري.. اتذكر أننا تحادثنا قبل أسبوعين على الفيس بوك.
لدي رقم تلفوني، بحثت عن مفتاح نيجيريا، عثرت عليه في دليل التلفون، قارنت الرقم برقم الهاتف الذي تلفنت المرأة منه علي.. ليس ذات الرقم.
ضغطت الرقم.. انتظرت أن يأتيني جوابا، برهة انتظار ثم جاءني ثانية ذات الصوت الروبوتي الذي يقول" الرقم الذي تطلبه غير متوفر الآن..".
فكرت...تذكرت أن داريل أصلا من مدينة بونستون في يورك شاير الجنوبية، أذكر أن لأمه اسما ليس إنجليزيا لأنها أصلا من اسرة مهاجرة، بحثت في الدليل الإلكتروني على كمبيوتري المحمول، دليل بونستون، لم أجد فيه بحرف ال(اس) إلا اسم واحد، "شيلا" ، التقطت الرقم وهاتفت بالحال.
-هلو.. من.. نعم.. أنا شيلا.
-انا صديق داريل
-اكيد تريد رقم تلفونه الجديد، اليس كذلك؟
-نعم.. نعم. لكن.. أود أن اعرف يا سيدتي الا زال هو في نيجيريا؟
- نيجيريا.. كلا.. لقد انتقلوا الى أحد مصافي البترول. في.. مالي...!
ماذا؟ مالي...شعرتُ بانقباض رهيب في صدري.
-نعم.. اعرف.. سأنظر في الأطلس، لكن هذه المنطقة لا شيء فيها إلا الصحراء والبترول، و..لحظة رجاء..
فجأة ...اللعنة ... انتظري سيدتي.. لحظة..." على شريط اخبار السي أن أن ظهر الخبر جليا. هجوم إرهابي على مصفى البترول في مالي.
-سيدتي...ارجو أن تحولي التلفاز على قناة السي أن أن.. هناك شيء يحصل في مالي.
بصوت كسير هتفت بي:
-بحق الرب خبرني الحقيقة، أنت لم تكن تعرف أن ابني في مالي، ولا تملك تلفون ابني الجديد، من اين لك أن تعرف أنه هناك وأنه ...
-سيدتي... تلفون ابنك عندي، وسألتك عن الرقم فقط لأتأكد.. امرأة تلفنت من تلفون ابنك.. امرأة مذعورة وجدت رقمي على تلفونه.. امرأة يائسة تعلقت بقشة بعيدة لا تنفع ولا تضر، وقد صدمتني بمقتل صديقي ولم اتأكد إلا حين أعلن الخبر على قناة التلفاز. أنا آسف سيدتي.. لم يكن بمقدوري أن افعل شيئا وما كان بودي أن اتصل لخبر مثل هذا.&
&
التعليقات