يتمركز اشتغال هذه الدراسة للناقد والمسرحي السعودي د.سامي الجمعان رئيس قسم الاتصال والإعلام بجامعة الملك فيصل "خطاب أيام الشارقة المسرحي من التشكل إلى التحول.. قراءة من خلال مسيرة ربع قرن" حول الخطاب المسرحي المنتج عبر أيام الشارقة المسرحية، بوصفها " تظاهرة مسرحية ثقافية تُقام في إمارة الشارقة، وتتزامن مع الاحتفال بيوم المسرح العالمي من كل عام، وتشرف عليها دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة".

وقد أكد الجمعان أن اصطفاء "أيام الشارقة المسرحية" يأتي عينةً لهذه الدراسة كونها تجربة مسرحية تمتلك القدرة لا على تمثيل المسرح الإماراتي فحسب، بل لقدرتها وبامتياز على تمثيل شبيهاتها من التجارب المسرحية العربية، خاصة الخليجية منها، حيث الانتماء إلى الحيّز الجغرافي الخليجي نفسه، والنمو في اُطر بيئية متشابه حدّ التطابق، أكان على مستوى ظروفها التاريخية، أو صيغها التراثية، أو معطياتها الاقتصادية، فضلا عن تقاليدها وعاداتها وثقافتها الشعبية الواحدة. ووصولا إلى هذا المبتغى يلزمنا أولا تحديد الحيّز الزمني الذي نشتغل ضمن حدوده، ثم المجال الإبداعي الذي يعنينا من عروض الأيام المسرحية، ومن بعدها سبب اختيارنا الأيام نموذجا لما نريد التحقق منه، وقبل هذا كله تأطير المسار المنهجي المتبع.

وأضاف أن الحيّز الزمني للدراسة يمتد لستٍ وعشرين دورة من دورات " أيام الشارقة المسرحية"، أي ما يقارب ربع قرن من الزمن، كانت سنة 1984م باكورته ومُفتَتَحه، ففي هذا التاريخ عُقدت الدورة الأولى، وفي سنة 2016م عُقدت الدورة السادسة والعشرون. لنا أن نعتبر الفترة الزمنية تلك مفصلية في الحياة المسرحية الإماراتية، منذ أن قررت دائرة الثقافة بإمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة تَبني هذه المبادرة ورعايتها تنفيذا وإشرافا، ووفق توجيهات و" إرشادات الشيخ د.سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة الذي أصرّ على بناء الإنسان ثقافيا، واستخدام الوسائل المتنوعة والمتعددة من أجل ذلك" الهدف السامي.

وأوضح الجمعان أن مجال الدراسة يختص بالنصوص المسرحية التي تولّى كتابتها الكاتب المسرحي الإماراتي تحديدا، وتم تقديمها ضمن العروض المشاركة في الأيام، وخلال المدة الزمنية المحددة للدراسة فقط، ومسألة تحديد مجال الدراسة مسألة وثيقة الصلة بمفهوم تحليل الخطاب الذي نحن بصدده فيها، فالنصوص المسرحية التي قدمها الكاتب الإماراتي عبر دورات أيام الشارقة المسرحية هي مجال الدراسة، أو بصورة علمية أدق هي مدونة الدّراسة، " والمدونة ـ حسب التعريف الكلاسيكي ـ تعني مجموعة محددة من النصوص يتم تطبيق منهج معين عليها".

وقع الاختيار على "أيام الشارقة المسرحية " لعدة مسوغات حددها الجمعان في خمس نقاط: أولا الدعم المعنوي والمادي الكبيرين الذي تتلقاه الأيام من قبل الإرادة السياسية بإمارة الشارقة، بوصفها مشروعا مسرحيا حيويا، يَصب في خدمة استراتيجيات الدولة حضاريا وفنيا وثقافيا ومؤسساتيا. ثانيا ـ الانضباطية التي عهدتها الأيام في توقيتها السنوي، دون إخلال أو تراخٍ، حتى استحالت تقليدا مسرحيا مُنتظرا في كل عام، مع وجود حادثتي توقف، أولاها توقف الدورة الرابعة المفترض عقدها سنة 1987م، ثانيها: ما حدث بعد الدورة الخامسة، حين توقفت الأيام لست سنوات تقريبا، وهي الفترة من عام 1989 حتى عام 1994م، وسوف تكون لنا وقفة فاحصة للأسباب الداعية إلى التوقف الأول والتوقف الثاني في موضع آخر من الدراسة.
ثالثا الدور الاستثنائي الذي لعبته الأيام في إحداث نقلة مسرحية نوعية في الخطاب المسرحي الإماراتي على صعيدين: الصعيد المحلي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى الصعيد الإقليمي في حيّز دول مجلس التعاون الخليجي. رابعا الفاعلية القوية للأيام في تقديم الكاتب المسرحي الإماراتي، ولعبها الدور الأبرز في ضخ الساحة المسرحية الخليجية والعربية بأقلام مسرحية متفردة على رأسهم الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، وسالم الحتاوي، وناجي الحاي، وإسماعيل عبدالله، وأحمد بورحيمه، وعبدالله صالح، ومرعي الحليان، وعمر غباش، ومحمد سعيد الضنحناني، وجمال مطر، وجمال سالم، ومحمد العامري، وعبدالله مسعود، وعلي جمال، وعبدالله زيد، وحميد فارس، وغيرهم كثير. خامسا وعي " الجهة المنظمة والمشرفة والمُمَوِّلة، المتمثلة في دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة بكامل مسؤولياتها وواجباتها تجاه هذه التظاهرة، وتوفيرها مقومات النجاح وأسباب التألق،.. إيمانا منها بجدوى وتأثير هذا الفن".

وأكد الجمعان أن مجمل هذه المحفزات النابعة من أهمية هذه التجربة المسرحية الثرية جعلتنا أمام خيار دراسة تنصب على حركية النص المسرحي الإماراتي والخطاب الذي أسهم في تشكيله، خاصة في الفترة الزمنية المعنية بالدرس، وما تبلورت عنه هذه النصوص من ثيمات ومضامين ومقولات شَغلت الكاتب المسرحي الإماراتي وشكلت خطابه المسرحي على تعدده وتنوعه.
وبعد مرحلة الإحصاء والجرد والجدولة للأعمال المسرحية تتوجه الجمعان في دراسته إلى تحليل الخطاب المسرحي الذي انتجته نصوص الأيام المسرحية، والتي تكفل بكتابتها الكتاب الإماراتيين على وجه الخصوص، وهي في ظننا المحطة الأبرز من الخطة المنهجية التي اعتمدتها الدراسة رغبة في التوصل إلى تصور محدد لكيفيات تشكل هذا الخطاب من جانب، ومن جانب آخر ما حدث خلال مسيرته من تحولات رَسّخت سيرورته وحضوره ثقافيا واجتماعيا.

وأشار الجمعان أهمية تحديد هذه التحولات في مسيرة خطاب الأيام المسرحي تنبع من كونها دليل واقعي على قدرة الكاتب الإماراتي، بل رغبته الأكيدة في تطوير أدواته، وتنويع مضامين وثيم مقولاته، والتي شكّلت بالنسبة لقلمه همّا، وشغلته إلى الحد الذي صدّرها عن غيرها من القضايا في هذا الخطاب، وهي في ذات الوقت مؤشر على حجم القضايا التي استرعت انتباه هذا الكاتب.
هذه التحولات أثارت لدى الجمعان أسئلة ذات بعد معرفي مهم، من مثل: هل ظلّ خطاب الأيام المسرحي خطابا دائرا حول نفسه؟ هل استرعى انتباهه المشتركات الإنسانية، فتملص من خلالها من قيود الهوية الخاصة، ومن حدود الأقاليم والجنسية؟ إلى أي المضامين وجّه هذا الكاتب بوصلته: المضمون السياسي، أم التراثي، أم الاجتماعي، أم النفسي ..إلخ؟.
وقال "إجابات تلك التساؤلات الحيوية إذا ما استطعنا بلوغها ستشكل خارطة طريق لحركية ذلك الخطاب المسرحي المُنتج في دولة الإمارات العربية المتحدة على صعيد أولي، وعلى صعيد ثانٍ ستكون بوصلة تحدد توجهات ومسارات الكاتب الإماراتي في اطار تجربة مسرحية راسخة، ومتواصلة لسنوات عدة، بلغت حتى اللحظة ربع قرن من الزمن. وهذا الهدف يتطلب منا أن نكون على مقربة مما يطلق عليه في تحليل الخطاب الأدبي: البنية الكبرى، بمعنى النظر إلى الخطاب بوصفة وحدة كبرى، لهذا وإن توجهنا منهجيا إلى تقسيم مسيرة ربع قرن من أيام الشارقة المسرحية إلى أطوار ثلاثة، فنحن في الوقت نفسه ننظر إليها بوصفها وحدات صغرى لبنية كبرى تضم بعضها البعض، فإن لم تكن خطابا للمسرح الإماراتي قاطبة فستكون ـ على أقل تقدير ـ خطابا لأيام الشارقة المسرحية".

ورأى الجمعان أن أيام الشارقة المسرحية حققت الكثير من المنجزات للمسرح الإماراتي، كما أنها أثرّت في المسرح الخليجي بشكل مباشر وغير مباشر، ورفدت المسرح العربي بما أنجزته من عطاءات تحسب للحركة المسرحية العربية، خاصة بعد أن توثقت جسور التواصل بمبادرة من أيام الشارقة المسرحية، لاستقطاب العروض المسرحية العربية المميزة، والإفادة من الكفاءات المسرحية العربية على مختلف الأصعدة.
وأضاف "أحرزت الأيام هذا التميز لتوافر عوامل عدة، على رأسها عبورها نصف قرن من الزمن، وانجازها أكثر من ست وعشرين دورة، حتى تحولت إلى جزء أصيل من إرثنا المسرحي العربي. العامل الثاني هو " السياسة التنظيمية المتواصلة، التي أوجدت للأيام ثوابت فلسفية، وقوانين تنظيمية، على درجة عالية من الدقة، والوضوح والتطور". &
وقال "نؤكد أيضا على الأهداف الجلية والواقعية التي واكبت مسيرة الأيام، وسعت دائرة الثقافة والإعلام إلى تحقيقها تدريجيا مع كامل الجدية والحرص، ومن هذه الأهداف:
1ـ " التواصل مع المسرح في العالم قاطبة عبر استثمار الاحتفالية العالمية السنوية "اليوم العالمي للمسرح".
2ـ تنشيط وتطوير الحياة المسرحية من خلال تقديم عروض مسرحية محلية تتنافس فيما بينها على الغاية الإبداعية.
3ـ تنمية الوعي المسرحي من خلال ما تطرحه الأيام من فعاليات ثقافية وفنية.
4ـ دعم وتشجيع التجارب المسرحية العربية والعالمية المتميزة في شكلها ومضمونها والتي تقدم جديدا هادفا، بغرض الاستفادة واكتسب خبرات جديدة.
5ـ العمل التطبيقي الدؤوب على اكتشاف المواهب والقدرات الأدبية والفنية والتقنية والإدارية المسرحية، وإبرازها، والعمل على صقلها، وتهيئتها للمستقبل، وهو ما يعطي الأيام ضمانة واقعية على الديمومة والتطور". &
ولفت إلى أن هذا على مستوى شامل لمنجز الأيام، أما من حيث الخطاب ومنجزه فقد لاحظنا أنه قدم تنوعا في المضامين والمقولات والرؤى، ومن خلال كفاءات كتابية إماراتية، رصدنا قدرتها فيما تبنيه من اطروحات فكرية عميقة على مستويات فكرية مختلفة، اسهاما منها في معالجة العديد من القضايا والمشكلات، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأصوات المسرحية لم تقتصر على القضية المحلية بل نوعت حتى بلغت قضايا إنسانية ومشتركات عالمية، وفي الوقت نفسه لم تتهاون بطرح ما يمس الهوية، أو يهدد وجودها.

وخلص الجمعان إلى إن مثل هذا التنوع الفكري الذي انجزه خطاب أيام الشارقة المسرحي صار أشبه بالكيان المؤسسي، القائم على وعي وخطط استراتيجية، فضلا عن سمات راسخة تميزه عن غيره من الخطابات، وسط دعم رسمي كبير، وعناية حكومية فائقة من حاكم الشارقة على وجه الخصوص سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي أولى هذه التظاهرة رعاية خاصة حتى بلغت ما بلغته من نجاح. ما يمكننا الانتهاء عنده في شأن مسيرة خطاب أيام الشارقة المسرحية على مسافة ربع قرن من الزمن يتلخص في مروره بأطوار ثلاثة، اطلقنا على الطور الأول طور التأسيس والتشكل، ثم الطور الثاني وهو طور التوقف والمراجعة، ثم طور التحولات، وهو في ظننا الطور الأطول زمنيا، والأكثر وضوحا وفاعلية، لمروره بواحد وعشرين عاما.&

بعد هذا كله، خلص الجمعان إلى طرح عدد من الأسئلة المهمة: ما الذي يمكننا قوله في مستقبل هذا الخطاب، وهل نحن على مشارف مرحلة جديدة خطابية جديدة لها سماتها وخصائصها المميزة؟، وهل ستشهد الأيام بعد مضي ربع قرن انتقالة جديدة، يمكننا عدها طورا يضاف إلى ماسبق من أطوار؟، خاصة وأن ثمة ملامح بدأ المراقبون يلاحظونها ابتداء من الدورة السادسة والعشرين، كضمور الموضوع الاجتماعي، بتراجع مساحة طرحه من قبل الكتاب، فضلا عن صعود واضح في طرح قضايا المرأة، بالإضافة إلى حضور اللغة الفصحى بشكل لافت، فهل يعني هذا أننا حيال ربع قرن مختلف لأيام الشارقة المسرحية، وما حرصنا على طرح مثل هذا السؤال إلا من باب استشراف المستقبل لهذه التظاهرة المسرحية الإماراتية المتفردة مسرحيا، وسنبقي عليه سؤالا مفتوحا على أفق المستقبل وفضاءات أيامه القادمة.
&