هل يمكن لتاريخ المعلومات أن يُفَسِّر السر وراء تفوق الثقافات الغربية على باقي ثقافات دول العالم؟ وان كانت الهيمنة وتحليل المعلومات هي المفتاح للقوة الاقتصادية الغربية، فما معنى ذلك بالنسبة للوضع الراهن الذي تحاول فيه الصين والهند اللحاق بالركب؟
كتاب جيرمي بلاك الجديد يعتبر خلاصة ضخمة ووافية لمجموعة الحقائق التي تبحث بشكل إيحائي في حقيقة التشابك الحاصل بين المعلومات والحداثة الغربية. وسار بلاك على نهج آخرين في إشارته إلى أن الدولة الحديثة تعتمد على المعلومات المرتبطة بالديموغرافيا، الضرائب والإنتاج الصناعي وأن الدولة نفسها تنتج كميات كبيرة من المعلومات. لكنه نوه أيضاً إلى أن التكنولوجيا، بدءً من الطباعة وانتهاءً بالانترنت، مكَّنت المعلومات من الانتشار خارج جدران الحكومة بتأثيرات تخريبية محتملة.
وسبق للحكام على مدار تاريخ العالم أن استعانوا بالمعلومات باعتبارها مصدراً من مصادر السلطة. وبدأ بلاك كتابه بالحديث عن أوروبا في العصور الوسطي، لكنه ركَّز في معظم سرده على المرحلة التي تلت عام 1450. واتضح أنه مفتون بشكل كبير بالخرائط، وفصول الكتاب ممتلئة بأمثلة دالة على جمع المعرفة الجغرافية مثل الخرائط التي كان يتم رسمها في القرن الـ 16 بإسقاط مركاتور ( وهو إحدى طرق الإسقاط الإسطواني التي ابتكرها العالم الجغرافي جيراردوس مركاتور ) وتلسكوب هابل الفضائي. لكنه مهتم أيضاً بالطرق التي تشابكت بها المعلومات مع دنيا السياسة في العالم الحديث.
وراعت دراسة بلاك البحثية المثيرة للإعجاب مجموعة من العوامل والعناصر التي من بينها التعداد السكاني، معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة، الطب، الحفاظ على الوقت، القطارات، التلغرافات، المركبات الفضائية، الهولوكوست، أفلام ستار وورز وبالطبع شبكة الإنترنت. وينطوي النقاش الخاص بعمليات الفحص الدقيق التي تقوم بها الدول وكذلك مسألة هيمنتها على اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية إبان فترة حكم ستالين، الصين الحديثة، سوريا تحت حكم نظام الأسد،
ويتم التعامل مع ذلك النقاش على أنه مجرد تحقيق صحافي وليس هجوماً عنيفاً على آراء أناس آخرين.
والإجابة على السؤال المتعلق بالتمييز الغربي لابد وأن تكون نسبية، وتتناثر بهذا الكتاب تفاصيل رائعة من قراءة بلاك الموسعة عن الصين، اليابان، بلاد فارس، سلطنة مغول الهند ولابلاند.
ونحن نعلم أن الخليفة العباسي في بغداد، خلال القرنين التاسع والعاشر الميلادي، كان يمتلك خدمة بريد جيدة للمسافات الطويلة، وأن اليابان كانت تتمتع بمتاجر مذهلة في القرن السابع عشر. ونعلم أيضاً أن الطباعة في الصين كانت تتم عن طريق نقش صفحات كاملة من الأحرف على كتل من الخشب، وهي آلية كانت تتسم ببساطتها ورخص أسعارها. ومع هذا، فإنه ولكل ذلك، يبقى هذا الكتاب بشكل أساسي كتاباً عن أوروبا.
ورغم انبهار بلاك بالتحسينات التي طرأت على الآليات الخاصة بجمع المعلومات وتحليلها على مدار القرنين الماضيين، إلا أنه أكد أن المجتمعات الغربية دائماً ما كانت مجتمعات مميزة منذ بداية الفترة الحديثة بسبب ميلهم للتنقيب عبر المحيطات، المغامرات والاستثمار.
وبسطت إمبراطوريات أخرى نفوذها على مساحات كبيرة وعلى شعوب من ثقافات، أديان ولغات متنوعة، لكن المغول، الفرس والصينيين كانوا يحكمون عن طريق البر وليس البحر وكانوا يبنون اقتصادياتهم على الأراضي وليس على التجارة. وأوضح بلاك أن مقتضيات التجارة بعيدة المدى هي التي دفعت الغربيين إلى ابتكار الآليات المتطورة لجمع المعلومات وتحليلها، وهو ما أدى بدوره لبسط نفوذهم عالمياً بالقرنين الـ 19 والـ 20.
وعجَّ الجزء الأخير من الكتاب بأمثلة حديثة تبرز التحديات الحاصلة الآن، والتي من بينها أن هناك ثقافات أخرى طورت نظم معلومات خاصة بها وأن بمقدور التقنيات الحديثة نشر المعلومات على نطاق أوسع بكثير. وعلى الرغم من إشارته إلى هربرت جورج ويلز وجورج أوريل، إلا أن بلاك امتنع بحكمة عن محاولة التنبؤ بالمستقبل.
الكاتب: جيرمي بلاك
تمت المراجعة بواسطة: أيلين فيف
دكتور أيلين فيف.. قارئة في التاريخ بجامعة سانت اندروز
التعليقات