لماذا نفكر بالشر ونرتكبه؟ ماذا يمكن أن يعلمنا العلم عن سبب اقتراف البشر أعمالًا سيئة؟ ماذا تعلمنا ردات فعلنا عن الانحراف عن أنفسنا؟ لتجيب عن هذه الأسئلة، تجمع جوليا شو بين العلوم وعلم النفس والفلسفة، وتتصدى لتعقيدات عالم النفس الجنائي.

هل الشر موجود؟ هل نولد جميعًا قتلة فلا ينقذنا إلا السيطرة على الانفعالات؟ هل الشر في عين الناظر فحسب؟ في بداية كتابها "ارتكاب الشر: العلم وراء الجانب المظلم من البشرية" Making Evil: The Science Behind Humanity’s Dark Side (منشورات كانونغايت، 15 جنيهًا استرلينيًا)، تستشهد الكاتبة في علم النفس الجنائي جوليا شاو بكلام فريدريك نيتشه: "التفكير في الشر يعني ارتكابه"، على الرغم من أن مسرحية هاملت توصّلت إلى هذه الفكرة أولًا: "ليس هناك شيء جيد، وآخر سيء، لكن التفكير هو الذي يجعله كذلك". والرواقيون قالوا ذلك قبل فترة طويلة. لكن ماذا عن القتلة؟

ساديون محتملون

اتّضح أن شاو تجادل بأننا جميعًا نملك القدرة على ارتكاب جريمة قتل وأعمال شنيعة أخرى، ومن الحظ الأخلاقي أنّنا قادرين على السيطرة على الانفعالات وهذا يمنعنا من التعبير عن نزواتنا المظلمة. تعترف قائلة: "أشعر بانتظام كأنني أريد أن أقتل الناس". إذا نظرت من كثب إلى سياق جريمة ما - أو داخل رأس شخص ما - لن تفشل في العثور على ظروف تخفيفية.&

تروي شاو الحال المحزنة لرجل طعن والده حتى الموت، لأنّ مستشار إدمان الكحوليات أقنعه بأنّ مشكلات تعاطي المخدرات لديه سببها تعرضه للاعتداء الجنسي في طفولته. لكن، قد يكون غياب التعاطف مشكلة في الجهاز العصبي يعانيها المرضى النفسيون والقتلة عند الولادة. هل يُلام أي شخص يولد بدماغ مماثل؟ &

لهذه الأسباب، تجادل شاو بأننا نخطئ عندما نطلق على الناس أسماء شريرة على أساس فعل واحد – مثال: "قاتل. مغتصب. لص. كاذب" - أو عندما نستخدم ما قد يكون ظرفًا وراثيًا كألفاظ استهجان: "سيكوباتي. بيدوفيلي" فهذه العادة اللغوية، بحسب شاو، تميل إلى إقناعنا بأنّ "لا يجدر بنا التعاطف مع بعض الناس".

لكننا جميعًا في مكان ما على سلّم السلوكيات المظلمة. فكلّنا على سبيل المثال ساديون محتملون.

تقليل الضرر الواقعي

إنّ فكرة أن يفضّل الكتاب "تقليل الضرر الواقعي" على التشهير الوحشي للآخرين هو أمر إنساني جدير بالثناء، لكن لا يمكن الاعتماد عليه بصفته مصدرًا إيتيمولوجيًا.&

هل سبق لك أن لاحظت أن كلمة devil أي 'شيطان' هي كلمة "evil" أي ’شرير‘ مع إضافة حرف 'd' في أولها؟ حسنًا، هذا ليس صحيحًا: فالكلمتان من جذرين مختلفين تمامًا.&

تتناول شاو عن دراية، البحث النفسي والعصبي، حتى لو كان من الممكن أن يكون هذا الأخير في كثير من الأحيان غير مفيد (تنطوي أنواع اتخاذ القرارات الأخلاقية كلها على زيادة التنشيط من التلفيف الصدغي الأوسط الأيسر التلفيف الجبهي الإنسي والتلفيف الحزامي. رائع. لكن ماذا في ذلك؟)
إنها تستخدم أيضًا نتائج غير موثوقة - تجربة سجن ستانفورد الشهيرة مثلًا، عندما تم فصل المتطوعين إلى حراس ونزلاء، وبدأ الحراس يتصرّفون بشكل سادي. وفي هذا الإطار قال أحد الحراس للمراسل بن بلوم في العام الماضي: "كنت أعتقد أنني أفعل ما أراده الباحثون مني".

النسبية الأخلاقية

لكنّ حجتها الأساسية – أي أنه لا يوجد شيء اسمه الشر – لا يمكن العلم أن يحسمها. وبعد إقناع القارئ بأننا، في ظل الظروف الملائمة، ربما نكون جميعًا قتلة أو لصوصًا أو منحرفين أو متنمّرين على شبكة الإنترنت أو مالكي عبيد أو شركاء في التعذيب أو الإبادة الجماعية. تحرص شاو على الإشارة إلى أنها لا تؤيد "النسبية الأخلاقية"، وأنّ بعض الأشياء خاطئ بكل بساطة.&

تستنتج: "لمجرّد أننا نستطيع أن نرى كيف تؤثر الظروف علينا بطرائق عميقة، فهذا لا يعني أن التصرف بشكل سيء هو أمر مبرر... أعتقد أن التسبب عن قصد بالألم والمعاناة أمر لا يغتفر".

عند هذه النقطة، يمكن القول إن الفرق المعنوي بين "لا يُغتفر" و "شرير" يبدو ضئيلًا في السياق، وتسميته هذا أو ذاك هو موضع خلاف. تقول شاو: "أتحداك أن تمر عبر هذه الحياة من دون اللجوء إلى تسمية الأفعال أو الأشخاص أشرارًا"، ما يبدو فكرة محترمة.

لكن، هل استخدام صفة "لا تُغتفر" أسوأ بعد؟ (من الناحية اللاهوتية في الأقل، فإنّ الشر قابل للغفران). تعتبر شاو أنه في يوم من الأيام، عندما نتمكن من تحليل الدماغ بعناية كافية، سوف نجد أسبابًا فزيولوجية للسلوك "الذي لا يُغتفر"، وسيكون من القسوة رفض فكرة أن "فهم كل شيء يعني مغفرة كل شيء".

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "غارديان". الأصل منشورة على الرابط:

https://www.theguardian.com/books/2019/feb/20/making-evil-julia-shaw-review-humanity-dark-side


&